خمسة وعشرون يوما فقط تفصل تسليم حمص

عن الانتخابات المزعومة ... فأين الإرادة الوطنية

زهير سالم*

[email protected]

في حال الغياب الكلي لقيادات المعارضة السورية عن الساحة السورية ، يمضي المشهد الثوري أشبه بحطام مركب تطفو أخشابه المبعثرة على سطح الماء ،فتتقاذفها الريح والأمواج ..

بعد الهدن المتتالية التي عقدتها تباعا بلدات ريف دمشق بدأ من المعضمية و ببيلا وبقية البلدات... . وبعد الانتصارات الحقيقية التي حققتها كتائب ( الاثنا عشر ) من قوات حسن نصر الله في منطقة القلمون ، وتكاد تستكمل بالسيطرة الوشيكة على الزبداني سوار الحدود مع لبنان ؛ جاء الاستسلام أو التسليم الأخير لمدينة حمص ليستكمل بذلك بشار الأسد وداعموه السيطرة على سورية الرسمية من عاصمتها الفعلية إلى عاصمتها الاحتياطية التي كاد أن يهرب إليها البعثيون بعد هزيمة الخامس من حزيران يوم ظنوا أن إسرائيل لن تترك لهم دمشق .

ولكي يكون كلامنا في سياقه واضحا فإن من واجبنا أن نوضح أننا لا نقصد بما نطرح هنا إلقاء اللوم على الأسر المحاصرة من نساء وأطفال هدهم الجوع وأضناهم المرض ، كما لا نقصد التثريب على المقاتلين الأبطال الذين صبروا وصابروا وثبتوا حتى لم يبق في قوس صبرهم منزع  . وإنما نقصد أولئك الخليين من المتكئين على أرائك القرار الوطني في كل دوائرهم  القادة الذين قرروا خوض الحرب حتى آخر قطرة من دماء الأبرياء من أبناء شعبنا وهم في غفلتهم ساهون أو في بيدائهم سادرون أو حول مجد ذواتهم  فكهون .

من حقنا كمواطنين سوريين نعيش الجرح والقرح بكل أبعاده أن نتساءل لماذا لم نسمع من الممسكين بقرارات المعارضة موقفا أو نحس لهم ركزا إزاء ما جرى في غوطة دمشق ، أو في منطقة القلمون ، ولماذا لم نر لهم مبادرة سباقة لماحة أمام قرار تسليم حمص في توقيته وأسلوبه  ؟! هل كانوا في حقيقة الأمر عاجزين عن فعل أي شيء ؟ أو أنهم لا يريدون فعل أي شيء ؟ هل علينا من ضير وطني إذا قلنا بأننا بدأنا نشعر أن  الدوائر  الممسكة  بقرار المعارضة السورية في هيئاتها ودوائرها المختلفة أصبحت جزء من المخطط الدولي ، تتحرك بإشارة من إصبعه لا بباعث وطني شرعي أو مدني!! نتساءل لأننا لا نصدق ولن نصدق أن القوى والهيئات والأحزاب والجماعات السورية مجتمعة أو منفردة في هذا الحال من العجز وانعدام القدرة على فعل أي شيء . لقد باتت تريبنا المائدة الأمريكية ، كما باتت تثير شكوكنا المؤامرة المحبوكة على شعبنا وثورتنا ونحن نرى عراها تنقض عرورة عروة والممسكون بقرارنا الوطني سادرون لا مبالون ..

هل حقا لم يكن بإمكان ثوار حمص وأهالي حمص أن يصمدوا على ما هم فيه من تعب ونصب ولأواء خمسة وعشرين يوما آخرين ، بعد أن صمدوا وثبتوا عامين كاملين ؟! هل حقا أن قيادات المعارضة السورية بكل هيئاتها لم تكن قادرة على دعم صمود أهل حمص لمدة خمسة وعشرين يوما أم أنها المؤامرة الدولية التي تسعى إلى تمرير ( الكوميديا التراجيديا ) الانتخابية في أحسن ظروفها ، المؤامرة التي بدأنا نرى قيادات المعارضة السياسية جزء منها ، كلٌ يسعى إلى حجز مقعده في مركب الحل الأمريكي الإيراني القادم ، ولا يهم أحد منهم أي مركب يكون ؟!

هل فكر الصامتون على تسليم حمص ، والمتواطئون على خذلان أهلها،  بمعنى أن تعود حمص إلى بيت الطاعة الأسدي قبل خمسة وعشرين يوما فقط من موعد الانتخابات ...؟!

ثم أليس من حق الشعب السوري أن يتساءل وماذا بعد ؟!

ماذا بعد أن سمح لبشار الأسد إعادة السيطرة على قلب سورية ، ليعد العدة للانقضاض على جناحيها ؛ في الشمال والجنوب ؟!

أسئلة لا يطرحها على أنفسهم المتواطئون على هذه الثورة أو المستأثرون بقرارها من العاجزين . يقول أحد أبناء بلدة من بلدات الغوطة لقد حررنا مدينتنا وجلسنا تحت الحصار والخوف والجوع ننتظر الذين لا يريدون أن يثوروا فإلى متى ننتظر ..؟! ويتجاوب معه مواطن ثائر من إدلب إلى كم سننتظرهؤلاء الذين ينتظرون ساعة النصر ليتقدموا ويستحوزوا على ما يظنونه المكسب . الموت والجوع في إدلب وجبلها والسلاح والطعام والوفرة في مدن يزعم أهلها أنهم يوفرونها ملاذا آمنا للثائرين ..!!

أما السياسيون فيقولون : لاشيء يتم في سياق هذه الثورة بقرار مركزي ، لا الإقدام ولا الإحجام ، لا إعلان الحرب وفتح الجبهة ولا عقد الصلح وتوقيع الهدنة ..

تسليم حمص في التوقيت الذي تم فيه ووسط التواطؤ الذي خيم عليه لا يمثل الخسارة الاستراتيجية والسياسية والديمغرافية فقط وإنما الأخطر فيه تداعياته على عقول وقلوب الذين ما زالوا في المدن والبلدات الأخرى  صامدين يصاولون تقتل أبناؤهم وتدمر ديارهم يرفعون رؤوسهم وقد رأوا أنفسهم وسط الميدان وحيدين : يتساءلون ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية