وقفة مع كلمة الدكتور أحمد الخمليشي في ندوة " الأمن الاجتماعي وأدوار الأسرة الرهانات والتحديات "
نظم المركز المغربي للدراسات والإعلام في القضايا الأسرية بتعاون مع المجلس العلمي المحلي بوجدة ، ومع مختبر مناهج البحث في الحضارة الإسلامية وتجديد التراث يوم السبت 26 نوفمبر 2016 بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة ندوة وطنية تحت عنوان : " الأمن الاجتماعي وأدوار الأسرة الرهانات والتحديات " وخصصت الجلسة الأولى التي ترأسها الأستاذ سمير بودينار لمداخلتين افتتاحيتين الأولى مداخلة الدكتور أحمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنية ،والثانية مداخلة الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة، وعضو المجلس العلمي الأعلى ،ومدير معهد البعث الإسلامي بوجدة . والذي استوقفني في مداخلة الدكتور الخمليشي هو تقييمه لوضعية الأحوال الشخصية بالمغرب حيث ذكر أن هذه الأحوال تمثلها أربع جهات هي : مدونة الأحوال الشخصية ، والشرع ، و العادات والتقاليد ، وما يسمى الحداثة . وهذا التقييم يوحي بأن أحوال المغاربة الشخصية ليست سواء ، ولا تحت قانون واحد أو ضوابط واحدة بحيث أن زواجهم إما أن يكون موثقا بضوابط مدونة الأحوال الشخصية ، أو يكون مؤطرا بالشرع ، أو يكون محكوما بالعادات والتقاليد، أو يكون محكوما بالتوجه الحداثي العلماني . وإذا كان الأمر كما ذكر الأستاذ الخمليشي، فإننا إزاء تعارض بين مرجعيات الزواج في بلادنا . والمثير للملاحظة في طرح الأستاذ الخمليشي هو الحديث عن المدونة، وعن شرع ،وتقليد، وحداثة . ومعلوم أن المدونة لا تنفك عن الشرع لأن أهل التخصص الشرعي شاركوا في صياغتها إلى جانب أصحاب القانون الوضعي ، وإلى جانب الحداثيين . وربما الطرف الذي لم يشرك في وضع المدونة هو الجانب الممثل للعادات والتقاليد . وتقييم الدكتور الخمليشي يجعلنا أمام بعض الإشكاليات منها إشكالية علاقة المدونة بالشرع ، وإشكاليات علاقة المدونة بالعادات والتقاليد ، وإشكالية علاقة المدونة بالحداثة والعلمانية . فإذا كانت المدونة قد اعتمدت الرؤية الشرعية ، فلا يمكن أن توصف بوصف غير الشرعية أو تخرج عن إطار الشرع في بلد ينص دستوره على أن الدين الإسلامي من ثوابته . ومن المفروض أن تكون مقتضيات المدونة شرعية لا يوجد ما ينقضها أو يخالفها إلا أن طرح الأستاذ الخمليشي يوحي بشكل أو بآخر بأن المدونة فيها ما لا يوجد في الشرع ،خصوصا وأنه لمح إلى وجود اختلاف بين أهل الشرع، وأهل القانون، وغيرهم من الذين شاركوا في وضع المدونة ، وهو أمر أكده فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة في مداخلته حيث وصف المدونة بأنها توافقية ، ومعلوم أن التوافق لا يكون إلا بين أطراف يوجد بينها اختلاف ، والتوافق لا يتم إلا حين يتنازل كل طرف للطرف الآخر ، والسؤال المطروح : ما هي طبيعة تنازل أهل الشرع لأهل القانون الوضعي أو غيرهم ، وما هو حجم هذا التنازل ؟ لأن تنازل الأطراف الأخرى مهما كان حجمه لا يمكن أن يكون له التأثير الذي يكون لتنازل الشرع لأن الشرع قانون الله عز وجل الذي لا يحق لبشر أن يخضه للتنازل . ولا شك أن تنازل الشرع في المدونة باعتبارها توافقية كان بسبب مجموعات الضغط من الحداثيين والعلمانيين الذين يرفضون جوانب شرعية في المدونة، ولا زال ضغطهم متواصلا ، ولا زالوا يطالبون بمراجعة المدونة ، وإعادة صياغتها من جديد ، وقد جاء في مداخلة الأستاذ الخمليشي ما يوحي بضرورة الأخذ بوجهة نظرهم أو محاورتهم أو إقناعهم ما داموا واقعا مفروضا ، وهو ما لم يتفق مع الأستاذ بنحمزة الذي ذكر في مداخلته أن وضع المدونة وصياغتها تطلب جهودا مضنية ، وشارك فيه أهل العلم والاختصاص، ولا يمكن الدوس على جهدهم