مداخلة مع وائل الإبراشي !
هوامش على جدران الانقلاب 42
أ.د. حلمي محمد القاعود
" مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " ( ق : 18) .
نحن لا نلعب !
فجأة وجدته الصحفي المعروف ومقدم البرامج التلفزيونية الأستاذ وائل الإبراشي ، يتصل بي في أعماق الريف حيث أعيش ، ويطلب مني مداخلة على الهواء ، مثلي لا يعرفه أحد ، وليس مشهورا ولا معروفا في المشهد الثقافي والإعلامي ، ولايجدي في ذلك ما ألفته من كتب تجاوزت السبعين كتابا ، ومئات المقالات التي كتبتها في الصحف والدوريات على مدى نصف قرن أو يزيد ، فالشهرة لها أهلها ، والإعلام يعرف من يسعى إليه ، ويتمتع بمواهب العلاقات العامة .
قلت للأستاذ وائل : من الذي دلكم على ّ؟ ومن الذي عرفكم بعنواني ؟ فضحك ضحكة مريبة ، ورد بكل ثقة : نحن لا نلعب يادكتور ! نستطيع أن نصل دائما إلى ما نريد ! قلت له : يبدو أنكم تملكون إمكانات المفتش كولومبو.. وعلى كل حال فلك ما طلبت ، فهتف : ليتك تدخل في الموضوع مباشرة حرصا على الوقت !
الدكر المنتظر
تمتمت موافقا ، وأخبرته أنني لن أتكلم عن تنصيب قائد الانقلاب ساري عسكر بونابرته على عرش مصر المستباح ، ولن أناقش ماجرى في تمثيلية الانتخابات الهزلية ، سأبتعد عن ساري عسكر واستباحته لحرية الشعب وكرامته ، وتأييد أصحاب اللحي التايواني له وغناء نسائهم المنتقبات وحمل صوره بوصفه الدكر المنتظر الذي ستحبل نساء مصر المحروسة بنجمه ، سآخذك بعيدا عن هذا الأمر حتى لا أجلب عليك مشكلات أنت في غنى عنها .
سآخذك بوصفك إعلاميا شهيرا إلى الريف ، أنت تختلف بصورة ما عن رفاقك من إعلاميي النظام الانقلابي ، فلست مثل ذلك الإعلامي الذي نبت في صحافة العوالم والغوازي ، وصار له شأن في وسيّة الرائد موافي ، حتى تركها وانتقل إلى وسايا أغني وأكبر يمولها اللصوص الكبار أو حكام الخليج الذي يحاربون الإسلام والمسلمين ، بعضهم يا للمفارقة – يرفع راية تطبيق الشريعة ، بطريقته الخاصة فيأمر بالمعروف لإطالة الثوب وتربية اللحية وصلاة الجماعة ولو من غير وضوء ! ويحصرالنهي عن المنكر في عدم شرب الدخان وعدم تغطية وجه المرأة. أما نهب أموال الشعوب ، وقهر الأحرار والشرفاء ، والاستبداد بالأمر كله ، وتسليم الثروات لأميركا وبريطانيا ، ومغازلة اليهود الغزاة في فلسطين ، فكلها أمور هامشية لا علاقة لها بالأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر !
الدفع الرباعي
لست يا وائل مثل صاحبك الذي انتفخ جسده من كثرة تناول الطيبات لدرجة أن الحمالات لا تحافظ على وضع البنطلون ، فهو وثيق الصلة بأصدقائك في الأجهزة إياها ، ويخصونه بالملفات والأفلام والتقاريرالصحيحة أو المفبركة عن الشيوخ الفضلاء والشيوخ الحقراء أو العوالم والغوازي المستنيرات ، ولا ريب أنه أفاد منها في روايات وتحقيقات وموضوعات صحفية أرضت عنه أصدقاءه وأحبابه ، وجعلته ينتقل من ركوب الميكروباص إلى السيارات الهامر ذات الدفع الرباعي !
ولست يا وائل مثل أم جميل الرداحة وزوجها – وهنا انقطع الاتصال ، وسارع الأستاذ وائل بإعادته بعد قليل ، وأنا أتابع الشاشة التي تحولت إلى لون بمبي تماما ، وطلب منى أن أواصل الحديث ، فقلت له إن أم جميل تمثل دور حتشبسوت مع أنها زوجة ثانية ، وزوجها أستاذ في الجعير والصريخ وشتم الفضلاء من الناس، وكان أبوه رحمه الله يبدو رجلا هادئا ، وشاركت معه في حلقة تلفزيونية ثقافية حضرها بالنيابة عن مخرجة اشتهرت بإخراج أفلام العري والموضوعات المحرمة .
ترقى مؤخرا
ولست ياوائل مثل ذلك المندوب الصحفي الذي تبعث به الداخلية إلى جريدته ليقبض منها مرتبه الشهري ، وقد ترقى مؤخرا ليكون رداحا يشتم الناس ويستهين بهم من أجل أن ترضى عنه البيادة !
لأأريد أن استطرد في ذكر من لست مثلهم ومنهم الحاصل على شهادة اللاسلكي وجعل من نفسه دكتورا ، ولا أنثاه التى لا تعرف غير قاموس حوش بردق ، ومنهم صبري عكاشة الذي جاء من قريته بحذاء مقطوع وصار من أصحاب القصور والمؤسسات ، ومنهم المشخصاتية وشبيهات العوالم والغوازي في القنوات الطائفية وقنوات الترومادول ، وأصحاب القروض التي لم تسدد حتى اليوم ..
أنت يا وائل لست مثل هؤلاء تماما. صحيح أن الأجهزة إياها تتحكم في الإعلام والإعلاميين جميعا وتعلم نقاط الضعف القاتلة لديهم ، ولكن ميزتك أنك حين تخالف ضميرك تلفه في صياغة مهذبة إلى حد ما ، وتعترف بشيء ضئيل من الحقيقة لتمرّر ماليس حقا ولا صوابا، ورفاقك يشتركون معك في الحصول على الملايين شهريا أو سنويا وهو ما لا يحصل علماء مصر وباحثوها على واحد بالمائة منه ، ولكن الملايين تبدو غائبة عن هيئتك!
أبواب السبعين
سأكتفي بصحبتك في سيارتك الفخمة إلى الريف حيث يعيش عجوز مثلي على أبواب السبعين يعاني متاعب الشيخوخة وآلامها، لترى بنفسك سوء الأحوال التي يعيشها فقراء مصر، ارتفاع الأسعار وتدهور الزراعة والبطالة والتكاتك التي أضحت وسيلة لأكل العيش لآلاف الشباب الذي لا يجد عملا ومنهم من يحمل شهادات عالية ومنهم أطفال تسعى أسرهم لتغطية النفقات اليومية ، سوف تشاهد إذا مضيت على الطرق المحاذية لنهر النيل أوالترع جحيما للأرض الزراعية أخصب أرض في العالم تذبحها المباني الخرسانية الكالحة التي تصرف فضلات الإنسان والحيوان في المياه العذبة ، في القرى ياعم وائل ناطحات سحاب خاوية تصنعها الرغبة في التباهي وإثبات الوجود، ولكن الأمر كله يأتي على حساب الأرض الزراعية روح مصر ومستقبلها ؛ وكأن الشعب ينتحر بتدمير روحه وأعزما يملك ، وطبعا حضرات المذيعين والإعلاميين مشغولون بهجاء الإسلام والمسلمين الإرهابيين لتثبيت حكم ساري عسكر بونابرته وجنرالاته وسحق كل من يقول : لا !
فضل المحب
طبعا الأمر لا يختلف في البساتين ومقابر الغفير والإمام الشافعي عن الريف، فالناس كما تعلم يعيشون في وضع آخر لا مثيل له في العالم : الفقر والزحام والنوم مع الموتي ! وساري عسكر يعد بأيام بيضاء وصل فيها كيلو الدجاج إلى رقم غير مسبوق ، وسيفرض مزيدا من الضرائب ويرفع أسعار الكهرباء 120% والبنزين ستة جنيهات و....
فجأة رأيت الإرسال التلفزيوني قد انقطع ، وتحولت الشاشة إلى اللون البني ؟ سمعت صوت منشد التواشيح لصلاة الفجر في ميكرفون المسجد ينشد : فضل المحب على الحبيب رضاؤه .. فتحت عيني ، استعذت بالله ، وقمت متعجبا : لماذا اختارني وائل لأتكلم وهو لايعرفني ؟ وانشغلت بالوضوء يا نور عينينا ، وبكره تشوفوا مصر !