كوميديا الانتخابات، إنتاج رخيص، وإخراج رديء

مصطفى مفتي

الانتخابات الرئاسية في سوريا عبارة عن كوميديا قذرة بإنتاج رخيص، وإخراج سوقيّ رديء، كوميديا تهزأ من حال السوريين، ومما حل بهم من دمار وقتل، للكبير والصغير والرضيع، وللرجل والمرأة على السواء، هي كوميديا تسخر من قتل كل حي من بشر وشجر وبهائم، هي كوميديا تسخر من اغتصاب الحرائر، كما تسخر من تشريد البشر وتهجيرهم وملاحقتهم في كل مكان، هي كوميديا تسخر من تكميم الأفواه، وتغييب الأحرار وراء الأسوار، وقتلهم في كل دقيقة تحت التعذيب بوحشية ما عهدتها البشرية قبل ذلك، وما سمعنا عنها في قصص الفانتازيا.

والانتخابات في حقيقتها التفاف على إرادة الخيرين، وتقويض للمساعي الدولية بإنهاء أي أمل في إيجاد حل للوضع في سورية، لأن جميع الحلول تنطلق من الحد الأدنى وهو رحيل رأس الشرّ بشار عن المشهد السياسي في سورية.

وهذه الانتخابات تمثل استخفافاً وعدم اكتراث بالمجتمع الدولي العربي والإسلامي والعالمي، كما أنّ إجراءها والإعلان عنها بهذه الصفاقة والوقاحة دليل على دعم خفي من تحت الطاولة يعطي النظام الجرأة على اتخاذ ما يحلوا له من قرارات.

 

والانتخابات فيها تفويض ممن لا يملك لمن لا شرعية له، ودعم للقاتل للاستمرار في إجرامه وقتله، وفي هذا الصدد لا بد أن أوجه رسالة شكر وعرفان إلى المجلس الإسلامي السوري والذي يعتبر حالياً أكبر مرجعية دينية للمعارضة (ويضم نحو 40 هيئة شرعية ورابطة إسلامية وعلماء مستقلون) لإصداره بياناً يبين فيه حرمة المشاركة في هذه الانتخابات أو الترشح لها أو دعمها بأي شكل من أشكال الدعم، كما اعتبر البيان المشاركة كبيرة من الكبائر.

 

وأما المنافسة بين المرشحين فهي فرية لا تنطلي إلا على الحمقى والمغفلين من أتباع النظام الذي يخوض هذه الانتخابات متنافساً مع “نفسه” ولا يوجد له منافس حقيقي ولا وجود للمعارضات، داخلية أو خارجية، على حلبة المنافسة ... في انتخابات ستجرى في نصف سوريا، الذي يسيطر عليه النظام.

 

فالنظام -كما عودنا- فصل قانون الانتخابات على مقاسه، تماماً كما جرى تفصيل الدستور سابقا على مقاس بشار ليتسلم ولايته الأولى، خلفاً لوالده.

ومن مظاهر تفصيل قانون الانتخابات وروغان الثعالب أن المرشح الرئاسي يجب أن يكون مقيماً إقامة دائمة في سوريا في السنوات العشر الأخيرة، وهذا يسقط جميع المعارضين في الخارج ويقصيهم ويحرمهم من الاشتراك والمنافسة.

كما يتعين على المرشح الحصول على تأييد خمسة وثلاثين نائباً في مجلس الشعب السوري، ذي اللون الواحد في ولائه للملهم العظيم بشار ولحزبه القائد حزب البعث، وهذا يعني حرمان معارضة الداخل من مجرد التفكير في خوض غمار هذه المعركة.

 

وهذه الانتخابات يجريها النظام من غير رقابة من منظمات المجتمع المدني أو من قضاء مستقل، ومن دون مراقبة دولية، ومن دون توفر أدنى حد من معايير النزاهة والشفافية.

