رمضان تركية.. الفتاة مسحراتية

د. عبد السلام البسيوني

 أستعير هذا العنوان وجزءاً مما تحته من إسلام أونلاين، لأستعيد ذكرى أول أذان باللغة التركية، حين اضطر أتاتورك قومه الترك المسلمين إلى تتريك حياتهم، حتى الصلاة والأذان، والقرآن، تمهيداً لخلع ذلك كله من القلوب، وعلى مئذنة مشهودة وقف ياشار بك أو باشا - مش فاكر - ليؤذن بلسان تركي أعجم، مبدلاً الله أكبر/ حي على الصلاة، بألفاظ أخرى ما عرفها تاريخ الإسلام!

وفي الثاني والعشرين من رمضان سنة 1350هـ الموافق 30 ديسمبر عام 1932م، رفع مؤذن مسجد "آيا صوفيا" الأذان باللغة التركية، ما مهد إلى صدور قانون الأذان عام 1934م بأمر من أتاتورك، وجاء فيه: يجب رفع الأذان باللغة التركية، ويعد المخالف لهذا القانون خارجاً عن الدولة وقوانينها، يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر.

وكان الخواجة أتاتورك قد أمر الشرطة بتعقب المؤذنين، فمن وجد منهم يؤذن بالعربية (بهدلوه) وأذلوه، وممن تعرض للضرب والاعتقال بعد أن خالف الأوامر وأذن بالعربية الرجل الشجاع طوبال خليل المؤذن في أولو جامع، بمدينة بورصة، عام 1933م.

وصرح المستغرب الغبي أتاتورك لوكالة أنباء الأناضول التركية: بعدئذ مثل هؤلاء الرجعيين الجهلاء (الذين يؤذنون بالعربية) لن ينجوا من قضاء الجمهورية؛ مبرراً ذلك بأن المسألة ليست متعلقة بالدين قدر ما هي متعلقة باللغة! وظلت الشرطة والقضاء يعاقبان بالحبس لمدة 3 أشهر وغرامة مالية كل من يقوم بالأذان بالعربية..

وكان هو من أول من اتخذ سياسة تجفيف الينابيع التي اتبعها الحكام العرب الأشاوس من بعده، وبرع فيها مبارك وبن علي والقذافي وغيرهم، فغير حروف كتابة لغة قومه من العربية إلى اللاتينية، بعد اصطنع حروفاً خاصة منقوطة، وألغى العربية من الاستخدام اليومي حتى في الأذان والصلاة والقرآن الكريم نفسه، ولبس القبعة، وداس على الخلافة، وألغى المدارس الدينية، والمساجد، وحول بعضها إلى متاحف، وصادر الأوقاف، وأشياء أخرى كثيرة، آملاً أنه على المدى المتوسط سيقضي تماماً على الإسلام، لكن الله خيب ظنه، وعاد المارد العثمانلي ثانية على أيدي أشاوس من أمثال أردوجان وجل وأربكان وأضرابهم!

وعلى الدرب نفسه سار حيناً من الدهر ورثة أتاتورك، فلأول مرة في تاريخ تركيا، قامت إحدى البلديات بمحافظة إنطاليا بتدريب خمس من الفتيات على عمل المسحراتي؛ لكي يقمن بالتجول في الشوارع في ليالي رمضان لدعوة الصائمين للسحور، هاتفات:

اصح يا نام وحد الدايم، لكن بألفاظ تركية لا أدري كيف ستكون.

وقد سألت محطة القناة السابعة في التلفزيون التركي – وهو بالمناسبة سايب، ومنفلت، وعلى حل شعره، لأقصى ما يتصور - سألت بعض المتحمسات لمهنة المسحراتي، ممن وجدن المبررات للقيام بهذه الوظيفة، فقالت الطالبة الجامعية خديجة أونتش: نريد أن نثبت أن المرأة قادرة على المشاركة في كل الميادين! كما أنه ليس هناك أي مخاطر أمنية على تجوالنا بالليل في رمضان!

أما سَدان يوجا فتقول لجريدة "حريت" التركية الأحد 10-11 -2002م: لقد تغلبنا على الخوف من التجول ليلاً بالعمل، والتجول معاً. وتشير الفتاتان المسحرتان إلى أنهما ترددان كلمات وأشعاراً مقتبسة من الأدب التركي.

