هل ثمة خطأ ما في مدخلاتنا التربوية
كيف أصبح قتل الإنسان أيسر من شرب الماء ؟!
قتل الأب باولو مثلا
زهير سالم*
هذا المقال ليس للمنغمسين في سياقات الصراع السياسي ، وإنما هو بطريقة أخص لرجال الرأي والفكر من أهل الرشد من علماء الإسلام ، والقائمين على مشروعه الذي هو قصرا وحصرا وبنص الكتاب العزيز مشروع رحمة للعالمين ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
إن التوظيف الخاطئ لقوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) لا يمكن أن يجعل من سلوك أعدائنا مصدرا للتشريع ، فنقتل كما يقتلون ، وننتهك كما ينتهكون ، ونغتصب كما يغتصبون ، ونتمادى كما يتمادون . بل نص المفسرون على أن المقصود من قوله تعالى ( فاعتدوا عليه ..) هو رد العدوان ، وأنه استخدم لفظ اعتدوا على سبيل ( المشاكلة ..) البلاغية ، وإلا فإن الله لا يأمر بالعدوان وهو في مواضع كثيرة ينهى عنه .
إن جوهر ثورتنا على القاتل الظالم المستبد هو في الثورة على سلوكيات هذا القاتل وممارساته ، فكيف يمكن لمن يثور على أمر أن يتلبس به . ولمن يرفض سلوكا أن يمارسه ؟!
نظريا نسمع كثيرين من المعنيين بهذا الخطاب يعلنون البراءة من مشروع القتل للقتل الذي يتبناه البعض سلوكا ومنهاجا ، ونسمع استنكارهم البلاغي له ، وإدانتهم للمقدمين عليه ، بينما تسير الأمور العملية في كثير من السياقات في موارد أخرى ،جدير بها أن تثير قلق المؤمنين الراشدين ، وأن تستدعي وقفة مراجعة كاملة لمدخلات ومخرجات خطاب إسلامي تربوي عمره يقارب القرن من الزمان ..
من السهل أن يتهرب البعض من حملة المشروع الإسلامي من تحمل المسئولية الشرعية والمسئولية الأخلاقية والإنسانية عن الدروب الضيقة التي يحشر فيها هذا المشروع ؛ ولكن هذا التهرب لن يعفي أصحابه من المسئولية أمام الله أولا ، ثم أمام الناس والتاريخ . ولن يصح أمام هذا الواقع الجارف من الجرأة على الدم أن يجد البعض ملجأ في التمييز بين مسلمين وسطيين معتدلين ومسلمين متطرفين معتدين . ولا نريد في هذا المقام أن نتحدث عن إسلام وسطي معتدل لأن في ذلك إقرارا ضمنيا بوجود إسلام آخر لا وسطي ولا معتدل .
إن السؤال الأخطر الذي يواجهنا اليوم ما هي الحدود المادية التي يمكن أن نمسك بها والتي تفصل هؤلاء الوسطيين المعتدلين عن أولئك غير الوسطيين ولا المعتدلين ؟! كيف يمكننا نحن المسلمين أن نميز بين حملة مشروع الحياة ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ...) وبين أصحاب مشروع : نقتل فنعجل بالمسلم إلى الجنة وبغيره إلى النار !!!!!!!
وإذا كان هذا التمييز بدأ يتصعب علينا نحن المسلمين فكيف ننتظره من غيرنا الذين ينظروا إلى المسلمين بمذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم على أنهم الأمة الواحدة ؟!
أكرر أن هنا الحديث حديث فقه وفكر وليس حديث سياسة ، تريد هذه المقاربة أن تنبه على الخلل في مخرجات الخطاب الإسلامي الفكرية وتدعو إلى تتبع هذا الخلل في مدخلاته ، تلك الشبكة الشعرية الأكثر تشعبا وتشعثا ودقة ..
لقد جاوزت الجرائم والشناعات التي يرتكبها أشخاص محسوبون على الإسلام الدين والمشروع حدا أن المجتمع والكثير من القوى السياسية بدأت تجد ملاذها من أفعالهم بإلحاقهم بعصابات الأسد أو عملاء الولي الفقيه . فيقولون عملاء ، ويقولون مخترقون ..
وكما قتلوا الصبي بائع الشاي في منطقة الشعار في حلب منذ ما يزيد على عام ، وكما عاهدوا وغدروا في العشرات من وقائع المكر والغدر ، تقول الشهادة المروية اليوم : إنهم استدرجوا الراهب باولو داليلو للقائهم بعهد وميثاق ، ثم احتجزوه في قصر المحافظ في الرقة ، وأنه بعد احتجازه بساعتين دخل عليه أحدهم فقتله بأربع عشرة طلقة ..
قتله لا لشيء ...!!
قتله ...وكأنه يشرب كأس ماء ...
وتوقفوا معي عند هذا العدد الكبير من الطلقات أربع عشرة طلقة على رجل أسير مسن روح النقمة وراء عدد الطلقات يجب أن تخيفنا أكثر ..
قتل بل قتلوا الرجل الطيب الذي كان سفير الثورة بل سفير كل السوريين إلى كل العالم ، قتلوه أشرا وبطرا وعلوا في الأرض وفسادا ، بعد أن مكروا به مكر السيء ...
" ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ).
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية