أين الخلل ..؟؟ أفي تحليلات المختبر أم في صورة ترسمها المرآة !؟
أتذكر هذا العنوان الذي حاولت مجلة (الأمة) أن تعالج تحته خللا عاما في حياة الأمة ، وفي مسيرة دعاتها بشكل خاص ، منذ عقود . كان عمر المجلة مثل عمر الورد ، ومهما يكن من سبب ، فلم يكن من المقبول ، أن تتوقف المحاولة بتوقف المجلة أو بإيقافها وتوقيفها . وأبسط ما في هذه الذاكرة أن "الخلل " في مسيرة أصحاب المسيرة قديم . وأن الذين يمسكون الدفة في غالبهم : لا يحبون الناصحين .
وأعود إلى طرح السؤال : أين الخلل؟
ويجيبني الذي يؤمن أنه ليس بالإمكان أفضل أو أبدع مما كان : أنت تفترض مسبقا وجزافا ، أن هناك خللا . و( نحن ) قد استفرغنا واستوفينا وأدينا . وإن كان من خلل فليس منا ولا علينا . ثم يهوّم الصاحب في ذكر الاستعمار والامبريالية والصفوية والدولي والإقليمي والآخرين ، ويعدد الانتصارات الصغيرة ، والإفحامات والاقتحامات المبهرة ، وكيف قالوا وكيف قلنا ، وكيف جاؤوا وكيف رحنا ، في مرصوفات الادعاء الزاهية التي تعودنا عليها وهادنها منذ عقود ؛ ولا أظننا نستطيع أن نفعل بعد أن بلغت الدماء الزبى ، وتجاوز سيلها الطبيين ..
أين الخلل ؟!
ليكون الحكمُ ، فيما بين الناس بملايين شهدائهم وأشلائهم وأيتامهم وثواكلهم وأراملهم ومهجريهم والمدمر من عمرانهم ، والشتات من أمرهم وبين أصحاب هذه اللجاجات ، حكمَ واقع شاهد كل ما فيه ، على أن الخلل يتخللنا ماديا ومعنويا ، عقليا وسلوكيا ، ويجتاحنا عموديا ( من الراس إلى الساس ) ، وأفقيا على كل مربع من مربعات رقعة وجودنا ووجود محاربينا الأربعة والستين ..
إن الأول في معادلة البحث عن الخلل الإقرار بوجود الخلل . وما زالوا يجاحدون ..
إن الإقرار بوجود الخلل شرط ، كالوضوء للصلاة ، ولكننا كلما روادناهم أو قاربناهم ليقروا أبوا وداوروا وناوروا وتهرّبوا وتراخوا وسوّفوا وعلّقوا وزعموا ثم استرسلوا في سكرتهم يعمهون ، وعلى وجوههم يكبون ...
وإن الثاني في معادلة علاج الخلل الإيمان أن البحث عنه لمعالجته فرض ....
كفرضٍ شغل رسول الله عن صلاة العصر ، الصلاة الوسطى ، يوم الأحزاب . وآه كم في هذه الرواية من فقه ، شُغل عنه الناس في سياق الزمان . لم أقرأ لشارح مع كثرة الشارحين يتساءل عن مشروعية الانشغال وحده وحكمه ..؟!
وثالث ما في المعادلة أن ينقاد من يقتنع بالخلل إلى مختبر للتحليل ، وأن يقف أمام المرآة متجردا من نرجسية المرأة الفَتون .
" الخلل " ، ليس القشة أو الجذع ،في أعين الآخرين ، فالحديث عن هذا والإدمان عليه والإكثار منه هو المهرب من المطلب المقصود والذي تعود عليه الكثيرون .
الخلل المطلوب البحث عنه ، هو ذاك الذي تعلن عنه تحاليل مختبر ، أو يرسمه سطح مرآة .
وبعض أصحاب الخلل في هذا الزمان يقدمون في المختبر نماذج مزورة – كما رياضي بوتين – للحصول على نتائج ترضيهم ، أو ترضي غرورهم وادعاءهم ، وتحافظ على هيئاتهم في أعين السذج أو المنافقين أو المجاملين ، الذين يدعمون في لحظة : أن واحد زائد واحد يساوي أربعة ، وإن سألتهم محققا ضحك منافقهم : يتزوجون وينجبون ....
وتشهد المرآة حين يقبلون أن يقفوا أمامها بحق وصدق ، فشهادة المرآة حسية صارخة لا تخطئها عين . ومع ذلك يراوغون ....
علّم "جلال الدين الرومي " وأرشد :( إذا لم تعجبك الصورة فلا تكسر المرآة ). وتعودوا أن يلعنوا المرآة ، بل أن يكسروها احتجاجا عليها ، لأنهم يعتقدون جازمين أنهم أجمل من الصورة التي تعرضها عليهم .
وفن إضافي في المراوغة يتهم بعضهم المرآة بالصدأ والغبش، وإن كانت أكثر لمعانا من ترائب صاحبة امرئ القيس التي كانت ( ترائبها مصقولة كالسجنجل ) .
في الجاهلية كانت المرآة ، وفي الإسلام كان الحِب ( جرة الماء ) مقدمة للخروج على الناس . وفيه كان تقرير المصطفى صلى الله وسلم عليه : " المؤمن مرآة أخيه "ا وبعض الناس اليوم يعلن حربا حتى على المرآة .
ورغم كل ما تفيده شهادات المختبر ، وتقدمه صفحة المرآة من لون حائل، وشق مائل ، ولعاب سائل ...
يصدرون له شهادة : سالم مسلح !! ويسألني أين الخلل ...
وسوم: العدد 684