صناعة الحضور في ظل الغياب

صناعة الحضور في ظل الغياب

د. سماح هدايا

 لماذا هذا الاصرار على تحميل الإسلاميين ومنظومة الخطاب والعقل  الإسلامييين ما يعتقدونه انهيار الثورة السورية وانحرافها عن الطريق؟

من الغريب التغاضي عن الصورة الشاملة وتناسي أن لكل ثورة ظرفها وواقعها وتاريختها؛ فلا يمكن رؤية الثورة السوريّة  كصورة ثابتة جاهزة....وأي ثورة بحاجة إلى فكر ليؤطر معنى الثورة؛ فاين المفكرون السوريون والعرب الذين يقدمون منظورا فكريا ملائما للناس لكي تستمد منه وتنستنير به بديلا عن الفكر الديني التقليدي؟ أين المفكرون السوريون الذين عليهم أن ينظموا عمل الناس ومساق سيرهم وتفكيرهم.؟

إن أي مجتمع يحتاج لفكر. ولأن الواقع العربي الثقافي والسياسي لم يقدم عبر عقود طويلة بديلا متنورا وناضجا وموضوعيا؛ لذلك لجأت الناس عند المصائب والشدائد للحاضن العقائدي وأطّرته سياسيا ليساعدها في الصمود والتّحرّك. لم يحتضن أحد من المفكرين، الذين لا يملون الحديث نفسه والتنظير العقيم ذاته، الواقع الماساوي الشعبي، ولم يقدّروا، حق التقدير، الوجدان الشعبي ويطوروه. كانوا ينظرون إليه بازدراء، من دون ان يستقطبوا المد الشعبي بأي بديل مقنع يحترم قيمته الإنسانية. والدليل أن توصيفهم للمشكلة هو في اتهام العقل الجمعي والخطاب الديني للناس، بدل أن يكون اتهامهم لأصل المشكلة والكارثة، وهو نظام الاستبداد والحاكم المستبد. قد حدث، كتطور طبيعي للواقع أن يخرج من هذا الشعب، الذي حصّن نفسه بالدين، مجموعة انتهازية انتفاعية من المتعصبين وأصحاب النوايا التسلطية، مثلما ظهرت وخرجت في كل موقع آخر من الثورة والمعارضة والإغاثة، عقائديا أو غير عقائدي أي من كل الأطياف السياسية والمجتمعيّة. هؤلاء قاموا واستغلوا البعد الفطري الديني للناس وتعربشوا عليه بلصوصية واحتكار وطغيان وسلبوه المصداقية والنزاهة ومن ثم المشروعية. وتقاسموا مع غيرهم تحاصصات الولاء والتبعيّة للخارج والتمويل المشروط.

قبل لوم الناس الذين كانوا وحدهم تحت الذبح والدمار، سواء عندما خرجت المظاهرات عفوية أو عندما كانت سلمية أوعندما تسلحت ..لم ينقذهم أحد لا في الشهور الأولى، ولا في السنة الأولى، ولا بعد ذلك، حين اتخذت حالة التسليح والأسلمة ...فقد بقي الشعب تحت الذبح والقتل لم يساعده أحد للخلاص والنجاة...بل، على العكس، اصبح في موقع المذنب والملام والمتآمر. لذلك جاء الرد الفعلي العادي هو العقيدة والدين وهو أمر طبيعي في اي مجتمع وفي أي زمن وفي اي مكان..... إن المنطق الذي يصر على تحميل الدين الشعبي والمتدينين والحاملين للشعارات الدينية والقائلين بالخطاب الديني الذنب ويجعلهم جناة وهم الضحايا هو حالة إنكار للحق، وهو تفكير فاسد ضحل لا ينفع. . يجب تحليل الواقع الحالي بموضوعية وفق فهم الظروف والممكنات وشروط التطور. ويجب تحليل حركة المجتمع السوري الذي أدمته قرون التعسف والاستبداد والفساد والجهل وجعلته يرد بفعل استرادد الذات.

ولأن كل الساحة العربية تفتقر لمفكرين لهم التصاق بمجتمعهم وقضايا مجتمعهم ، من دون تنظير فوقي أو تحتي أو غير ذلك ، ولأن الفراغ هو السائد، أصبح من السهل جدا العودة إلى البئر القديم العميق لاستخراح الماء منه والشرب منه، و بكل مافيه من أمراض وفساد. اللوم يجب أن يقع على القيادات والنخب الثقافية والفكرية والسياسية الحاضرة.،. وعلى حالة الفراغ التي لم يستطع أن يملأها السياسيون والمفكرون من مختلف المذاهب والمشارب. فعندما لا يكون هناك فكر في المجتمع فالناس تعود لما ومعتاد ومخزون،حتى لو فقد بعض الصلاحيات أو كثير الصلاحيات للتزود منه.

التنظير يبقى تنظيرا ولا يستطيع حمل أي حركة تغيير مادام لا يحمل فكرا نابعا من ضمير البشر ومن وجدانهم. علينا إصلاح عقول المفكرين والسياسيين لكي يصلحوا . أما داعش ومثيلاتها فهي لعبة سياسية دولية لم يكن لها أن توجد وتقوى إلا بقرار سياسي داخليوخارجي وظرفي لضرب المشروع التحرري وشربكته بقضايا دولية وقضايا عقيمة ..وهي حتى في استمالتها واستغلالها لأطياف من الشباب الصادقين المتحمسين للجهاد والراغبين في الثأر لقتلاهم واهلهم والدفاع عن وجودهم، ....ظلت حالة غريبة وغرائبية وقد تراجعمدها وقبولها بين العوام والعموم كثيرا؛ لأنها طغت وظلمت وطعنت في جموع الناس وطعنت في الثوار وتركت عدو الشعب الساسي حرا طليقا، ولأنه انكشف أمر مكائدها..

ومن الضروري التاكيد في خاتمة القول  إن إسقاط المنظومات الثابتة من التفكير والتوصيف هو خطوة في غاية الأهميّة لتخطي التهاوي السياسي والنهضوي؛ فلا يمكن الانتقال إلى الأمام في زحمة كل هذه المتناقضات المحيطة من دون إعادة التفكير في الخطاب والموقف والفعل والنيّة. النسخ من القوالب الجاهزة الراسخة سيعرقل اي تطور  ونمو في العمل ووفي تحقيق النصر وإنجاز عملية  التحرّر.