استقالة رئيس الوزراء التركي اسبابها وارتداداتها
بتاريخ 5/5/2016 اجتمعت لجنة الادارة المركزية لحزب العدالة والتنمية في انقرة وعقب الاجتماع أوضح رئيس الوزراء التركي احمد دَاوُدَ اوغلو انه لا ينوي الترشح لرئاسة الحزب في المؤتمر العام الاستثنائي للحزب والذي سيتم بتاريخ 22/5/2016 ، وصرح انه سيتابع خدمة الشعب التركي ضمن صفوف حزب العدالة والتنمية كنائب في البرلمان ، ويبدو ان هناك خلافات بين داود اوغلو وأردوغان، وهي معظمها تتعلق بالسياسة الداخلية يمكن استعراض أهمها في القضايا التالية :
1- بدأت الأزمة بالظهور مع قرار رئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان ترشيح نفسه كنائب عن حزب العدالة والتنمية في انتخابات السابع من حزيران من العام 2015، وذلك بعد اجتماع استشاري مع داود أوغلو، وهو الأمر الذي رفضه أردوغان ما أدى إلى سحب فيدان ترشيحه وعودته لرئاسة جهاز الاستخبارات. واستمر الخلاف بين الطرفين في ملفات أخرى مثل حزمة الشفافية و محاكمة كل من تثبت عليه ملفات فساد اي كان وان كان وزيرا في الحكومة و التي حاول داود أوغلو طرحها في البرلمان، وكان واضحاً معارضة أردوغان لها بصيغتها المطروحة.
2- كماشكلت الاستحقاقات الانتخابية التي تمت العام الماضي , وخصوصا عملية اختيار مرشحي الحزب للانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من حزيران العام المنصرم , ثم جرى إعادتها في الشهر 11 من العام نفسه , ساحة احتكاك وعامل تجاذب بين الرئيس رجب طيب أردوغان مؤسس الذي أصبح رئيسا للجمهورية, حيث لا يحق له بحسب الدستور الحالي , واليمين الدستورية التي أداها , التدخل في الحياة السياسية بشكل فعال بسبب حياديته التي ينص عليها الدستور . ويرى البعض ان الرئيس اردوغان تدخل في السلطات الحزبية والإدارية الحكومية الممنوحة لرئيس مجلس الوزراء وقام بتعيين أشخاص في مناصب رفيعة يرى دَاوُدَ اوغلو انهم غير جديرين بتولي هذه المناصب نتيجة تورطهم في قضايا فساد سابقة ( بنعلي يلدريم الذي تم تكلفه بوزارة النقل وقريبه سليمان قره مان المدير العام السابق للخطوط الحديدية الذي تخلى عن منصبه ولكنه لم يتمكن من النجاح في الانتخابات البرلمانية والذي تم التحقيق معه في قضايا فساد تخص الخطوط الحديدية )
3- كما شكّل ملف الحكومة الائتلافية نقطة اختلاف أخرى بين الشخصيتين، فبعد خسارة حزب العدالة والتنمية في الحصول على الأغلبية الكافية لتشكيل حكومة وحَده، كان داود أوغلو يسعى جاهداً لتشكيل حكومة ائتلافية، فيما كان توجّه أردوغان نحو إجراء انتخابات مبكرة، وهذا ما حدث فعلاً.
4- يعتبر النظام الرئاسي اهم سبب من أسباب الخلاف بين أردوغان وداود أوغلو ، حيث يرغب الرئيس التركي بشدة في إنشاء نظام حكم جديد في تركيا عوضاً عن النظام البرلماني الحالي، في حين عبّر داود أوغلو عن دعمه للنظام البرلماني، معتبراً أن الشعب لم يفوّض الحزب في تغيير نظام الحكم عند عدم تمكّن العدالة والتنمية من الحصول على الأغلبية العظمى في انتخابات حزيران 2015. و بعد أن حقق الطيب أردوغان نجاحاته المتتالية , وضع نصب عينيه مشروع التحول إلى النظام الرئاسي الذي يؤسس للاستقرار , ويغلق الباب في وجه تدخل القوى من خارج المؤسسة السياسية , ويقطع الطريق على مهندسي السياسة من بقايا الدولة العميقة . وعند بحثه عمن يخلفه في قيادة الحزب , كان شرط أردوغان الأول هو التحول إلى النظام الرئاسي , والشرط الآخر هو مكافحة الكيان الموازي . هذا الشرطان اللذان رفض عبد الله جول قبولهما , ووافق أحمد داوود أوغلو عليهما , ومن ثم قام أردوغان باختياره خلفاً له ، لكن داوود أوغلو فيما بعد لم يبد حماساً كبيراً لمشروع التحول إلى النظام الرئاسي , ولم يقم بما يجب من أجل تسويقه , وإقناع المواطن بمزاياه , كما أنه لم يجعله في سلم الأولويات , بل تركه بانتظار ظروف سياسية أكثر ملائمة .
5- الصراع مع جماعة فتح الله كولن /الكيان الموازي/ :
شكل تشبث أردوغان وإصراره على تحويل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي محور الصدام مع جماعة فتح الله كولن , التي نجحت في النفوذ داخل مؤسسات الحكم , وسعت إلى الاستحواذ على الدولة التركية ، ولأن النظام البرلماني أشد ملاءمة لنشاطها قياساً بالنظام الرئاسي الذي يحد من قابليتها على الحركة , ويشكل خطرا على مستقبلها , فقد انقلبت جماعة كولن على الشراكة الاستراتيجية مع حزب العدالة والتنمية التي استمرت قرابة تسع سنوات, فشكلت تحالفاً مع قوى المعارضة من بقايا الدولة العميقة , لتصبح رأس الحربة في الحرب على أردوغان , حيث قامت بتاريخ 17 و 25 /12/ 2013 بمحاولة انقلابية ضده بواسطة أذرعها الممتدة في سلك القضاء والشرطة .لكن أردوغان بعد أن امتص الصدمة الأولى , شرع في حرب تصفية ضد هذه الجماعة , بعد أن أدرجها في وثيقة الأمن الوطني كمنظمة إرهابية .
وأثناء بحثه عمن يخلفه في قيادة الحزب , كانت مكافحة جماعة كولن التي أطلق عليها اسم الكيان الموازي في مقدمة الشروط التي اشترطها أردوغان على خليفته , والذي وافق عليه أحمد داوود أوغلو , بينما رفضه الآخرون كما أسلفنا سابقاً. لكن المقربين من أردوغان بدؤوا يشتكون من تراخي داوود أوغلو , وتقاعسه وفتوره في مكافحة الكيان الموازي , الأمر الذي أغضب أردوغان .
6- قيادة الحزب :
يسعى أردوغان للإمساك بزمام الأمور داخل الحزب الذي أسسه بنفسه , واضعاً في الحسبان عاقبة حزب الوطن الأم , حيث سرعان ما أفلتت خيوطه من يد مؤسسه المرحوم تورغوت أوزال بعد انتخابه رئيساً للجمهورية , ثم ضعف الحزب واضمحل مع مرور الزمان .
لذلك عمد أردوغان للامساك بخيوط الحزب بيده رغم جميع الانتقادات , لذلك شاهدنا نوعا من صراع اللوائح بين أردوغان وداوود أوغلو , حيث كان 70% من مرشحي نواب البرلمان لانتخابات السابع من حزيران 2016 من اختيار أردوغان بينما حصل العكس تقريباً في الانتخابات التي تلتها , مما شكل حالة تنافس واستقطاب بين مؤيدي كل من الزعيمين .
لكن الامر الذي زاد من حدة الخلاف بين الشخصيتين كانت عملية سحب صلاحية تعيين رؤساء فروع الحزب في المحافظات من يد رئيس الحزب , من خلال التعديل الذي أقرته الهيئة المركزية لقيادة الحزب في اجتماعها الأخير , الأمر الذي اعتبره داوود أوغلو انقلاباً ضده .
المطالعة والتحليل :
مما لا شك بأن هناك قوى كثيرة داخل تركيا وخارجها تعول على حدوث انقسام وانشقاق في صفوف حزب العدالة والتنمية . لكن الكتلة الشعبية الصلبة التي تصطف خلف أردوغان مهما كانت الأحوال والظروف , ثم تماسك النواة الصلبة للحزب , إضافة إلى المزايا الشخصية للقيادات التي اختلفت مع أردوغان , تجعل احتمالية سيناريوهات الانشقاق والانقسام شبه معدومة , كما تجعل انتخاب رئيس جديد للحزب وتشكيل حكومة جديدة عملية سلسة و شبه روتينية .
ويبدو انه بعد أن يتم انتخاب رئيس جديد للحزب سيقوم رئيس الجمهورية بتكليفه بتشكيل حكومة جديدة , تعرض على البرلمان لنيل الثقة , ثم تبدأ في ممارسة أعمالها بعد ذلك.
ويبدو أن الرئيس أردوغان لديه ثلاثة شروط أساسية يجب توفرها في الرئيس الجديد للحزب والحكومة :
الأول : أن يقبل العمل تحت جناح رئيس الجمهورية .
الثاني : أن يركز جهده على إقرار الدستور الجديد , الذي يؤمن الانتقال إلى النظام الرئاسي قبل حلول عام 2019 حيث استحقاق الانتخابات البرلمانية المقبلة .
الثالث : ألا يتهاون في تصفية الكيان الموازي , لأنها حرب وجود مصيرية .
و تشير كواليس حزب العدالة والتنمية إلى ارتفاع حظوظ كل من "نعمان كورتلمش" نائب رئيس الوزراء الناطق باسم الحكومة ( وهو الأكثر قبولا من الجماهير المؤيدة للحزب ) , و "بن علي يلدرم" وزير الاتصالات , اضافة الى وزير العدال "بكير بوظ داغ " .
لكن بالنظر للشروط أعلاه فإن المرشح الأقوى هو "بن علي يلدرم" أحد أهم المرقبين للرئيس أردوغان منذ رئاسته لبلدية استانبول
و تأتي خطورة هذه التطورات الأخيرة في تزامنها مع عدم الاستقرار الذي تعيشه تركيا، التي تواجه صراعا متصاعدا مع المتمردين في حزب العمال الكردستاني، وهجمات من قبل مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأفواجا من المهاجرين واللاجئين. كماتنخرط تركيا أيضا في خضم تطبيق اتفاق مهم مع الاتحاد الأوروبي، توسط في التوصل إليه داوود أوغلو نفسه، للحد من عدد اللاجئين العابرين لحدودها، نظير تسريع وتيرة المحادثات بين الجانبين لانضمام تركيا للاتحاد، وقد تؤثر استقالة داوود أوغلو على مستقبل هذا الاتفاق .
وقد أثرت حالة البلبلة السياسية في تركيا في الأسواق المالية. وتعرضت الليرة التركية لأكبر خسارة يومية لها الأربعاء بتاريخ 4/5/2016، فانخفضت بنسبة تقارب 4 في المئة مقابل الدولار الأمريكي. ثم تعافت الخميس قليلا، لكنها لم تصل بعد إلى مستوياتها السابقة.
وهناك تخوف لدى السوريين الموجودين في تركيا من ان تؤثر هذه الاستقالة على الاستقرار السياسي في تركيا وعلى مستقبل حزب العدالة وبالتالي على الوضع القانوني والاجتماعي للسوريين في تركيا .
وسوم: العدد 667