مشكلة الإسرائيليين أساساً مع الفلسطينيين
فرح الإسرائيليون فرحا طاغيا بافتتاح مكتب تمثيلي لهم في دولة الإمارات . وسبقت افتتاح المكتب صور كثيرة من انفتاح دولة الإمارات على إسرائيل ؛ مثل مشاركة رياضيين إسرائيليين في مسابقات دولية جرت في تلك الدولة الخليجية الصغيرة . وذكر في الأخبار الأخيرة أن مسئولي تلك الدولة غضبوا من رفض إسرائيل بيعهم طائرات بدون طيار . وسياسة الإمارات منذ ما سمي بالربيع العربي لم تخرج عن مجرى ما ينفع الأهداف الإسرائيلية في المنطقة ، واتضح هذا في ليبيا وسوريا ومصر واليمن . وقيمة افتتاح المكتب التمثيلي الإسرائيلي تتركز في علنيته ورسميته تتويجا للعلاقات السرية الخفية بين الطرفين . وفي طغيان الفرح الإسرائيلي بالمكتب ، رآه بعض المسئولين الإسرائيليين علامة قوية على لامبالاة دولة عربية بما تفعله إسرائيل الآن تحديدا في الضفة والقدس من قتل وهدم بيوت واعتقال للفلسطينيين ، واتهموا المعترضين منهم على تلك الأفعال بالمبالغة في التخوف من ردود فعل الدول العربية . قالوا : ها هي دولة عربية تتجاهل كل ما نفعله بالفلسطينيين ، وتسمح لنا بفتح مكتب تمثيلي .
فرح الإسرائيليين وما قالوه في جوه يعري فرارهم الدائم من النظر الأمين في حقيقة مشكلتهم مع الفلسطينيين . يختزلونها إلى خلاف مع العرب يشبه خلاف دولتين في قضية حدود أو أي قضية أخرى مما يعرض للعلاقات بين الدول ، ولا تلبث أن تسوى بكيفية من الكيفيات . ما يجب أن يعيه الإسرائيليون ويركزوا عليه شيء مختلف كليا . مشكلتهم الحقيقية مع الفلسطينيين أولا وأخيرا ، ولب هذه المشكلة أنهم سرقوا وطن الفلسطينيين . هذا ما يعيه الفلسطينيون ويركزون عليه ، ويرى الإسرائيليون تجليات دائمة لهذا الوعي ولهذا التركيز ، ولكنهم كعادتهم يفرون من النظر في وهج هذه الحقيقة . حين يطعن فلسطيني صغير في الثالثة عشرة مستوطنا إسرائيليا مدنيا أو مجندا لا يرى الإسرائيليون تفسيرا لإقدام ابن الثالثة عشرة الفلسطيني على مخاطرة نسبة موته فيها مئوية إلا التحريض ! وممن ؟ من السلطة الفلسطينية التي تقف في صفهم أمنيا ، وترفض الانتفاضة مثلما يرفضونها ، وتقاومها مثلما يقاومونها . التفسير بالتحريض تهرب إسرائيلي صريح من مواجهة حقيقة المشكلة مع الفلسطينيين . من سرقت أرضه واضطهده سارقها ليس في حاجة إلى من يحرضه على مقاومة سارق أرضه ومضطهده . هذه فطرة البشر السوية التي خلقهم الله سبحانه بخصائصها ، والله يقول في كتابه العزيز إنه لا يحب المعتدين ، والإسرائيليون معتدون قتلة وفق شريعة السماء ووفق ما شرعه البشر . وإذا كانوا لا يرون أنفسهم كذلك فهذا لن يبدل حقيقتهم في نظر الفلسطينيين ، وهم لذا يقاومونهم بالميسر لهم من وسائل المقاومة . ويعترف الإسرائيليون بأن أشرس حرب واجهوها منذ ولادة دولتهم هي حرب غزة الأخيرة . ما التفسير الصحيح لهذه الشراسة ؟ الإسرائيليون يزيغون عن هذا التفسير ، ويحومون كعادتهم بعيدا عنه . لا يريدون أن يقولوا لأنفسهم إن وراء هذه الشراسة إيمان الفلسطيني العميق بأنه يقاتل عن أرضه وبقائه في سجل كتاب الوجود . ليس بلا دلالة عميقة أن كتائب القسام ، بخلاف المستوى السياسي في حركة حماس ، كانت تصر على متابعة القتال في الحرب الأخيرة على غزة رغم أنها تكتيكيا واستراتيجيا في البعد العسكري كانت في وضع تصعب فيه مواصلة القتال حتى على جيش كبير ، وفي الجانب الإسرائيلي كان الجنود والضباط الإسرائيليون يتحرقون لسماع أي خبر يبشرهم بانتهاء القتال . بعد كل أزمة أو حرب يخرج منها الإسرائيليون يكثرون من الحديث عن وجوب استخلاص العبر منها ، وفعلا يقومون بذلك ملافاة لتكرير ما حدث فيها من أخطاء ومآخذ . في مشكلتهم مع الفلسطينيين لا يستخلصون أي عبرة ، ويواصلون تكرير أخطائهم ؛ لأنهم يفرون دائما من مواجهة حقيقة وأصل هذه المشكلة ، ومن أمثلة هذا الفرار ظنهم أن مسالمة دولة عربية لهم مصدر فرحة لهم ونكسة للفلسطينيين ، وجوهر الحال أنه لو سالمتهم كل الدول العربية فلن تحل أزمة وجودهم في المنطقة ما داموا يهضمون الحق الفلسطيني و يضطهدون الإنسان الفلسطيني ، ونردف في ثقة أن المحور الأساسي في التوجه القومي العربي سيظل يرفض وجودهم ويحاربه ، وأن مسالمة الأنظمة العربية لهم لن تحرف مسار هذا التوجه وإن توهموا ذلك وطغى فرحهم بمظاهر هذه المسالمة .
وسوم: العدد 645