التفكير الكنسي عند "الشيخ" الحويني
التفكير الكنسي عند "الشيخ" الحويني
محمد جلال القصاص
يشخص "الشيخ" الحويني المشكلة القائمة بأنها مشكلة أخلاقية، ويفسر وجود هذه المشكلة الأخلاقية بأنهم (الشيوخ) علَّموا ولم يربوا.. وأنهم معذورون في هذا الأمر فقد شغلهم نشر العلم عن التربية!!
يرى أن التربية لم يتوفر شرطها. وشرطها عند "الشيخ": عدد كافٍ من العلماء، يقيم كل واحدٍ منهم في مكانٍ ويرعى عددًا محدودًا من الأفراد، يتعلمون من سلوكه: كيف يجلس وكيف يقوم؟، كيف يتصرف حين يرضى؟، وكيف يتصرف حين يغضب؟
دعك من أن كل ما يشغله في هذا الوقت العصيب الذي لم يمر علينا مثله، من اغتصاب للنساء، واقتحام للبيوت ، وسفك للدماء، واعتقال للأطفال والنساء والرجال، وحرب في كل مجال؛ ودعك من أن كل ما يشغله هو التطاول على من ترك الناس في وقتٍ احتاجوهم فيه.. على من كان يحمِّس ويشجع وحين البأس انزوى وألجم؛ ودعك من أنه يرسل إشارات للقوم بأنه معتدل وغير متطرف ولذا هو منتشر، وهي معركة خاضها وطويت تحت طبقات الأيام وإن استمر ستخرج وتنشر؛ ودعك من فصله التربية عن العلم؛ ودعك من لغة (نحن) التي تشعرك بالمنة من "الشيخ" على الجيل كله، ودعك من أنه يعد أهل العلم قلة قليلة جدًا، هو وقليل ممن اشتهر، ودعك من حالة الاغتراب التي يعيش فيها باستحضار الصورة الأولى كما هي دون مرعاة لتغير الزمان والمكان مع أن اعتبار "المناط" أساس في الفتوى عند الجميع، دعك من هذا كله وسل معي: كيف تكونت هذه الصورة في حسه؟، لتعرف كيف يفكر "الشيوخ"؟.
تكونت الصورة عنده –كما يتضح من حديثه- من قراءة جزئية مغلوطة لحال النبي – صلى الله عليه وسلم -، يقول: كان –صلى الله عليه وسلم- يجلس في مكانه ويأتيه من يريد العلم والأدب، ينظر لحاله ويتعلم منه، ويستدل بحديث عمر بن الخطاب وجاره الأنصاري وهما يختلفان للنبي –صلى الله عليه وسلم- هذا يوم وهذا يوم، ويقول: بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم ينشغل بالرحيل للناس في القرى والوديان كما فعل الحويني ومن حوله!!
وهذه القراءة عجيبة، فيها من الجهل بحال النبي – صلى الله عليه وسلم - والتطاول على مقامه الشريف –صلى الله عليه وسلم-، فقد عرض نفسه على القبائل –صلى الله عليه وسلم- وعدا للطائف على قدميه ودعاهم إلى الله، ولم يقبلوا منه، ولم يكرموه. بل ولم يتركوه، فقد أغروا به الصبيان يرمونه بالأحجار؛ وذهب للناس في أسواقهم، ومجالسهم يحدثهم عن ربه سبحانه وتعالى، ثم هاجر وترك موطنه، وخرج للقبائل بين أصحابه مجاهدًا يتحمل أشد ما يتحمله الإنسان في سبيل مبدئه (الموت، وهجران الأهل والدار، وإنفاق المال). وكان بين أصحابه كأحدهم إن أقاموا أو ركبوا، حتى أن الوافد لا يستطيع أن يميزه من مجلسه فيسأل: أيكم محمدًا؟، صلى الله عليه وسلم، ويسير في الطرقات وحده (قصة اسلام حاتم)، كان بينهم كأحدهم لا تستطيع أن تميزه إلا في بعض المواقف لسياق خاص كما في صلح الحديبية وكما في تعليمهم شيئًا؛ هذا حال النبي –صلى الله عليه وسلم – وهذا الحويني يقول: كان يجلس وهم يأتونه ينظرون لحاله ويتعلمون منه، ويستدل بقصة واحدة!!. والاعتراض هنا على الصورة المركبة "للمربي" التي يحاول "الشيخ" الحويني رسمها لا على الجزئيات.
هذا عقلهم وهكذا تفكيرهم، ثم هم "شيوخ".!!