ولتركيا المسلمة ملامح خاصة حريفة، وطعم شهي لا يتكرر، فتحت كل حجر للإسلام قصة، وفي كل شبر إشارة، وفي كل متر معلم، حتى إن التراث في استانبول أكثر من أن يحصى، أو أن يتابع! لكن الروح العلمانية المفروضة، تدخل على قلوب الناس وعقولهم واختياراتهم، لتخنقها، وتجهد في القضاء عليها، ويأبى الله إلا يتم نوره!

وحسبك أن تعلم أن الفعاليات الرمضانية لرجال الدولة والسياسة تكاد تكون محظورة!

موسيقى دراويشية في المقاهي الصوفية: وللفعاليات الدينية الرمضانية بعض الخصوصية منها المقاهي الصوفية. ففي أنحاء تركيا تقوم مقاهٍ صغيرة مؤقتة بتقديم عروض من الموسيقى الصوفية والدينية مثل فرقة مولانا (جلال الدين الرومي) للموسيقى الصوفية، وأمسيات شعرية دينية يشارك فيها مشاهير الشعر التركي، علاوة على تقديم عروض القره قوز (الأراجوز) وحاجي وات بشخصياتهما الشعبية الفكاهية، وذلك في مكان يطلق عليه تعبير فسحخانه داخل حديقة جول خانه (محل الورد) المطلة على مضيق البسفور وبحر مرمرة.

أما صلاة التراويح فهي تمثل واحدة من أبرز العبادات الرمضانية في تركيا، حيث تمتلئ المساجد يومياً بالآلاف الذين يهرعون بعد الإفطار مباشرة، لكي يجدوا مكاناً لهم بين الازدحام الذي تشهده المساجد بمناسبة الشهر المبارك.

انضباط تركي جميل: ومما يلاحظ على الترك الانضباط الشديد في المساجد، واحترام المكان، فقد كتب الله الكريم للمستعين بالله البسيوني حضور احتفال نصف شعبان بجامع سيدي أبي أيوب الأنصاري رضي الله عن ذات صيف في إسلامبول عاصمة الخلافة المذبوحة، وقد لاحظت أنه - على اكتظاظ المسجد والشوارع حوله بالبشر من كل الأشكال؛ حتى الشبان الخنافس من ذوي القلائد والأقراط والثياب المشبوهة – كان الصمت الوقور مخيماً على المكان بشكل عظيم، احتراماً للمكان، وتعظيماً للشعائر، مع ملاحظة أنهم صاروا يختزلون الإسلام في طقوس عجيبة أحياناً..

وقد كتب لي أن أحضر صلاة جمعة في مسجد سراي يلدز ببشكتاش/ إستانبول، فرأيت عجباً، جعلني أحس أن جمعتي (راحت أونطة) من كثرة الزعيق، والوقفات، والطلعات على المنبر، ومع كل طلعة أو نزلة كنت أقف معتدلاً ظناً مني أن الجمعة انتهت، لأجد أحداً يهتف بأشياء لا أفهمها، وحين مللت ذلك سألت جاري – بالإشارة – هل خلاص؟ دي هي الصلاة، فهز رأسه وقال: عفارم عليك، وما صدقت أننا انتهينا، حتى رأيت الإمام يخرج، وقد خلع العمامة والجبة على الباب، وصار أفندياً!

ويهتم الترك بالتصوف وحلقات الذكر، لكن لا يتم السماح بإقامتها في المساجد والجوامع، نظراً للحظر المفروض على الصوفيين بتركيا منذ تأسيس الجمهورية العلمانية في عام 1923م، ولكن الجماعات الصوفية تقوم بهذا فيما بينها داخل المنازل والبيوت بشكل سري.

ويأبى الله إلا أن يحيي العظام وهي رميم، فينتهض الطيب بن أردوغان الله يستره، ليثبت أن المسلمين يمكن أن (يلعبوا سياسة كويس) ويتخذوا مواقف تعيد بعض قطرات الشرف لوجه الأمة الكالح..

وسوم: العدد 673