حول زيارة البابا فرنسيس للأرض المقدسة
حول زيارة البابا فرنسيس للأرض المقدسة
العدالة والسلام هو التعبير المفتاح
زهير سالم*
احتلت زيارة الحبر الأعظم للكنيسة الكاثولكية التي تغطي نحو مليار ومئتي مليون مسيحي في العالم مكانتها في الحدث السياسي الدولي وفي وسائل الإعلام . وإنها لسنةٌ جديدة سنها من قبل البابا يوحنا بولس السادس منذ نصف قرن : أن يقوم بابوات الكنيسة بزيارة مهد المسيح حجاجا للدعاء والصلاة . وهذ حق شرعي لم يمنعه على الراغبين فيه أحد من قبل قط . ولو حاول البابا أوربان الثاني أن يسير حيث سار السيد المسيح ، بالطريقة التي يقوم بها بابوات معاصرون اليوم لوفر على الإنسانية مئات الألوف إن لم نقل الملايين من المهج أزهقت في تلك الحرب التاريخية التي وصفت ظلما بالمقدسة . ولتأكد بنفسه أن مهد المسيح في الصون والتقديس . من هذه النظرة إلى طبيعة زيارة الحبر الأعظم نقدر نحن المسلمين عاليا تعبيد هذا الطريق بين مثوى القديس بطرس الحواري الداعية الصادق ومهد السيد المسيح .
في نظرتنا التاريخية المستشرفة نرى أن الاحتلال الظالم الجاثم على أرض فلسطين هو قشرة ظاهرة لن تلبث عوامل الحت الإنسانية والثقافية ، إن لم نقل السياسية أن تذهب بها ، و تذيب نتوءاتها وتدور زواياها . ولذلك فنحن حين نقوّم زيارة الحبر الأعظم إنما نقوّم زيارته إلى الأرض المقدسة التي لا نكاد نرى فيها مستقبليا نتنياهو ولا عنصريته ولا جداره ..
ولقد كان جميلا تصدي الحبر الأعظم لمحاولة نتياهوتزييف التاريخ بادعائه أن المسيح عليه السلام كان يتكلم اللغة العبرية ليصححه البابا بحزم قائلا بل الآرامية .
نعم الآرامية لغة الحضارة لأبناء شرق المتوسط . الآرامية شقيقة العربية التي ما زالت حاضرة في معلولا . معلولا التي غيّبت راهباتها حيث لا يدري أحد أين لأنهن رفضن أن يشهدن بزور
كما كان جميلا أن يتحدى الحبر الأعظم جدار الفصل العنصري ، وأن يتوقف للصلاة عنده غير مبال بغضب الصهاينة المعتدين .
ثم لقد كان القرآن الكريم الأسبق تاريخيا بالاعتراف بالملة الإبراهيمية ، وبمنح أتباعها خصوصية دينية ومدنية ، ودعوتهم جميعا إلى الانطلاق من إلههم الواحد إلى اللقاء على الكلمة السواء ، و رفض عبودية البشر للبشر ، ادعاء أو إقرارا ، واللقاء جميعا في دائرة العبودية للخالق الواحد ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ..) دعوة يبدو أن الاستجابة إليها قد تأخرت طويلا حتى سمعنا بالأمس صداها في الأقصى حين وجه الحبر الأعظم نداءه لأتباع ملة إبراهيم ...
لقد كان الحبر الأعظم في زيارته للأرض المقدسة على مرمى الحجر
، كما تعودنا أن نقول ، من سورية ، حيث يذبح الطفل وتنتهك المرأة ويهدم بنيان الله في الإنسان ، على يد بشار الأسد وعصاباته المجرمة ومؤيديه من أتباع الولي الفقيه . ولم تكن صلوات الحبر الأعظم في كل مرة للسلام أو للمحبة لتسمع في سورية أو لتقع في موقعها الصحيح . ولقد كانت كلمته في قلب الأقصى هذه المرة مفتاحية بالغة في مغزاها ومداها : العدالة والسلام .
نعم العدالة و السلام ؛ لأن السلام لا يقوم على الظلم ، ولأن حروف المحبة لا تسطر بسكاكين القتل ...
العدل ...العدل ...العدل هو أساس السلام في فلسطين ، وأساس السلام في سورية ، وأساس السلام والإخاء والمحبة في العالم أجمع ..
العدل الكلمة التي نتمسك بها ونحب أن نسمعها من الحبر الأعظم كل مرة مفتاحا لدعوة السلام . ففي سورية شعب مستضعف مظلوم أجمع على ظلمه وخذلانه قياصرة الأرض وكهنة الهيكل ووضعوا في رقابهم ورقاب أبنائهم دمه إلى يوم الدين
منذ أربعين سنة دعاني راهب كاثوليكي في مدينة حلب التي يهدم الباطل والظلم والعدوان بنيانها اليوم إلى بحث مقارن حول أسماء الله الحسنى في الإسلام والمسيحية ربما أذكر الحبر الأعظم اليوم : أن من أسماء الله الحسنى في شريعتنا أن الله هو الحق وهو العدل وهو السلام ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية