تفجيرات اسطنبول : رسالة طهران الأولى وصلت
لاشك أن إنفجاراسطنبول الذي إستهدف منطقة السلطان أحمد التاریخیة في اسطنبول ، والذي أسفر عن سقوط عشرة قتلى على الأقل و۱٥ مصاباً، واعلان عصابات “داعش” الإرهابية مسؤولیتها عن التفجیر، تعتبر من تداعيات السياسات التركية في التعامل مع أزمات المنطقة وتعقيداتها بصورة تعكس حرصها للوقوف مع شعوب المنطقة التي يتعرض بعضها للمذابح والقتل الممنهج ، والأخر ضد الطغيان والظلم الذي لم يعرف له التاريخ مثيلاً ، إلى جانب ذلك وقوف تركيا بحزم تجاه العصابات الإرهابية ومن خلفها باقتدار وحزم .
ما حصل كان متوقعاً في تركيا ، فهو يأتي في سياق عدد من التفجيرات التي عانت من تركيا حيث أريد تحقيق جملة من الأهداف ؛ من أبرزها توجيه ضربة قوية للحكومة التركية ، ووضعها أمام منعطف خطير ، عقب هذه التفجيرات ،أطلق أردوغان تحذيرات ، وكان أكثر صرامة تجاه الوضع الداخلي، معلناً بلغة واضحة عدم السماح باستمرار الخيانة الداخلية ، وهذا يضعنا أمام السيناريوهات المرتبطة بالجهة التي نفذت التفجير ، والأطراف المستفيدة منه من الخصوم الداخليين والخارجيين ، النتيجة أنه لا يمكن الجزم أن هذه التفجيرات كانت ورائها أطراف داخلية ، بل أطراف خارجية ، وهذا هو الخبر المؤكد .
تجيء هذه التفجيرات في ظل ظروف سعي حزب العدالة والتنمية إلى مزيد من الانفتاح مع العالم العربي والإسلامي ، ويجيء أيضاً في ظل عملية النمو الاقتصادي غير المسبوق في تاريخ تركيا الحديث ، ويأتي ذلك أيضاً في ظل سعي تركيا إلى إجراء تعديلات دستورية من شأنها تعزيز الديموقراطية ، ومبدأ تداول السلطة ، وتأتي أيضاً في ظل محاولة تركيا بناء نموذج للعالم يوائم بين المرجعية السياسية للاسلام وطبيعة النظام السياسي ، هذه التطورات بالتأكيد لا تروق لكثير من الأطراف الإقليمية والدولية ؛ مما يجعل تركيا في مرمى الهدف .
من المؤكد أن المنفذ ومن ورائه أراد إبتزاز تركيا ، فنظرية الاختراق الأمني والوصول بهذه العملية تخطيطاً ، تمويلاً ، تنفيذاً ،حيث أريد توجيه رسائل لتركيا ، أننا كارهاب وإرهابين قادرين للوصول إلى العمق التركي في أي وقت ، ومتى أردنا .
الهدف من خلال ضرب السياح الألمان بالتأكيد كانت رسالة واضحة لاستفزاز ألمانيا التي لديها مواقف جيدة تجاه عملية اللجوء ومن النظام السوري .
الحكومة التركية لن تجعل هذا الأمر يمر مرور الكرام ، ولن تقف فقط عند مجرد ضبط الحدود ، والاجراءات الاحترازية، والتعاون الدولي لضبط الحدود فقط على الرغم من أهمية هكذا اجراءات ؛ بل سيتم ضرب الجهة التي تقف خلف التفجير، في الوقت الذي يدرك فيه الرئيس أردوغان أن هناك محاولات مستميته لجر تركيا للتدخل العسكري في المنطقة ، لغرض استنزافها ، وجعلها تنكفئ عن المضي في مشاريعها الساعية لبناء الدولة النموذج سياسياً ، وإقتصادياً واجتماعيا .
من المؤكد أن داعش فرع المخابرات السورية والإيرانية ومن ورائها من قوى وأطراف أرادت من خلال هذا العمل الارهابي الجبان أن تنعكس سلباً على تركيا ، وتتسبب بتدهور أوضاعها الأمنية ؛ فاستهداف المناطق السياحية التي تحاط بأطواق أمنية وبهذا التوقيت ، يراد من خلاله زعزعة الوضع الاقتصادي لتركيا ، وتشويه صورة اللاجئين السوريين الهاربين من الموت والدمار الذي يقوم به النظام السوري والإيراني والقصف الروسي المتواصل للمدنيين الأبرياء ، ووضع العقبات أمام الرئيس التركي وحكومته ، ومحاولة إفشاله في المضي في استحقاقات تركيا الداعمة لقضايا المنطقة العادلة ، لا سيما الشعب السوري الذي بات يعاني أكبر عملية إبادة عرفها التاريخ الحديث ، حيث أصبح مختبراً تجريباً لأفتك ما قامت بصناعته المؤسسة العسكرية الروسية .
كذلك جاءت هذه التفجيرات للضغط على الرئيس أردوغان وإجبار تركيا للتوجه نحو التطبيع مع النظام السوري والإيراني والروسي على فرض أنهم يواجهون عصابة داعش الإرهابية ويقاتلونها ، والصحيح هو العكس تماماً ، فبشار الأسد وولي الفقيه وبوتين من أكبر الداعمين لداعش ولجميع التنظيمات الإرهابية وأخواتها التي تمارس القتل والارهاب والدمار في سوريه والعراق وعموم أرجاء المنطقة .
من المؤكد أن العمل على توتير أوضاع تركيا من خلال نقل الإرهاب إلى داخل هذه الدولة لن يجدي نفعاً ، إلا أن نتائجة ستكون بلاشك كارثية على المسبب الأساس ، لأن الرئيس أردوغان لن يقف متفرجاً إزاء ما يجري ، بل ستزيده تصميماً على المضي بسياساته الداعمة للشعب السوري وحقوقه المشروعة في التحرر والانعتاق من هذا النظام الدموي ، وستزيد تركيا عزماً للمضي في تحالفاته الإقليمية ؛ لاسيما بعد انشاء مجلس التعاون الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية ، وبعد قطع الرياض للعلاقات مع طهران والدعم التركي للخطوة السعودية ، وجاءت أيضاً عقب انضمام تركيا إلى الحلف الاسلامي لمواجهة الارهاب والتي بدأت بوادر ردات الفعل عليها تظهر من خلال الأطراف الناقمة على هذا الشكل من التكامل الإقليمي ، ونخص بالذكر دولة ولي الفقيه الناقمة على كل من يواجه سياساتها ومشاريعها العدوانية في المنطقة لاسيما من جانب تركيا والسعودية .
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 650