ومن أركان هذه المسرحية الرديئة وجود مرشحين كرتونيين، يضفي إسفافاً وركاكة في الحبكة الروائية للمشهد.

ومن الطريف أن أحد المرشحين (حسان النوري) يثني على بشار ويوجه له الكثير من الثناء والشكر في مقابلاته للدعاية الانتخابية، والأطرف قوله: بأن الكرسي ليس هو الهدف؟؟!! يترشح للمنافسة على كرسي الرئاسة ولكنه لا يريد هذا الكرسي؟! والعجب كل العجب من هؤلاء بأنهم ما زالوا يعيشون في عصور ما قبل التاريخ، ولم يعرفوا بأن شعبنا العظيم شبّ عن الطوق، وسبقهم في فهم الواقع بمراحل عديدة، فما زالوا غارقين في بحر من البلاهة والتبلد.

 

والمرشح الآخر المدعو: ماهر حجار يحمل نفس المواصفات القياسية للمرشح البارّ بمرؤوسيه ولكن بنكهة كريهة أخرى –بفتح الهمزة وضمهّا- ومن أطرف ما رأيت في دعايته الانتخابية وجود صور بشار في خلفية الصور التي يظهر فيها؟؟!!

ويعرّف حجار بنفسه بأنه يساري، وفي نفس الوقت بأنه سليل عائلة معروفة بالإفتاء! فهل هو بذلك يحمل برنامجاً يسارياً، أم دينياً، أم يحمل برنامجاً يسارياً شيوعياً إسلامياً بنكهةٍ بشارية؟!

 

وحتى يكشف الله عن خبث طوية هذا النظام، فقد ألهمه أن يختار له جوقة من الأغبياء الأوفياء، ففي إحدى المقابلات – قبل الإعلان عن أسماء المرشحين الثلاثة- مع شريف شحادة يقول: بأنه سيكون هناك ثلاثة مرشحين للرئاسة، وعندها فاجأه مقدم البرنامج بقوله: وهل هذا تكهن؟ رد عليه شحادة برباطة جحش: بل معلومات؟؟!!!!!

 

وحتى تتكشف للقاصي والداني فصول مسرحية المعارضة الكرتونية المصطنعة يعلن رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الدكتور/ علي حيدر، انسحابه من جبهة التغيير والتحرير ويعلن تأييده لترشيح بشار الأسد بعد أن كان معارضاً يحمل مشروعاً للتغيير؟؟!!!!

وأخيراً أوجه رسالتين:

الأولى أوجهها للمجتمع الدولي (العربي والإسلامي والعالمي) لأضعه أمام مسؤولياته وأذكره بأنه:

في ربع ساعة: يقتل اثنان من الشعب السوري، ويجرح ثلاثة ويغيّب واحد، ويلجأ عشرون شخصاً إلى دول الجوار، وينزح أربعون عن بيوتهم يهيمون على وجوههم في كل مكان.

كما أذكرهم بأن (عائلات الشهداء، وعائلات الجرحى، وعائلات المعتقلين، وعائلات المفقودين، واللاجئين، والنازحين) أكثر من 15 مليون من أبناء شعبنا الكريم.

وأن البنية التحتية في كل القطاعات أصبحت شبه مدمرة.

فماذا تنتظرون؟ وعلامَ تنظرون؟! وهل يكفيكم ما سُكِب من دمائنا أم أنكم للمزيد تطلبون؟!

وأوجه رسالتي الأخرى لمن ما زالت على عينيه غشاوة وفي قلبه دخن من أبناء الشعب السوري:

انتخبوا قاتلكم، انتخبوا قاتل أطفالكم ونسائكم، انتخبوا من هتك أعراضكم، وتعدى على أموالكم وممتلكاتكم، انتخبوا من دمر بلادكم، وأهلك الحرث والنسل.

انتخبوا مدمر سوريا الحديثة، انتخبوا من تشاؤون وسوف تحاسبون.