تردي حال اللغة العربية
خبران من مصر هذا الأسبوع يتصلان بالعربية .في الخبرين يختلط ما يسر بما يحزن . في الخبر الأول أن وكيل وزارة التربية والتعليم بالسويس عبد الحافظ وحيد عاقب موجهة لغة عربية بخصم قيمة 10% من راتبها لورود أخطاء إملائية في اختبار اللغة العربية الذي وضعته لطلاب الصف الثاني الثانوي الصناعي حيث كتبت " التقس " و " السواريخ " و " سحيح " عوض " الطقس " و" الصواريخ " و " صحيح " . يسر في الخبر أن يكون في الوزارة من هو بهذه الغيرة الصادقة على اللغة الوطنية ، ويحزن فيه أن تكون موجهة لغة عربية بهذا التدني الذي أوقعها فيه غلبة عاميتها على العربية الفصيحة التي يفترض أنها على درجة مناسبة من معرفتها ، ويحزن فيه أيضا حرمان الموجهة ثلث راتبها الذي هي في شديد الحاجة إليه . والخبر الثاني خلاصته أن مواطنا من المنصورة صفع الإمام بعد صلاة الجمعة صفعات أودت بحياته ؛ لأن الإمام أخطأ في قراءة القرآن . هنا يتقدم الحزن على السرور لموت الإمام الستيني بصفعة مواطنه الستيني ؛ فكلاهما في الرابعة والستين . غيرة الصافع الكبيرة على القرآن الكريم قداسة ولغة ، وهي ما يسر، أعجلته لرد لا يليق ، فكان الحزن لموت إنسان بريء . ما أكثر ما كتب وما يكتب عن تردي حال العربية في صنوف استخداماتها منطوقة ومكتوبة ! ونتخوف أن ما سيكتب عن ترديها مستقبلا قد يقل ، لا لتحسن حالها وصحة أداء أهلها بها ، وإنما لليأس من تقليل ذلك التردي بله التخلص منه اقتناعا وتوثقا باتساع الخرق على الراقع وبلى الثوب ذاته . وسئم المجاهدون عن العربية من رصد ظواهر ترديها ، وتعليل أسبابه ، واقتراح الحلول الشافية . وكل واحد من الجوانب الثلاثة يستلزم الكثير من التوضيح والتفصيل ، وأجتزىء هنا باقتراح بعض وسائل الشفاء من التردي الكتابي أو الإملاء ، والنحو :
أولا : العودة إلى اعتبار المرحلة الابتدائية مدة كافية لإتقان مهارة الكتابة ، ويمنع انتقال أي تلميذ للمرحلة التالية لا يتقن الكتابة . ثانيا : عدم التسامح مع الخطأ في الكتابة والنحو حتى في أسماء المحلات .
ثالثا : لا تنشر وسائل الإعلام خاصة المواقع الإليكترونية أي مادة لكاتب أو إعلامي سيء اللغة إملاء ونحوا .
رابعا : رصد جوائز سنوية على مختلف المستويات والمجالات للوسائل الإعلامية السليمة اللغة .
خامسا : رفع درجة النجاح في اختبارات اللغة العربية في التعليم العام عن درجة النجاح في بقية المباحث بأن تزيد عليها عشر درجات مئوية مثلا . خامسا : تقوية حبها في نفوس الناس ، ومحاسبة من يزدريها . مما اشتهر من ازدرائها أن بعض الصحف المصرية مثلا كانت تلقب مدرس النصوص في رسومها الهزلية مدرس اللصوص . ومنذ حين قريب قالت كاتبة عربية إن إحدى قريباتها أسمعتها في الهاتف صوت طفلتها بنت السابعة وهي تبكي رافضة القراءة في كتاب اللغة العربية ، ومصرة على قراءة كتاب الإنجليزية ! والسؤال : من أوصل الطفلة إلى بغض العربية وحب الإنجليزية ؟ المؤكد أنه ليس عيب الأولى وحسن الثانية .
سادسا : الانتباه إلى أن الكتابة على لحاسوب تسهم في زيادة الأخطاء الكتابية وليدة السهو . يحدث أن نضغط على الحرف المجاور بدل الحرف المراد ، وأحيانا تكون الضغطة خفيفة لا تظهر الحرف ، وعدم مراجعة ما كتب ، وهو ما يحدث من بعض الكاتبين ، يترك الخطأ دون تصحيح ، وأحيانا تبقى بعض الأخطاء حتى مع المراجعة التي تعتمد دقتها على حالة المراجع الذهنية والنفسية ووقته .
سابعا : حين يسترشد بي بعض الإعلاميين الشباب عن وسيلة تخلصهم من أخطائهم الكتابية أنصحهم " بالنسخ " ، فيستنكرون نصيحتي ، ويتساءلون : " ننسخ بعد أن تخرجنا في الجامعة ؟! " ، فأجيبهم بأن الحكم عليهم بمستوى كتابتهم الواقعي لا بشهاداتهم التي تشهد على قصورهم المشين في الكتابة ؛ إذ المتوقع منهم ما داموا حملة شهادات جامعية أيا كان تخصصهم أن يكونوا سليمي الكتابة . وحقيقة أن النسخ أقصر وسيلة لتعلم الكتابة الصحيحة ، والتقليل منه في المرحلة الابتدائية أسهم بفاعلية كبيرة في تردي كتابة التلاميذ الذين سار معهم ترديهم حتى بعد تخرجهم في الجامعة ، وصار تخلصهم منه صعبا لتكبرهم عن وسيلته الفعالة وهي النسخ ، ولانشغالهم بمشكلات عملهم ومشكلات حياتهم عن إصلاح قصورهم في الكتابة وغيرها من القضايا اللغوية . وطريقة النسخ التي يمكن أن تتبع تبدأ بقراءة عدة أسطر نثرية أو عدة أبيات شعرية ، وتفحص كتابة كلماتها ، ثم الشروع في نسخها . وملازمة هذه الطريقة بين وقت وآخر بحماسة ومحبة وانتظام مع تجنب الشعور بالسأم والاستثقال ستخلص من يتبعها من أكثر عيوبه الكتابية القبيحة المخزية . ويمكن اكتساب المهارة الكتابية، إضافة إلى طريقة النسخ ، بالاستعانة بكتيب في قواعد الإملاء ، وسميته كتيبا لكون قواعد الإملاء توجز في كتيبات ، ومن شأن هذه الاستعانة أن تعزز المهارة المكتسبة من النسخ بضوابط علمية تزيدها وضوحا وتثبيتا ، ويلجأ إليها الشخص عند الالتباس والشك . وسيكتشف من يجدون ويصدقون في التخلص من مشكلاتهم الكتابية أنها ليست بالاستعصاء الذي يتوهمونه ويضخمونه .
وسوم: العدد 665