تعليقات على مقال" العلم الذي لا ينفع"
أولاً أنا لا أظن بالكاتب إلا خيراً.
ولن أعلق على بعض الأخطاء اللغوية في المقال،وهي، على كل حال،قليلة.
إنما أبدأ بالعنوان وقد اقتبسه الكاتب من الحديث الشريف،كما أشار في نهاية المقال. وهو اقتباس حسن.
وفي البحث كثير من الصواب لاسيما فيما يُفهم منه أن النص الشرعي(من قول الله تعالى وقول نبيه صلى الله عليه وسلم)مقدس،وأن قول أي من البشر بعد ذلك يؤخذ منه ويُردّ.
لكن المقال يحمل بين جنبيه إشكالات أو ،في أقل تقدير، غموضاً.
فهو يريد إلزامنا بما سمّاه (التعريف الحديث للعلم)وهو أنه المنظومة الفكرية التي تنتج عنها،وتشتمل على مجموعة من الفرضيات ...
ولا نظن أن الكاتب يجهل أنّ لكل علم،أو لكل طائفة من العلوم، طرائقها في البحث والاستدلال؛فعلوم التفسير والتشريح والرياضيات والنفس والمناخ والتاريخ والسياسة والنحو ... ذوات أنماط مختلفة في البحث، ومن التعسف إلزامها بنمط واحد ،مهما توسّعنا في تطبيق التعريف الذي ذكره الكاتب،وهذا إذا سلّمنا بالتعريف المذكور، إذ مثل هذا التعريف مما تختلف فيه المعاجم ودائرات المعارف.
ثم،مَن قال : إن العلم النافع في النظرة الإسلامية،في أغلب تعريفاته،هو حصراً العلم الشرعي(تفسير،حديث،فقه ...)؟ فهل علوم الطب والبرمجة والاتصالات والفلك ... ليست من العلم النافع في الشرع؟ أم أن الكاتب بنى أفكاره هذه على قولِِ قرأه في إحدى المجلات،ثم عمّمه على ما ظنَّه (العلم النافع في أغلب تعريفاته)؟
ثم ألا يرى الكاتب تعارضاً بين وصفه معظم العلوم الإسلامية أنه يحوم حولها هالة من القداسة ... وبين ما ذكره بأن معظمها آراء ... تتسم في كثير من الأحيان بالتضارب. فكيف تكون مقدسة ومتضاربة؟ إن علماء الإسلام في كل العصور قد ردّ بعضهم على بعض،ولم يروا أن أقوالهم مستعصية على النقد أو التعديل . نعم لا ينبغي أن نحتفل بمن ينقد إذا لم يكن صاحب علم ،فإنه يكون كحاطب ليل،خطؤه كثير،وصوابه عرَضيّ. ومع ذلك يمكن أن يكون نقده مثيرا للتفكير،محفّزاً على البحث،عسى أن يكون فيه صواب.
وفي واقع الأمر فإن علماء هذا العصر من أمثال محمد أبي زهرة ومصطفى الزرقا وعبد الله بن زيد آل محمود ويوسف القرضاوي ... قد أبدوا اجتهاداتهم ولم يعُدّوا أقوال غيرهم ممن سبقهم أو عاصرهم،مقدسة.
ونقف عند فكرة أخرى في المقال ،وهي أن مخرجات كليات الشريعة ضعيفة في مجملها. وهذا صحيح، فإلى جانب كل نابغة من هؤلاء الخريجين عشرات من طبقة متوسطة، وعشرات من طبقات أدنى،وقد أشار الكاتب إلى أحد أسباب ذلك،وأحسنَ، وهو أن معظم من يدرسون فيها من أصحاب المستوى العلمي المتواضع(معظم كليات الشريعة تقبل الطلاب ذوي العلامات أو المعّدلات المتوسطة فما دونها)
لكن هناك أسباباً أخرى لا تقلّ أهمية، وهي أن الأنظمة السياسية التي تنشأ هذه الكليات في أحضانها ،تتحكّم في مواصفات أساتذتها ،وفي مناهجها،لتخرّج طلاباً لا يفكّرون"خارج الصندوق" بل يعَلّمون إخراج الفتاوى التي تتفق وتوجهات أولي الأمر،ولا أستثني من ذلك بعض كليات الشريعة في الدول الأوربية.
بقي تعليق أخير: لانقدّس قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولكنا ننظر باحترام وتقدير لجهود علماء الإسلام في مختلف اختصاصاتهم،في الفقه وأصوله،والحديث وعلومه والتفسير والسيرة النبوية... ونقبل توجيه النقد إلى أقوالهم واجتهاداتهم ،إذا جاء هذا النقد من أهله.
وسوم: العدد 695