افهمها حتى لا تظلمها
حين استأذن النبيﷺزوجاته
في مرضه الأخير ، لما شق عليه ﷺ أن ينتقل بين بيوت نسائه كل يوم ، كما كان يفعل في حال صحته ، كانﷺيسأل (( أين أنا غداً ؟ أين أنا غداً ؟ )) البخاري . حتى بعث في مرضه إلى نسائه ؛ فاجتمعن إليه ، فقال ﷺ لهن (( إني لا أستطيع أن أدور بينكن ، فإنْ رأيتُنَّ أن تأذنّ لي أن أكون عند عائشة .. فعلتن )) . فأَذِنَّ له . ( أبو داود ) . ولعل من يسأل قائلاً : ألم يأذن الله لنبيه أن يقدم من نسائه من شاء ، وأن يرجئ منهن من شاء ، في قوله تعالى "ترجي من تشاء منهن ، وتؤوي إليك من تشاء ، ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ، ذلك أدنى أن تقرَّ أعينهن ولا يحزنَّ ويرضين بما آتيتهن كلهن ، والله يعلم ما في قلوبكم ، وكان الله عليماً حكيماً " فقد رفع الله سبحانه عن نبيهﷺ بهذه الآية ما فرضه على أمته من القَسْم والمساواة بين الأزواج ، وأباحَ له ما يشاء من إرجاء بعضهن .. أي تأخيرها .. وإيواء من شاء إليه متى شاء ، وعزل من شاء وإبعادها . ونجيب فتقول : نعم ، لقد رفع الله تعالى عن نبيهﷺ ما فرضه على أمته من القَسْم والمساواة بين الزوجات ، لكنه عليه الصلاة والسلام ، ظل على ما كان عليه من العدل ، وهذا أبلغ في دعوة الأزواج المسلمين إلى العدل بين زوجاتهم ؛ فإذا كان النبي ﷺ قد ظل على قسمه بالعدل مع إمكانه غير ذلك ، فأولى بالمسلمين التزام العدل وهم لا يملكون غيره !! وها هوﷺ، ، وهو في مرضه ، يحتاج إلى الراحة وعدم الانتقال بين الزوجات ، والاستقرار في بيت واحد ، مع هذا لم يأخذ – صلوات ربي وسلامه عليه – بما أباحه له ربه سبحانه إلا بعد استئذان زوجاته رضوان الله تعالى عليهن .. فما أعظم خلقه ، وما أنبل نفسه ، وما أعدل قلبه ! إنها دعوة للأزواج إلى تقوى الله في زوجاتهم ، فلا يظلمونهن . لا في حال صحتهم ولا في حال مرضهم ، كما يفعل كثير من الأزواج الذين يتعللون بالمرض في تبرير صراخهم ، وانفعالهم ، وإساءاتهم . لقد علَّمنا خيرُ الأزواج – – أن لا حرج في استئذان الزوجة فيما هو حق لها ، فكيف بمن يتجاوزون حقوق زوجاتهم وهم يحسبون أنهم إنما يمارسون ما تعطيهم إياه القوامة ! كيف بزوج يأخذ من مال زوجته دون طيب نفسها ، أو يغيب عنها الأوقات الطويلة دون اكتراث بمشاعرها ، أو يهمل في توفير حاجاتها وحاجات أولادهما .. وهو لا يعلم – أو يعلم – أنه يضيّع حقوقها .
ولا يغيب عنا – من جهة مقابلة – هذه الاستجابة الطيبة من أمهات المؤمنين للنبي ﷺ ، وسرعتها ، وهو ما نجده واضحاً في الحديث (( فأذِنَّ له )) فلم يكن هناك جدل ، أو اجترار للماضي ، بل وفاء جميل ، ومحبة صادقة ظاهرة . إنه إجماع من أمهات المؤمنين لم تخرج عنه أي واحدة (( فاجتمعن إليه )) ، (( فأذِنَّ له )) : استجابة عاجلة في تلبية دعوته للاجتماع إليه ، واستجابة عاجلة في الموافقة على أن يقتصر مبيته في مرضه عند أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها . ولا شك في أن هذا كله يشير إلى رقيٍّ في العلاقة الزوجية ، إلى سموٍّ في هذه الصلة ، فهل يتعلم الأزواج والزوجات من هذا كله ؟
وسوم: العدد 665