يشخص الشيخ "الداء" الذي حلَّ بالأمة الآن بأنه سوء الخلق، الذي جعل الجيل الجديد يتنكر "للعلماء"، والسبب أنهم (الجيل الجديد)لم يربوا، والسبب أنهم (الشيوخ) قلة قليلة انشغلت بالتعليم. يرمي مخالفيه بسوء الخلق، وفي الحقيقة يرمي نفسه هو قبل غيره بنقيصتين:
إحداهما: أنهم أقاموا في الدعوة سنين عددًا ولم يخرجوا علماء بل أتباعًا صغارًا. وهذه جريمة، وأمارة على الفشل. بل نازلة لابد أن يُكشف عنها الستار، لابد أن تأتيها آلة البحث العلمي وتكشف للناس لماذا فشل هؤلاء في قيادة الجيل؟!، ولماذا فشل هؤلاء في إخراج رموز تقود الركب؟!. بل لم يتصد هؤلاء لأي نازلة نزلت بالأمة مطلقًا، لا التنصير ولا العلمانية، ولا الرفض، إلا شيئًا يسيرًا، ومؤقتًا وفي سياق النظام السلطوي بما يدعمه هو، وقضاياهم كلها .. كلها .. كلها مفتعلة، أو مفعَّلة لصالح المستبدين!!
والثانية: ينطوي تفكير الشيخ على فقه كنسي بوضوح تام. وتدبر بم يطالب "الشيخ" الحويني:
شيخ مسئول عن عددٍ قليل من الناس (كما القسيس) كلما عرض على الناس عارض قاموا إليه يستفتونه. هو عالم، وهم جهال. هو يبلغهم عن الله، وهم يتلقون منه البلاغ.
لست هنا أتجنى أو أركب شططًا، تدبر بهدوء: مكان يجلس فيه "الشيخ"، وعدد قليل من
الناس يرعاهم "الشيخ" ويقوم على شأنهم، و "حسن خلق" لا يسمح بالتطاول عليه أو نقده،
والعالم معذور في كل حال. بل مأجور (وهذا نص كلامه في نهاية حديثه) يقول: لأنه لا
يتحدث إلا عن علم ويستحضر قولة سعيد بن جبير لمن استرقي لحديث بلغه عن الشعبي، بأن
قد أحسن من انتهى لما قد علم، مع أن سعيدًا صحح لمحدثه ولم يقره على ما قد قال.
وحول المشهد أمارات أخرى تشهد على أن نموذج "الكاهن المقدس" تسلل لفهم السلفيين في مصر ومارسوه عمليًا، من ذلك: تحدث أحد المنتسبين لهم ذات يوم (والفيديو على اليوتيوب) يقول: النصارى لهم "بابا" ولا "بابا" لنا نحن المسلمين، منزعجًا من التطاول على "العلماء"، و"العلماء" عنده يومها شخصه هو، وكان يومها في الثلاثين من عمره أو يزيد قليلًا، والتطاول الذي يشكوه : زميل له ناداه باسمه مجردًا!!
ومن ذلك هذه الجموع من "العبيد" التي تجلس حولهم كالهائمين الحوَّمِ، إن نسب "للشيخ" شيء يشينه سارعو بنفيه بدعوى أن "الشيخ" لا يفعل هذا أبدًا، وإن ثبت صحته أولوه، وإن تعذر تأويله هاجموا المتحدث بسوء النية، وطلب الشهرة، ونحو ذلك...
بل حين تقارن مشهد النصارى حول الأحبار والرهبان... ذاك المشهد الذي وصفه الله في كتابه بقوله سبحانه "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم"، تجدهم أقلَّ تعظيمًا للأحبار والرهبان من عبيد الشيوخ الذين بين أظهرنا الآن.
ثم هؤلاء الذين يقفون بوجه "الشيخ" ليسوا ممن ساء خلقه. بل من طلبة العلم، وممن يعرفون في الحقل الدعوي، وشدة اللفظ مما يستدعيه الظرف الراهن، ولكن "الشيخ" يعد مجرد الرد عليه سوء خلق!!
قبل أن أنصرف وتنصرف:
لا يكبر في حسك أن الفهم الكنسي تسرب لهؤلاء "الأفاضل"، فتقليد الغريب، أو القوي، أو المشهور، أو القفز خارج المكان والزمان (الاغتراب) مشهور عندنا وعند غير، وأشهر ما يكون عندنا نحن السلفيين والعلمانيين أيضًا، وفي هؤلاء السلفيين ظاهر جدًا، في قضاياهم، في ثيابهم، في طريقة تعاملهم مع عدوهم، وفي "الشيخ" الحويني واحدة ليست في غيره تشهد على أن الفهم الكنسي تسلل لهؤلاء وشكَّل خلفية عندهم، وهو: كلما وجد ما لا يسره استتر وصمت، كما كان يفعل الهالك شنودة.
فكِّر في قولي ولا تجادلني حتى لا أعود إليك وأعرض عليك قضايا الفكر التي اهتم بها هؤلاء، وكيف أنها كلها نصرانية أو علمانية، ألقت بها النصرانية إليهم فانشغلوا بها، كأن النصرانية والعلمانية تمسك بهم وتحركهم كما تشاء... لا أشك في هذا، مع أنه لا يظهر في سلوكهم لقصر نظرهم، عمدًا أو سهوًا، وضيق أفق التابعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.