( الهُدنةُ المُؤقَّتة بين الضرورة و التكتيك )

ينظرُ إليها عددٌ من المراقبين على أنّها خطوةٌ في اتجاه حلحلة هذا الاستعصاء الذي تعيشه الحالة السورية منذُ خمس سنوات؛ إذْ الحروب سيعقُبها حلّ سياسي لا مفرَّ من ذلك.

و أنَّ هذا الوضع المُتشنِّج الذي يظهرُ فيه كِلا طرفي الحالة السورية، أمرٌ مُتقبَّل في هكذا استمراء لمشهد العنف الذي عمَّ المناطق كافَّة فيها؛ إذْ لا يُتصوَّر أن يُبديا رضاهما بوضع البندقية من على الكتف، و هما قد وَعدَا حواضنَهما الشعبية بالنصر الناجز، الذي سيجعل الخصمَ يقبل بالشروط المترتِّبة على استسلامه الكامل.

لعلّ في هذه القراءة ميلٌ إلى الواقعية؛ إذْ الأمور قد صارت أقربَ منها إلى الاستعصاء، من السير في طريق الحَلْحَلْة، بعدما رضيت الأطراف الخارجية النافذة بإدارتها على المدى المنظور، عوضًا عن إنهائها.

و بأنّ طريق المفاوضات سيغدو الطريق السالك في قابل الأيام، لأسباب قيلتْ كثيرًا من قبل، و بهذا فإنّ الجلوس المُوارِب على الطاولة، من النظام و فصائل الثورة منذُ ( جنيف 1 )، من الضروري تعديل الجلسة قليلاً ليبدأ النظرُ في الوجوه، و أنّ هذه الهُدنة ستكون البداية لذلك.

و يُعزِّزُ هذه القراءة ميلُ الحواضن الشعبية عند كلا الفريقين على حدٍّ سواء، إلى التفكير الجادّ في الخروج من النفق، بعيدًا عن حسابات الحلقة الضيقة للنظام، أو السقوف العالية لبعض الفصائل، ولاسيّما ذات البعد العالميّ.

فلقد تناقلت تقاريرُ عدّة صورًا من حالات التذمُّر التي أخذت تسود مناطق سيطرة النظام، و تحديدًا منها المناطق الساحلية، تمثَّلت في هيمنة العناصر غير السورية على القرار، و سوق أبنائها إلى معركة باتتْ متعفِّنة، و شيوع ظاهرة المسلحين و التشبيح من لدن محسوبين على عائلة الأسد، و ليس آخرها توقفُ عجلة الحياة و تعطُّل دورة التنمية الحياتية.

و لا تكاد الصورة في مناطق سيطرة فصائل الثورة تبعُد عن ذلك كثيرًا، و لا سيَّما بعد موجات النزوح الأخيرة من أرياف حلب الشمالية، و الجنوبية، و حماة الشرقية، و جبلي الأكراد و التركمان، و توقُّف برامج عدد لا بأس به من المنظمات الإغاثية الدولية، و ارتفاع سعر صرف الليرة، و استهداف التحالف و الروس على حدّ سواء لقوافل المحروقات القادمة من مناطق داعش، يضاف إلى ذلك كلّه الحالة الجديدة التي نتجتْ عن التدخُّل الروسي المباشر على خط الأزمة؛ ما جعل الصورة تميل إلى المأساويّة بشكل فاق كلّ ما سبق.

و بالطبع ليست فصائل الثورة بمنأى عن هذه الحالة الضاغطة؛ فجلّها لم يتلقَّ دعمًا ماديًا منذُ أربعة أشهر، و حتى الدعم اللوجستي العسكري بات شبه مُقنَّنٍ؛ بعد الاستدارة الأمريكية نحو فصائل كردية، و أخرى من أخلاط شتّى في الآونة الأخيرة.

و إذا كان في هذه الهُدنة ما فيها من الأفخاخ، فتلكمُ هي المعركة سواءٌ بوجهها القبيح ( الحرب )، أو بوجهها المُطرَّى ( المفاوضات )، ثمّ لعلّها تكون فرصة للفصائل ذات البُعد العالمي أن ترى الأمور بعيون السوريين هذه المرّة، و مثمَّنَةٌ الخطوة التي شرعت بها جبهةُ النصرة في سلّ الذرائع من يد المتربِّصين بالثورة، بإقدامها على تسليم حواجزها و دار المحكمة في سرمدا إلى أبناء البلدة، و لعلّها تبقى في المسار ذاته في قابل الأيام، و تُعمِّم تلكم الخطوة على أماكن وجودها الأخرى.

و أمّا داعش فلا أظنّ أن عموم السوريين بحزانى على ما سيصيُبهم من الضربات التي ستطالهم في أثناء الهدنة، هذا في حال إقدام الروس و النظام على كسر شوكتهم، قبل التأكّد من قيامها بالدور المناط بها تجاه الثورة السورية.

هي هكذا الأمور، هناك مَنْ يراها بعين التكتيك و المناورة، و هناك من يراها من باب الضرورة وتقديم الراجح من المصالح على المرجوح.

و في ظنّ كثيرٍ من المراقبين أنّ الهيئة العُليا للمفاوضات، بحكم المتوفر لديها من المُعطيات، قد مالتْ إلى الثاني منهما، و خيرًا تفعلُ فصائل الثورة ذات البُعد المحليّ في تفويضها بذلك.      

وسوم: العدد 657