فتنة هي أم تغيير منكر؟

علاء الدين العرابي
oraby_a@hotmail.com

يحلو للبعض أن يطرح هذا السؤال .. في معرض الحديث عن ثورات الربيع العربي

وللإجابة على هذا السؤال لابد من طرح سؤال آخر .. على من قامت  تلك الثورات ؟ .. وسنجد الإجابة المباشرة هي أنها قامت  على

حكام أفسدوا الحياة ، وحبسوا أنفاس شعوبهم ، وحجزوا ضوء الحرية عنها ، وقذفوا بكرامة الإنسان خلف اسوار السجون ، وداسوا على إنسانية الإنسان ، وسرقوا قوتهم ، ثم ما لبثوا أن سفكوا دماءهم  ..

اذن فأين محل مصطلح الفتنة من الإعراب في جملة ثورات الربيع العربي الاعتراضية ؟ ..

 أرى أن إشاعة مصطلح الفتنة هنا ما هو إلا ضربا من العجز حينا ، أو ضربا من النفاق أحيانا ..

عجز الجبان ..  الذي يؤثر السلامة حتى ولو تحطمت كرامته تحت أقدام الطغاة ، ورضي بلقيمات مغمسة بالذل ، وقنع بأن تكون قيمة حياته هي قيمة تلك اللقيمات

ونفاق المنافق ..  الذي هانت عليه نفسه فألقاها في متاهات الضلال ، وباعها في سوق النخاسة ، وحسب أنه بيع رابح ، تعس البيع ، وتعس عباد الدرهم وعباد الخميصة والقطيفة   

الفتنة مصطلح مظلوم قذفته  أفواه  شيوخ السلطان كعربون نفاق للوالي حينا وبأمره أحيانا ، وتلقفته رعاياه البائسة الذين ليست لديهم رفاهية الرد والنقد ، والهدف هو أن تموت القضية وتدخل الأمة في غيابات الجب فتلعن الثورة وتعلن التغيير 

 وربما تلاعب شيوخ السلطان بالقضية فتارة هي فتنة ظاهرة مثل شمس النهار  ، وتارة هي اختيار بين أخف الضررين .. ضرر الاستبداد أو الاستعباد .. ضرر  الفوضى المزعومة أو الإرهاب المحتمل    

لا أيها العمائم الزائفة .. فالفتنة بعيدة عن الأمة عندما تنادي بحريتها ، بعيدة عن الشعوب عندما تثأر لكرامتها ، بعيدة عنها عندما تنادي بحقوقها

ثار أحمد عرابي وخلفه الأحرار على خديوي كان الشعب كل الشعب في نظره قطعا من عقار يورث ، وعبيدا من عبيد احسانه فقال له : لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقار فو الله الذي لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم .. فهل كان عرابي يشعل فتيل الفتنة ، أم كان يطلب حقا ويغير منكرا  ؟!

 وهل أصبح تغيير المنكر وقوعا في براثن الفتنة ؟

  فإن قيل أين المنكر ، نقول المنكر ظاهر للعيان لا يحتاج إلا لمن له قلب يعي أو عين تبصر  ، فسرقة مقدرات الشعوب منكر ، وتحكم فرد في مصير أمة منكر  ، ونهب ثروات البلاد من قبل قلة فاسدة منكر ، وتزاوج السلطة والثروة منكر ، وقمع الشعب وإذلاله منكر .. ألا تكفي هذه المنكرات وتستدعي من يقوم لها  ..

وإن قيل الخروج على الحاكم منكر كبير ، قلنا وإهانة الشعوب منكر أكبر منه ، وقلنا إن ثورة تصلح المعوج خير من سكوت على فساد يأتي على الأخضر واليابس ، وإن كلفة الثورة أقل بكثير من كلفة الفساد .. فإن قيل الثورة فيها دماء ، قلنا الدماء التي تسيل على الطرقات نتيجة اهمال الفاسد أكثر – قدرت اعداد قتلى الحوادث في مصر أكثر من خمسة عشر ألف في عام واحد - ..  فإن قيل  تزهق أرواح بريئة ، قلنا إن الأرواح التي تزهق نتيجة أمراض الفشل الكلوى والكبد والسرطان وغيرها تزهق أرواحا أكثر براءة ، وكلها ناتجة عن منظومة فساد وإهمال ، وهذا قتل متعمد وإزهاق للأرواح أدهى وأمر

وفي المقابل .. فإن تغيير المنكر واجب لم يختلف عليه الفقهاء ، ولكنهم اختلفوا على درجته من حيث الاستطاعة من نكران بالقلب إلى تغيير باللسان واليد ، والثورات السلمية غالبا ما تكون تغييرا للمنكر باللسان فهي هتاف جماعي ضد الظلم والطغيان والفساد ، فهل أصبح هتاف .. لا للظلم .. لا للقهر .. لا للفساد محرمة إلى درجة أن يغيب أصحابها خلف أسوار السجون ، أو تحت أستار القبور  ؟!

وسوم: العدد 656