من جاء بترامب إلى الرئاسة الأميركية ؟!
حقيقةً ، الشعب الأميركي لم ينتخب ترامب ، انتخب هيلاري كلينتون ، وبيان ذلك أنها فازت ب 65 مليون صوت ، وفاز هو ب 62 مليون صوت ، والذي حسم فوزه في النهاية بالرئاسة هو المجمع الانتخابي ( 538 صوتا ) ، وهو ما يبعث على التساؤل المنطقي : لم اختاره المجمع على قلة ناخبيه ، ونحى كلينتون على كثرة ناخبيها ؟! وينبعث من التساؤل السابق تساؤل ثانٍ : من أثر على المجمع الانتخابي ، وجعله يختار هذا الشخص المتهور الفظ ؟! إذا كانت تنقصنا المعلومات المباشرة لمعرفة المؤثرين على المجمع الانتخابي ، فليست تنقصنا القدرة على الاستنتاج من شخصية ترامب ومن تصرفاته وقراراته ومجمل توجهاته السياسية . دائما ، وبعد مضي وقت كافٍ ، حظي كل رئيس أميركي بعد دوايت آيزنهاور بمكانة في خدمة مصالح إسرائيل تفوق فيها على سابقيه . ترامب قفز إلى طليعة هذه المكانة منذ فوزه بالرئاسة ، وقبل مراسم تنصيبه ، استخلاصا من تأييده الكامل لإسرائيل الذي أعلن عنه ، ووصفه لإدارة أوباما بأنها قصرت في جانب إسرائيل تقصيرا واسعا ، وأنه سيعوضها عن ذلك . واختار سفيرا يهوديا لأميركا في إسرائيل هو ديفيد فريدمان ، يجاهر بمناصرة الاستيطان ، ويؤيد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ، ويرفض حل الدولتين ، وعين 11 يهوديا في مناصب رئيسية في إدارته ، وهو عدد كبير جدا قياسا بعدد اليهود القليل في أميركا الذي يشكل 1 إلى 50 من عدد السكان . ، وهو ، ترامب ، كشف مبكرا عن عدائه الحاد للإسلام ، وحظر فور توليه منصبه دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى أميركا ( أبطل القاضي الفيدرالي في مدينة سياتل بولاية واشنطون ؛ جيمس روبرت قرار المنع مؤقتا ) ، واستثنى من الحظر في عنصرية مكشوفة فجة المواطنين اليهود في تلك الدول ، ولهذا الاستثناء دلالته الكبيرة على محاباته المطلقة لليهود ولإسرائيل . وإضافة إلى ما سبق رمى القفاز في وجه إيران ، وشرع يدق طبول الحرب ضدها خارجا عن مسار السياسة التي اتبعها أوباما والتي اعتمدت القوة الناعمة والقيادة من الخلف . وكل القرارات والخطوات والمواقف السابقة تصب مباشرة وبقوة في تيار المصلحة الإسرائيلية . وحديث ترامب عن " أميركا أولا " لا جديد فيه ، فدائما كانت السياسة الأميركية تضع أميركا أولا ، وهي سياسة منبثقة تلقائيا عن العقلية والثقافة الأميركية الرأسمالية النفعية التي تقدم الربح بأنواعه على ما سواه . وإذا كان ترامب جاهر في فظاظة وغلظة بأنه سيجبر السعودية وغيرها من دول الخليج على دفع ثمن حماية أميركا لها فإن أوباما المثقف المهذب سبقه إلى تحذير السعودية بأن زمن الركوب المجاني في قطار الحماية الأميركية انتهى . ودول الخليج على كل حال دفعت دائما ، وغاليا ، ثمن الحماية الأميركية لها ، وهذه الحماية هي عصب العلاقة الأميركية السعودية منذ أيام روزفلت الأميركي وعبد العزيز السعودي . فما الجديد في هذه الناحية ؟! الجديد أن أميركا تريد ثمنا أكبر مما سبق ، على كبره ، لهذه الحماية ؛ فهي في نظر أميركا سلعة ، والسلعة قد يرتفع سعرها ، وحان الآن ارتفاع ثمن سلعة الحماية الأميركية للدول الخليجية التي كانت دائما أتبع لأميركا من ظلها ، وأطوع لها من نعلها ، ولذا هي ترحب بالسعر الجديد ، ولا خيار أمامها ؛ فهذه الحماية هي روح بقائها. والسعر الجديد يقتضي أن تدفع هذه الدول غاليا ثمن حروب أميركا الموسعة والمتوقعة في المنطقة ، وأولها الحرب ضد إيران وأنصارها العرب والتي لا يستبعد أن تكون ساخنة بدرجة ما أو حتى بدرجة كاملة ، وأي حرب ضد إيران وأنصارها هي مصلحة إسرائيلية كبرى مثلما كانت الحرب الأميركية التي دمرت العراق جيشا ودولة ومجتمعا ، فمن تعجز إسرائيل عن محاربته توجه إليه أميركا ، وهنا يوصلنا الاستنتاج المنطقي إلى أن من جاء بترامب إلى الرئاسة هو إسرائيل بأدواتها اليهودية المتنفذة في أميركا ، ومن يعادي المسلمين ويتعاون مع هذه الأدوات من المسيحيين المحافظين الصهاينة ، ولهذا كان الإسرائيليون أسعد كثيرا بمجيئه من مؤيديه الأميركيين حتى ليحذر بعض أهل الرأي في إسرائيل من العواقب السيئة للمغالاة الإسرائيلية في الفرح بترامب والتماهي مع تهوراته وطيشه .
وسوم: العدد 706