وعلمهم من أجل إرضاء فئة من الناس يلزمهم دستور البلاد الذي يجعل الإسلام من ثوابته باحترامه والانضباط له، و هي ثوابت بمثابة خطوط حمراء بالنسبة لجميع المواطنين . ولقد اتضح أن الأستاذ الخمليشي يمثل طرفا في المدونة في حين أن الأستاذ بنحمزة يمثل طرفا آخر ، وخلف توجه كل طرف منهما توجد شريحة اجتماعية تكثر وتقل حسب بعد أو قرب هذا الطرف أو ذاك من الشرع . وحديث الأستاذ الخمليشي عن الزواج العرفي وهو صيغة من صيغ الزواج في بلادنا يطرح قضية مشروعية هذا الزواج ، ويبدو أن موقف الأستاذ الخمليشي منه قد سبق التعبير عنه في مقال نشره موقع هسبريس على إثر ما وقع بين عضوي حركة الإصلاح والتوحيد حيث جزم بلا مشروعية هذا الزواج لأنه غير موثق إذا صح ما نشر الموقع . وإذا صح ذلك يكون الأستاذ الخمليشي قد أبطل كل زواج عرفي في البلاد ، كما أنه أثار إشكالا فقهيا يثير التساؤل التالي : هل توثيق الزواج شرط من شروط صحته ؟ فإذا كان الأمر كذلك، فكل زواج في الإسلام لم يوثق فهو غير صحيح أو فاسد ، ولا يمكن أن يقول بهذا أحد وإلا كنا جميعا نتاج نكاح فاسد إذ لم يوثق أجدادنا وأسلافنا نكاحهم على طريقة مدونة الأحوال الشخصية المغربية . وإذا كان التوثيق إجراء إداريا، فهذا لا يعني بطلان الزواج العرفي إذا شهد عليه شاهدان من العدول ،وولي أمر المتزوجة ، ودفع فيه الصداق أو بعضه . ومعلوم أن المدونة تساعد أصحاب الزواج العرفي، وهو زواج شرعي على توثيقه خصوصا الذين أقدموا عليه لظروف خاصة بهم . ويمكن للأستاذ الخمليشي أن يقول إن الزواج غير الموثق مخالف للإجراءات الإدارية بالرغم من كونه زواجا شرعيا . ويطرح إشكال آخر له علاقة بالإشكال السابق، وهو توثيق الطلاق ، فهل الطلاق غير الموثق لا يقع ؟ ولا يمكن أن يقول بهذا إلا معطل للشرع إذ يقع الطلاق بكلام كما ينعقد النكاح بكلام في الإسلام . والناس يتنكبون ما يقع به الطلاق بوازع ديني ، والذين يتزوجون زواجا عرفيا لا يعدمون هم أيضا الوازع الديني . وإذا كان الأستاذ الخمليشي يرد أو يبطل مشروعية الزواج العرفي لغياب التوثيق فيه، فما مشروعية أنواع أخرى من الأنكحة أو العلاقات الجنسية بالمعنى الدقيق التي يطالب بها الحداثيون والعلمانيون مما يسمونه حرية الجنس والرضائية وهي الزنا والمخادنة ،والمثلية وهي فاحشة قوم لوط ؟ وهل يمكن لتوثيق هذه الأنواع من العلاقات الجنسية أن يضفي عليه الشرعية الدينية ؟ وهل تعتبر مشروعة في حال توثيقها كما يطالب بذلك بعضهم ؟ ولئن تشبث الأستاذ الخمليشي بشرط التوثيق في الزواج العرفي وبطلانه بدونه ، فإنه سيكون مضطرا لقبول العلاقات الجنسية غير الشرعية إذا ما حصل أصحابها على التوثيق . ويبدو أن الذي يطرح إشكالات بخصوص مدونة أحوالنا الشخصية هو تلك الأطراف الرافضة لخضوع هذه المدونة لشرع الله عز وجل، علما بأن دستور البلاد لا يتجاوز هذا الشرع بل يعتبره من الثوابت الملزمة للأمة المغربية . ولا شك أن الاستجابة لضغط الحداثيين والعلمانيين خصوصا دعاة الإباحية منهم بذريعة وجودهم في الواقع سيجهز على ثوابت الأمة وعلى رأسها الدين الإسلامي ،الشيء الذي سيفضي إلى ما لا تحمد عقباه ، وسيفتح باب التطرف على مصراعين بين المتدينين والعلمانيين . وإذا كانت الدولة ستستجيب لمطالب غير المتدينين، فعليها أن تتحمل مسؤولية إعداد مدونة أحوال شخصية علمانية خاصة بهم بعيدا عن المساس بمدونة الأحوال الشخصية الملتزمة بالشريعة الإسلامية إذ لا يمكن فرض مدونة علمانية على شعب مسلم . ولا شك أن تفريق الأمة بين مدونتين واحدة شرعية ،والأخرى علمانية سيكون سببا في تهديد الأمن الاجتماعي ، وسيخلق نوعين من الأسر ،وهو ما ترتفع الأصوات لمنعه كما هو شأن هذه الندوة الوطنية المنعقدة بمدينة وجدة .
وسوم: العدد 696