مسرح روماني ( الأسد يفترس العبد مقيد اليدين )
مسرح روماني
(الأسد يفترس العبد مقيد اليدين)
والجمهور يصفق
زهير سالم*
يتوقف دارسو الحضارات عند الحضارة الرومانية الوارثة للحضارة اليونانية والوالدة المباشرة للحضارة الأوربية الحديثة ، فيضفون عليها وصفين : الروح التشريعية أو التقنينية ( الشيشرونية ) . وغلبت القسوة حتى التوحش على روح الحضارة التي تذكرنا ثورة العبيد التي قادها سبارتكوس بأبرز ملامحها .,,
في ظل تلك الحضارة كانت الرغبات البدائية المنحرفة للإنسان الأشر البطر طالب المتعة قد تجاوزت كل مدى . كان من تمام المتعة عند المجتمع الروماني المخملي حضور مباريات أو مسرحيات تقطر دما ، وربما يصيب رذاذه بعض الحضور . غاية المتعة لسيدة رومانية أنيقة تجلس بجانب فارسها أن تستمع بمشهد أسد ضار قد تم تجويعه أسبوعا ينقض على ( إنسان ) أو ( عبد ) كما كانوا يقولون ، فيتفنن أمام الحضور بتفكيك أوصاله ، ونهش أحشائه ...
يكون الرومان كراما أحيانا فيسمحون للعبد أن يمتلك قطعة سلاح يدافع بها عن نفسه ، شريطة أن يكون مغلول اليدين ، أو مقيد يده الواحدة ، الكرامة نفسها التي يمنحها اليوم أوباما للشعب السوري في دفاعه عن نفسه ضد وحوش روسية وإيران ولبنان والعراق وبشار ..
وقبل أن نغادر المشهد الروماني يجب أن نضيف أن الصراع على المسرح كان يتم أحيانا بين إنسان وإنسان ( عبد وعبد ) على أحدهما أن يخرج منتصرا من تلك الحفلة المسرحية . كان السادة والسيدات يبلغون ذروة الامتاع أو الاشباع السادي وهم ينظرون إلى المشهد الأخير الإنسان المنتصر يغرز سيفه في صدر أخيه أو في بطنه أو يحز به رأسه
هذا التاريخ الحضاري الإنساني يفسر لنا بطريقة مباشرة الموقف الدولي مما يجري في بلدنا سورية . يجسد لنا المتعة التي يجنيها أبناء وبنات الحضارة المخملية السليلة المباشرة للحضارة الرومانية. والإشباع الذي يخرجون به وهم يتابعون كل يوم فيلما واقعيا يقطر دما من أوداج أطفال ونساء وهم أكيدون أن ما يشاهدونه ليس خدعة هوليودية تكلف الساعة من إنتاجها ملايين الدولارات . فيلم أبلغ من هوليودي وأكثر توحشا أي متعة وهو لم يكلف أكثر من برميل متفجر أي عشرات الدولارات ..
مسلسل القتل الذي يعرض يوميا في المدن والقرى والأحياء السورية ، ويعرض كل يوم أشلاء ضحاياه أطفالا ونساء وشيوخا ورجالا ، ويعرض مشاهد الإحراق والتدمير ، والاغتصاب والانتهاك والتجويع هو في طبيعته ( !!!!) مسلسل متعة متجدد بالنسبة للسادة ( الرومان الجدد) ، مسلسل متجدد فلا شيء فيه مكرور ففي كل يوم إبداع جديد لخيال المخرج المجرم بشار الأسد . صحيح أن جوهر الفعل واحد ولكن طريقة الإخراج حتى عند القتل بالبرميل تحمل مع كل عملية قتل خصوصيتها وفرادتها وفيها من طابع الإثارة ما يكفي لإمتاع نفسيات منحرفة ، لا يكلف أصحابها إلا أن يضغطوا على زر الموجه لوقف المسلسل الدامي بكل مآسيه .
أما الرومان الجدد فلم يغير من طبيعتهم أو من حقيقتهم شيء أن يفسحوا على مدرجاتهم ، وبين مقاعدهم لأخلاط من البشر منهم ( باراك أوباما وزوجته ميتشيل ) سليلي جيل الضحايا من العبيد . لقد اكتسب بعض هؤلاء غريزة الاستماع بقتل الآخرين ...
أيها السوريون ، بل أيها المستضعفون السوريون ...
إن العالم أجمع قد تآمر علينا ، وهو يستمتع بمشهد الأسد الضاري المفترس وهو يمزق أوصال أطفالنا ويدمر عمران مدننا ..
وإن الذين يحدثونكم عن ( دعم ) قادم من سلاح أو من غيره هم متعهدو المسرح الذين يستثمرون في مشاهد تعريتكم وانتهاكم وتمزيق أشلائكم . سمسار كذاب كل من يعدكم ويمنيكم . ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) ، فانفضوا أيديكم منهم ، ولا تلقوا بالا لحديثهم ، ولا تثقوا بطامح متطلع منهم ...
أيها المستضعفون السوريون شهدت حضارة روما ثورة سماها التاريخ ( ثورة العبيد ) قادها العبد سبارتكوس الذي رفض أن يغرس سيفه في جسد خصمه بعد أن انتصر على المسرح الروماني عليه فما أحوجنا اليوم إلى الثورة على بائعي الثورة والمتاجرين بها ...
أيها المستضعفون السوريون لسنا ضعفاء ، إلا إذا أردنا أن نكون ، بل نحن بحمد الله الأقوى والأنقى والأبقى فالفظوهم ، اجعلوهم وراء ظهوركم ، ولنعد صياغة معادلتنا : ثورة بطول رماحنا . وسنقاتل بوعي وفقه وفهم عن دين وعن عرض وعن أرض سنقاتل بإرادة وتصميم ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية