اليسار الحظائري ينام في سرير ساويرس اليميني!
في الأسابيع الماضية احتفلت جائزة ساويرس الثقافية (14/1/2017) بإعلان أسماء الفائزين في دورتها الثانية عشرة لعام 2016. حضر الحفل عدد من أهل التمثيل اليساريين الحكوميين الانقلابيين. كما شهد الحفل ظهور الدكتور جابر عصفور للمرة الأولي بعد تعرضه لأزمة صحية علي الهواء قبل فترة. بالإضافة إلى وزير الحظيرة والعلمانية حلمي النمنم وغادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي ومحمد أبو الغار الطبيب المشهور، ورئيس لجنة الأمناء. أقيم الاحتفال في دار الأوبرا المصرية ( المسرح الصغير) واحتفت صحف الانقلاب وقنواته وكتّابه بالحدث الثقافي، كما أشادت بالجائزة وأصحابها ودورها في التنمية الثقافية والمجتمع المدني، ونوهت برسوخ الجائزة وإثبات وجودها عاما بعد عام وزيادة عدد المتقدمين لها هذا العام حيث بلغ عددهم 576 أديبا من الكبار والشباب وتنوعت أعمالهم ما بين: الرواية، المجموعة القصصية، السيناريو، النص المسرحي، النقد الأدبي. نلاحظ أن الجائزة بعد مرور اثني عشر عاما لم يتسع صدرها للشعر العربي، وهو أمر له تفسيره وتأويله الذي قد يزعج أهل الحظيرة وأهل الجائزة معا، وإن كان بعض اليساريين الحظائريين ممن يكتبون العامية الهجين القبيحة قد شاركوا في أعمالها ونالوا بعض عطاياها!
المفارقة أن وزير الحظيرة والعلمانية لم ينتبه إلى أن منظمة ساويرس قد سحبت السجادة من تحت قدمي وزارته، وصار صوتها أقوى من صوت وزارته، وانتقل أعضاء الحظيرة الحاليين والمحتملين بقلوبهم وجيوبهم إلى الجونة (مقر جائزة ساويرس ) ووجدوا فيها تنظيما جيدا وسخاء ملحوظا يضاف إلى سخاء الحظيرة، وتحقيقا ملموسا لأهدافها العلنية والخفية ( فاكرين جائزة مجلة حوار التي كانت تمولها منظمة الثقافة الأميركية وفاز بجائزتها الشيوعي الحكومي يوسف إدريس وعوّضه البكباشي النرجسي الحقود بقيمتها بعد أن افتضح أمر المجلة والمنظمة؟).
السيد النمنم لم يقصر في التغزل بالجائزة ودورها، ورآها أهم أدوار مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية في دعم جهود التنوير الثقافي(؟)، بهدف تحفيز الأدباء والكتاب والمؤلفين المصريين وتشجيع الإبداع الفني لديهم وإلقاء الضوء علي المواهب الجديدة التي تبشر بمستقبل مشرق.
واستغرقه الغزل والهيام ليقول: "إن يوم تسليم جائزة ساويرس من كل عام أصبح عيدًا سنويًا(؟)، ومن الجدير بالشكر هو اهتمام الجائزة بالشباب ورصدها لمكافآت جيدة لهم، فضلًا عن الاهتمام بكبار الأدباء، كما أن تنوع فروع الجائزة يعطي ثراءً كبيرًا لها ويضيف الكثير إليها"..
ما أعجب أن يعترف اليساري بفضل الرأسمالي، وأن يتصالح الماركسي ولو كان حظائريا مع اليمين ولو لم يدفع الضرائب المستحقة. لقد صار اليسار ينام في سرير واحد مع اليمين. ألف مبروك للجماعة الوطنية بشرط ألا يكون فيها انتماء للإسلام!
ولعلي من هنا أتوقف قليلا مع ما كتبه عن الجائزة صديقي القديم إبراهيم عبد المجيد الذي عرفته عقب هزيمة 67 مباشرة وأنا مجند مستبقى في القوات المسلحة وكان يومها موظفا في كهرباء الترسانة البحرية بالإسكندرية، وعرضْتً لأولى رواياته "في باطن الأرض" التي طبعها على نفقته في مجلة "الأديب" اللبنانية.
عرفت بعد حين أن إبراهيم كان ماركسيا متطرفا ( تروتسكيا)، وبعد مرحلة من المطاردات الأمنية صار محظوظا بالانتماء لوزارة الثقافة، وتولى عددا من المناصب في هيئة قصورها وإداراتها، وانتقل إلى مرحلة النعيم الحكومي بكل ملامحها، واجتهد في مجال الرواية فكان محل ترحيب من الجهات الأوربية لزيارتها وقضاء نزهات وفسحات على أراضيها، ولا تثريب عليه فليس وحده الذي يتقلب في النعيم الحكومي والدولي، ولكن الذي لاحظته أنه صار يعزف النغمة التي يعزفها أهل السلطة المستبدة الفاشية، خاصة فيما يتعلق بالإسلام وأهله، وبعد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي صار من المقربين والمتصدرين في الساحة الثقافية والإعلامية.
وفي سياق إعجابه بجائزة ساويرس الرأسمالية اليمينية ولا أقول الطائفية التي نال نصيبه منها؛ رأى أنها من أعمال المجتمع المدني الذي يجب تشجيعه لأن الثقافة والإعلام والفنون والتعليم قبل يوليو 1952 قامت علي أكتاف المجتمع المدني وظهرت أجيال عظيمة من الكتاب والفنانين، وكانت مصر في ذلك الوقت أم الدنيا ليس لقدم تاريخها ولكن لأنها كانت مرفأ المهاجرين من البلاد المختلفة الباحثين عن الأمن والأمان هربا من بطش حكام تلك البلاد، وملاذا للأرمن والأكراد واليهود والشوام فضلا عن اليونانيين والإيطاليين والقبارصة والفرنسيين .. وكلهم كانوا بناة للوطن – كما يرى - لاتزال آثارهم بيننا في العمارة والفنون والأفلام القديمة فضلا عما تذخر به دار الكتب من مجلات وصحف. ويضيف إبراهيم: بعد ثورة يوليو بدأ الخروج الكبير شيئا فشيئا لهؤلاء جميعا مرة بسبب التأميم ومرة بسبب الفكرة الإسلامية منذ السبعينات بالذات التي جعلت من الآخر عدوا ووصلت بنا وبالعالم العربي إلي ما وصلنا إليه(؟). واتهام الفكرة الإسلامية دون دليل ظلم كبير ودعاية خطيرة مضللة لأن الخروج الكبير الحقيقي كان من حظ الإسلاميين الذين عاقبهم البكباشي على إسلامهم ورأى أن مطالبتهم بالحرية والعدل وحق الاعتقاد تمثل إزعاجا لحكمه العسكري الدموي الفاشي، فشتت شملهم في شتى بقاع الأرض. أما اليهود فقد ذهبوا إلى فلسطين المحتلة وحملوا السلاح ضد الشعب المصري الذي آواهم واحتضنهم وهيأ لهم المال والنفوذ ودعم الصهيونية (تدرب اليهود في الإسكندرية على السلاح والقتال، وشهدت شوارعها استعراض أولى الكتائب التي ذهبت إلى فلسطين لدعم الهاجاناة والأرجون)، وأتيح لليهودي الخائن هنري كورييل ابن المرابي صاحب بنك الرهونات أن ينشئ الأحزاب الشيوعية المصرية التي أيدت غزو اليهود لفلسطين واستنكرت الدفاع عنها من جانب الجيوش العربية!
ثم يزعم إبراهيم أن السلطة الفاشية تركت الجمعيات الإسلامية التي تتلقي المليارات من الخليج ونسمع ونري أفعالها وشعاراتها التكفيرية حولنا كل يوم. وهو كلام غير دقيق، وإذا كانت السلطة الفاشية تتسامح مع جمعيات اللحى العميلة الخائنة التي تخدم الجهات الأمنية؛ فإنها ألهبت ظهور من ينشدون الحرية والعدل والاستقلال بالاعتقال والقتل والملاحقة والمطاردة والمصادرة، ومن المؤسف أن إبراهيم الذي التحق بركب الانقلاب صار غاية مناه أن يكتب من أجل الإفراج عن شخص بائس مظلوم مثل بتوع الأتوبيس لا علاقة له بالإسلاميين وأوقعه سوء الحظ في قبضة القمع الأسود!
جائزة ساويرس تعبير عن محنة الأمة حيث تستطيع العمل في كل اتجاه، بينما المسلمون قد تحولوا إلى جالية محكومة بالقهر والقمع ولا حول لها ولا شأن.
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 709