لكم مذهبكم ولنا مذاهبنا
طرحك ينطلق - كما تقول- من الاختلاف العقائدي بيننا وبين الشيعة،على الرغم من أنهم يؤمنون بالله وبمحمد (ص)فكيف نتصادق ونتعاون مع المسيحيين المثلثة من الأمريكان،وهم مشركون ولا يؤمنون بما نؤمن به،وفي المقابل لا نتعاون مع إيران؟في الطرح خطأ وخلل. الحل يكمن في التقريب بين المذاهب الإسلامية كما بدأ في مصر في عام1947م،وكان الشيخ "علي الطنطاوي"،رحمه الله،من الداعين إلى التقريب.وأصل الخلاف بيننا وبين الشيعة في الإمامة،أي في السياسة،وليس عقائدي متعلق بالتوحيد.وقد خفض إخوتنا الشيعة سقفها من أن الإمامة في أهل البيت في عهد الخميني إلى "ولاية الفقيه"وهذه الخطوة إيجابية في المرجعية الدينية لدى الشيعة علينا أن نستغلها لخدمة مصالحنا المشتركة. الذي أخشاه وأتوجس منه أن يُستغل مثل هذا الطرح الذي هو لكم لتأجيج الصراع بين المملكة وإيران لخدمة الصهاينة.وعلينا أن نراعي أولاً مصالح الشعوب فهي الأوطان.
حسين مغربي
-----------------------
وجواباً قال معاليه:
لم أقل قط ولا أؤمن بأن الخلاف السياسي بيننا وبين الشيعة أوغيرهم من أتباع الأديان والثقافات والطوائف والمذاهب مصدره نوع وطبيعة الاعتقاد الديني..فأنا لا أؤيد بل أرفض الدخول في الجدل أو الحوار بمسائل العقائد الدينية والمذهبية..لأنني أومن بأنها مسائل محسومة لدى كل جهة والجدل فيها لا يقود إلا إلى مراء عقيم ممقوت لا طائل منه..ولكن الحقيقة المرة أنّ الشيعة وغيرهم هم من يقولون بذلك ويمارسون ذلك..وتأكيداً لما أقول فنحن في 1992م بتوجيه من الملك فهد- رحمه الله تعالى - خرج وفد من رابطة العالم الإسلامي للحوار مع قادة الفاتيكان..وبدأنا لقاءنا مع بابا الفاتيكان(بولس يوحنا الثاني)ومن معه من كبار الكرادلة إذاك..أن قلنا لهم: نحن ما جئنا لنؤسلمكم..!ونأمل ألا تحاولوا تنصيرنا..!إذًا لماذا جئنا ..؟
نحن جئنا لأننا نرى أن المسير البشرية في خطر..وإسلامنا يأمرنا ويحفزنا لأن نعمل ما يمكن عمله..من أجل ترشيد المسيرة البشرية..لتكون مسيرة عدل,وأمن,واستقرار,وسلام،تُجّل بها قدسية حياة الإنسان وكرامته وحريته،وتصان معها البيئة بشقيها(المادي والمعنوي) من الفساد والإفساد.ويتحقق بها تعايش آمن بين المجتمعات..فهل لديكم رغبة للتعاون من أجل تحقيق هذه الغايات النبيلة..؟ قالوا: نعم ..!"ونحن ننطلق فيما قلنا لهم من قول الله تعالى:"لكم دينكم ولي دين"أي لكم عقيدتكم ولنا عقيدتنا..فتعالوا لنتسابق ونتنافس بالخير وذلك استجابة لنداء ربنا الذي يأمرنا جميعاً فيقول:"فاستبقوا الخيرات"هذا هو اعتقادنا وهذا نهجنا في التحاور والتعامل مع القريب والبعيد في ميادين الحياة وعمارة الأرض..وذلك من أجل بناء الإنسان وتنمية الحياة لخير البشري جميعاً..ولتحقيق مصالحهم بعيداً عن المراء والجدلية في العقائد التزاماً بأمر ربنا سبحانه:"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"ولأن أمر الاعتقاد موكول إلى رب العباد سبحانه كما في قوله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ "
أما قل الأخ الكريم:أن الحل يكمن في التقريب..!ثم يعلق فيقول:كما بدأ في مصر في عام1947م..!فأقول:وماذا تحقق من التقريب من ذاك التاريخ وحتى الآن يا أخي الحبيب ..؟ألا ترى أن الخلاف بل الصراع بازدياد مطرد حتى وصلنا إلى حالة من التوحش في التذابح المستعر في أكثر من مكان..؟وذات مرة قال لي سماحة الإمام مهدي شمس الدين -رحمه الله تعالى- رداً على قولي له:أنا لست مع تقريب المذاهب فلا جدوى منها..فقال:وما هو البديل عندكم..؟قلت:البديل أن نلتزم معاً وبجدية مبدأ(لكم مذهبكم ولنا مذاهبنا) على غرار ما علمنا ربنا في التعامل مع أتباع الأديان والمذاهب الأخر كما في قوله تعالى"لكم دينكم ولي دين"ولنمضي معاً لنبني الحياة وإقامة العدل على أساس من التنافس في ما نؤمن به من مفاهيم فكرية وثقافية لقيم ربنا جل شأنه..وهذا ما بدأنا به مع الفاتيكان وذكرت لسماحته ما ورد أعلاه في لقائنا مع قادة الفاتيكان..ثم قلت والبديل عندي كذلك:تعالوا لنرفع معاً شعار: (تنقيح المذاهب) قال:وماذا تعني بذلك..؟قلت::أن يعمد أتباع كل مذهب إلى تنقيح مذهبهم مما يؤذي الآجرقال:وما الذي يؤذي أهل السنة في مذهب أهل الشيعة..؟قلت:إنه لكثيرٌ وكبير..قال هات واحدة وأين..؟قلت:له لديك شك فيما جاء في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية..؟قال:لا إنه موضع اتفاق بإجماع أتباع مذهب أهل الشيعة..قلت:ما ذا تقول بما جاء في (المادة الثانية عشرة) من الدستور ونصها:"الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنى عشري،وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير"فقال باستغراب:وهل الواو موجودة..؟قلت: يسعدني يا سماحة الإمام أن أسمع منكم هذا الاستغراب والاستهجان لوجود(و) الواو التي ترفع قدسية المذهب لتكون على مستوى قدسية الدين نفسه..وتنفي عن المذهب صفة الرأي والاجتهاد البشري..بل تؤكد أن التقديس المساوي للمذهب مع قدسية الدين ذاته أمر أبدي غير قابل للتغيير..وإذ نحن في هذا الجدل حول وجود (الواو)اتصل معالي الأخ البروفيسور الدكتور ناصر الدين الأسد العالم الأردني الكبير- رحمه الله تعالى- يهتف- وكنا ننزل في فندق واحد مشاركين بأحد المؤتمرات- مستأذناً لزيارة سماحة الإمام فاستشارني سماحته فرحبت وسعدت..ولما وصل الدكتور الأسد- رحمه الله تعالى- أخبره سماحة الإمام بما نحن فيه من جدل حول(الواو) فقال الدكتور الأسد رحمه الله تعالى:لقد أرسل إليَّ سماحة الإمام الخميني يرحمه الله مسودة الدستور يطلب الرأي قبل عرضه على الاستفتاء..فلما رأيت(الواو) أنكرتها واقترحت على سماحته شطبها وشطب ما بعدها..ولكن يبدو أن الإمام الخميني لم يأخذ بما اقترحت..فأنا أجد في هذه (الواو) وما بعدها فتنة كبيرة وأنها تطعن بصدقية وجدية الدعوة إلى التقريب بين المذاهب..فقال سماحة الإمام- رحمه الله تعالى- وهل عند ك أمر آخر مما يؤذي أهل السنة يا معالي الدكتور حامد..؟قلت:لا يزال لدي ما هو أخطر..قال:وما هو..؟قلت:ما جاء في الفقرة (1) من المادة الثانية من الدستور ونصها:"الإيمان بالله الأحد"لا إله إلا الله"دون ذكر للإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً..وما جاء في البند(أ) من الفقرة(6) من نفس المادة ونصه:"الاجتهاد المستمر من قبل الفقهاء جامعي الشرائط.على أساس الكتاب وسنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين"من دون ذكر لسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولو قالوا:سنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة المعصومين لكان الأمر قابلاً للنقاش..أما أن يتجاهل الدستور ذكر سنة رسول الله فهذا أمر غير مقبول بحال من الأحوال..فقال سماحة الإمام - رحمه الله- وماذا غير ذلك..؟فقلت:كثير..ولكن دعني أعود للمادة (الثانية عشرة) التي تنص فتقول:"وأما المذاهب الإسلامية الأخرى والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي إنها تتمتع باحترام كامل..وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم"وبعد هل يبقى مكان لمصداقية وجدية الدعوة إلى التقريب بين المذاهب مع هذا النص الدستور الأبدي غير قابل للتغيير..والذي يعززه القول الصارخ بأن رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران حامياً فقط للمذهب الرسمي(الجعفري الاثنى عشري) كما ينص الدستور في (المادة الحادية والعشرون بعد المئة) ونصها:"إنني باعتباري رئيساً للجمهورية أقسم بالله القادر المتعال في حضرة القرآن الكريم وأمام الشعب الإيراني أن أكون حامياً للمذهب الرسمي."أجل وهل يبقى هناك مكان مع هذا النص لمصداقية مقولة(التقريب بين المذاهب..؟) إلا مع حالة واحدة وهي أنكم يا سماحة الإمام تعنون بالتقريب أن يتحول المتغير (مذاهب أهل السنة) إلى الثابت المعصوم المقدس مذهب أهل الشيعة..؟؟؟!!! ودعني من فضلك أتساءل من جهة أخرى:هل يستقيم بحال أن يُحرم أطفالُ الشعب الإيراني من تعلم لغة القرآن في المرحلة الابتدائية (وهي مرحلة التأسيس والبناء التربوي) ويحرم من ذلك في المراحل الجامعية (وهي مراحل التأصيل الفكري والثقافي والمعرفي) ويسمح لهم فقط بتعلم اللغة العربية في المرحلتين الإعدادية والثانوية كما ينص الدستور في (المادة السادسة عشرة) ونصها:"بما أن لغة القرآن والعلوم والمعارف الإسلامية هي العربية،وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل،لذا يجب تدريس هذه اللغة بعد المرحة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية"أما التخصيص الحصري الذي يدمر كل أمل لما يسمى(التقريب بين المذاهب) يوم يشترط الدستور أن يكون مذهب رئيس الجمهورية هو المذهب الرسمي للبلاد كما جاء ذلك في (المادة الخامسة عشرة بعد المئة)-الفقرة(5) ونصها:"مؤمناً ومعتقداً بمبادئ جمهورية إيران الرسمية والمذهب الرسمي للبلاد."وبعد أما كان الأحرى بإيران والأجدى بها ان تقدم للمسلمين الأنموذج العملي لمقولة (التقريب) من داخلها بدلاً من أن تؤصل وتشرعن لفرقة الأمة كما تؤكد ذلك النصوص التي أوردتها لكم يا سماحة الإمام..؟وهنا تدخل معالي الدكتور ناصر الدين الأسد - رحمه الله تعالى- ليفجر السؤال المسكوت عنه فقال:يا سماحة الإمام يقول الناس:أن عند أهل الشيعة قرآنا غير هذا الذي بين أيدي المسلمين ..فما صحة هذا القول من فضلكم..؟قال سماحته - رحمه الله تعالى:لدينا كتاب نسميه كتاب فاطمة عليها السلام والبعض من الشيعة يسميه مصحفاً..فقال معالي الدكتور الأسد رحمه الله تعالى:لماذا يا سماحة الإمام لا تطبعوا هذا الكتاب أو هذا المصحف لإنهاء هذه الجدلية الدائرة..؟قال:سماحة الشيخ رحمه الله تعالى:يبدو أن الأمر لم يحن زمانه بعد..؟؟؟!!!
أما قول الأخ الحبيب:بأن الشيعة خفضوا سقف حصر الإمامة في آل البيت إلى سقف(ولاية الفقيه)فهذا قول فيه مغالطة كبيرة..فمصطلح ولاية الفقه إنما هو فتوى مرحلية صنعها الشيعة ريثما يخرج إمامهم حبيس الزمان..وهذا أمر مثبت بنص الدستور في( المادة الخامسة) ونصها:"في زمن غيبة الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه)تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقاً للمادة(107).
وأما قوله:أن أصل الخلاف بيننا وبين الشيعة في الإمامة،أي في السياسة..فهذا تبسيط مخل وتفاصيل السيرة الصحيحة تؤكد مثل هذا التبسيط المخادع..الذي يلوذ به البعض عن قول حقيقة أسباب الخلاف وعن المقاصد الذي أحدثت بشأنه وطُورت في سياق الطموحات القومية الفارسية وغاياتها الإمبراطورية..التي أصبحت اليوم تُطرح على المكشوف وبكل شفافية وشجاعة مما ربما تؤذي وتجرح مشاعر الطيبين..الذين لا يزالون ينطلقون في التعامل مع إيران وعمامتها الشيعية المستعارة بحسن نية ورومانسية سياسية فيها كثير من السذاجة والأوهام.
أما كون الصراع والاحتراب مع إيران يخدم مصالح إسرائيل وغيرها من القوى العالمية الطامعة في إيجاد مواقع توسع لنفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة..فهذا أمر مؤكد لا يختلف بشأنه عاقلان ينبغي ألا نسمح به وألا ندعه يحدث ويتفجر..فالحروب أياً كانت ومع أي طرف كان من دول المنطقة أو خارجها فهي مدمرة وباعثة على الفساد والإفساد..وهذا مما نهى عنه الإسلام وحذر من مخاطره..إلا في حالة الدفاع عن النفس وصون سيادة الأوطان وعزتها ومجدها لقوله تعالى:"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"ولذا علينا أن نعمل بكل تعاون وتنافس للتحول بثقافة الأجيال من شعار:(الموت في سبيل الله أسمى أمانينا) إلى شعار:(الحياة في سبيل الله أسمى أمانينا) فالذي لا يحيى في سبيل الله لا يمكن أن يموت في سبيل الحياة..فإقامة الحياة مقصد أساس من مقاصد رسالة الإسلام كما في قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"وبعد أسأل الله تعالى لي ولأخي الكريم وللجميع الهداية والرشد. وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِين.
وسوم: العدد 683