إذا ضايقك زوجك، فلا تتردي في التوجه إلى حبيبك
صارت تحدثني عن معاناتها التي استمرت سنوات طويلة من زواجها ، وكيف أنها تلوذ بالصبر على كل ما كانت تلقاه من زوجها ، زوجها الذي قالت إنه يدقق ويفتش ويتابع كل شيء ، ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة ، فهو لا يتغاضى ، ولا يتسامح ، ولا يلين .
ذكرت أنها كثيراً ما كانت تشعر برغبة في ترك كل شيء : البيت والأولاد والزوج ، ولكن إلى أين ؟ لم تكن تدري ! كل ما كان يملأ نفسها شعور بأنها ما عادت قادرة على الصبر ، وأن الأعباء ما عادت محتملة لديها ، وأن طاقة الصبر عندها وصلت حدها .
سألتها أن تحدثني عن زوجها غيرَ ما ذكرتْه عنه من تدقيق وتفتيش ومتابعة وعدمِ مسامحة ؛ فقالت : إنه قاس ، لسانه حاد ، لا أسمع منه كلمةَ حب أو عطف أو حنان . لقد تعبت ، تعبت ، تعبت . لا أعني تعب الجسد فهذا تعبٌ أحتمله وأصبر عليه ؛ إنما أعني تعبَ النفس ، تعبَ الأعصاب ، تعبَ الوجدان .
قلت لها هل جربت أن تكلمي أحداً من أهلك أو أحداً من أهله ليراجعوه في ذلك وينصحوه ؟ قالت : فاتحه والدي فنفى كل شيء ، وقال إنه غير مقصر نحو بيته ، ويوفر لنا كل ما نحتاجه . أضافت : هل رأيت ؟ إنه ينظر إلى الجوانب المادية وأنا أريد الجوانبَ النفسية والعاطفية والروحية .
قلت لها : هل تريدين نصيحتي ؟
قالت : لهذا اتصلت بك .
قلت : أعلم أن نصيحتي قد لا تلقى قبولاً كبيراً في نفسك ، لكني أرى العمل بها هو الأجدى .
قالت : تفضل .
قلت : لو أراك الله ما أعدّه لك من أجر على صبرك واحتسابك لقلت : أهذا كله لي ؟ لو رأيت مقعدك في الجنة جزاء احتمالك ما تلقينه من عنتِ زوجِك وشدته وقسوته وجفافه ثم سئلت : ما رأيك لو جعلنا لك زوجك مثلما تريدين .. ولكننا سننقص من أجرك .. وننزلك إلى مرتبة أدنى في الجنة .. لربما قلت : لا ... بل أصبر على زوجي .. فأبقوا على منزلتي هذه في الجنة .
هنا سمعت صوت بكائها بسبب تأثرها مما سمعته من كلام فقلت لها : أيهما تفضلين ؟ أن يصلح الله لك زوجك ولكن منزلتك في الجنة ستكون أدنى .. أم تواصلين صبرك عليه مع علو منزلتك في الجنة ؟
صمتت ولم تجب . مازالت تبكي .
قلت لها : لا شك في أنـ تفضلين أن يكون زوجك كما تريدين وأن تبقى منزلتك في الجنة عالية ؛ أي أن تظفري بالأمرين معاً .
واصلت حديثي : هذا ما تتمناه كل زوجة . نعم . ولكن الله أقسم على أن يـبلونا في هذه الحياة الدنيا ، وفي الوقت نفسه بشرنا برحمته وصلاته علينا إذا صبرنا على هذا البـلاء . قال عز وجل : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابريـن . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )) .
عدت إلى سؤالها من جديد : ماذا اخترت يا أختي ؟
قالت : لقد اخترت مواصلة الصبر . ولكني أرجوك أن ترشدني إلى ما يعينني على ذلك .
قلت لها : بارك الله فيك لاختيارك مواصلة الصبر على زوجك . أما ما يعينك على ذلك فهو التالي : كلما سمعت من زوجك ما يؤلمك ويحزنك ، وكلما وجدت من زوجك إعراضاً وصدوداً ، وكلما ضاقت الدنيا عليك من شدة زوجك وقسوته .. اذهبي إلى حبيبك واشتكي إليه زوجك !
قاطعتني مستنكرة : أنا ما لي حبيب ؟
قلت : أليس الله حبيبك ؟ ألا تحبين الله تعالى ؟
قالت : بلى أحبه .
قلت : إذن . الجأي إليه سبحانه وناجيه جل شأنه بمثل هذه الكلمات : اللهم إني أحبك ، وأحب أن أقوم بكل عمل يرضيك ، وأنا أعلم أن صبري على زوجي يرضيك عني ، اللهم فألهمني مزيداً من الصبر عليه ، وامنحني طاقة أكبر على احتماله ، وأعني على مقابلة إساءته بالإحسان ، أو على الأقل بالصمت والتغاضي . اللهم ولا تحرمني الأجر على هذا الصبر ، وأجزل لي ثوابك عليه ، وابنِ لي عندك بيتاً في الجنة .
قالت : جزاك الله خيراً على إرشادي إلى هذه المناجاة الجميلة لله سبحانه ، وسأحرص على أن أتوجه إلى حبيبي جل شأنه ؛ كلما قسا عليَّ زوجي أو أساء إلي ، لألقي همومي وأحزاني بين يديه تعالى وأنا أشكو بثي وحزني إليه وحده عز وجل .
قلت : وكوني واثقة أن الله سيشرح لك صدرك ، وينزل سكينته عليك ، وسيفرج عنك همك ، وسيزيد لك في ثوابك وأجرك .
قالت : وهل يمكن لزوجي أن يتغير ؟
قلت : نعم ، أنا متفائل بأن زوجك سيدرك يوماً أن عنده زوجة عظيمة رائعة لم يقدرها ؛ وعندها سيأتيك معتذراً مستسمحاً .
وسوم: العدد 668