السني متصالح مع نفسه ومع تاريخه
لم يعلمونا في فلسطين عن المذاهب أو التفكير المذهبي ولم يربونا، لا في البيت ولا في المدرسة، على كره مذهب أو دين ما أو أتباعهما، لم نسمع عن الحديث المذهبي والقتل المذهبي إلا بعد احتلال العراق في 2003.
ما حفزني على كتابة هذا المقال هو ما قرأته في مقال خولة دنيا عن الحديث الطائفي وعن السنة والشيعة والعلويين والاسماعيليين والدروز والمسيحيين في سوريا.
لا أزال مؤمنا بأن المذاهب في طريقها إلى الزوال وأن أتباع المذاهب الإسلامية سيتقاربون أكثر في عصر التنوير والتفكير هذا، ولا أزال مؤمنا كذلك أن الدولة الدينية لا تصلح لعصرنا، ولا أعتقد أنها وجدت يوما برغم اعتقاد البعض عكس ذلك، وخاصة أيام الخلافة الراشدية. الحل هو في دولة مدنية تحترم إنسانية الإنسان..دولة المواطنين أو دولة المواطنة كما يسميها عزمي بشارة ورفاقه.
صدمت لأكتشف أن ما يجري في أرضنا العربية يحمل جذورا تاريخية قديمة، وصدمت لاكتشف أن السياسة أسيرة للفكر والموروث الطائفي..وبرغم أنني لست إسلاميا ولا اعير المذاهب اهتماما خاصا، لكن لاحظت من خلال متابعتي واحتكاكي وقراءتي أن السني، وهنا لا أتحدث عن السلفيين والقاعديين وما شابه، هو الأكثر اعتدالا لسبب بسيط أنه متصالح مع نفسه ومع تاريخه.
لا شك أن المنطقة العربية عاشت تحت ما يسمى "الحكم السني" لقرون من الزمن لكن السني استطاع أن يحتفظ بعلاقة طيبة مع اليهودي، ومع جاره المسيحي وهو الذي ينكر دينه ونبيه، ومع باقي الطوائف الإسلامية. لم يلغيها، لم يفتك بها، لم يهمشها.
هناك بعض الطوائف الإسلامية الآخرى قائمة للأسف على إلغاء الآخر، تعاني مشكلة مزمنة في الموروث الديني والتاريخي. يستغرب المرء وهو يقارن بين السني والآخر:
1. السني لا يلعن ويرضى على كافة الخلفاء، والآخر يقتطع واحدا لنفسه (علي كرم الله وجهه) ويلعن باقي الخلفاء لـ 14 قرنا!
2. السني يُقرّب ويوضح علاقة المصاهرة والعلاقات الطيبة بين محمد(عليه السلام) وعلي وباقي الخلفاء، والآخر ينكر أو يحاول إخفاء ذلك!
3. السني يرضى على الحسين (رضي الله عنه) ويستنكر قتله، والآخر يتهمه بقتله!
4. السني يفتح في ثمانين عاما أوسع مما فتح الرومان في ثمانية قرون، والآخر لا يزال جالسا يلطم ويفكر بالانتقام!
5. السني يدعو إلى لم الشمل والتسامح؛ والآخر يدعو إلى الثأر والانتقام!
6. السني يرضى عن عمر بن الخطاب الذي فتح بلاد فارس وجعل أهلها من المسلمين، والآخر الفارسي ينصب مزارا للعنه!
7. السني يرضى عن عمر بن الخطاب، والآخر يشتم ويلعن والد عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد أنصار الحسين رضى الله عنه!
8. السني يرضى عن أبو بكر الصديق، والآخر يلعن والد محمد بن أبي بكر الذي قاتل مع علي في معركة صفين!
9. السني يعتبر النبي محمد رسولا للبشرية، والآخر ينظر إليه حاكما يجب أن يورث حكمه في عائلته (آل البيت)!
10. السني يذكر ويصلي على النبي محمد، والآخر يذكر الحسين ويصلي عليه أكثر من النبي!
11. السني ينادي "يا الله"، والآخر ينادي "يا علي"!
12. السني يعتبر إمامه بشر يخطيء، والآخر يعتبره معصوما ويعبده كإله!
13. السني يصلي في المسجد، والآخر يلطم في الحسينيات!
14. السني يبني مسجد "الصحابة" والآخر يبني مسجد "رأس الحسين"!
15. السني يبحث عن المستقبل، والآخر يعيش الماضي!
عذرا على صراحتي أو "دفاشتي"، لكنكم جميعا بحاجة ماسة لهذه الجرعة المكثفة!