نجاح مفاوضات جنيف المستبعد
العربي الجديد
من المستبعد جدا نجاح جولة جنيف الحالية في بلوغ أي تفاهم على حل سياسي في سورية، يطبق وثيقة جنيف 1 وقراري مجلس الأمن الدولي 2118 و2254، للأسباب التالية:
أولا، استحالة تطبيق الوثائق الدولية التي بلورها الخمسة الكبار، أعضاء مجلس الأمن، بالإجماع، حول تطبيق حل سياسي في سورية، ونصت حرفيا على بدئه بتشكيل "هيئة حاكمة انتقالية"، تتولى مسؤوليات بشار الأسد، وتشرف على الانتقال إلى الديمقراطية. بما أن النظام الأسدي يرفض القرارات الدولية، لإيمانه بأن أي حل ينطلق منها سيطيحه، مهما كان حجم التنازلات التي يمكن للمعارضة تقديمها له، واعتقاده بقدرته على إنجاز حل عسكري، هو وحده الحل السياسي الذي قرّر تطبيقه، واقتناعه بأن ظهور تنظيمات الإرهاب جلب له قبولا دوليا جديا، فإنه يرفض القرارات، والحل السياسي الذي تعتمده، ويقرّر رحيل الأسد وتغيير نظامه، ورد الحرية إلى شعبها، بعد نصف قرن من القهر والإذلال والتهميش.
بقول آخر: كيف تطبق قرارات بموافقة طرفٍ، رفضها قرابة خمسة أعوام، من دون أن تتخذ الأمم المتحدة والقوى الكبرى التي أقرتها أية إجراءات رادعة، أو تعترض مجرد اعتراضٍ على قيام روسيا وإيران بمساعدته على التنصل من تطبيق ما كانت قد شاركت في بلورته والموافقة عليه، وتعهدت بتقديم الضمانات الضرورية لنجاحه، في وثيقةٍ صاغتها معا في جنيف، وأصدرتها يوم 30 يونيو/ حزيران من عام 2012، لكن سياسات موسكو وطهران أسهمت في جعلها حبرا على ورق، بانخراطها في حرب الأسد ضد شعبه، وبوقوف العالم مكتوف اليدين على ما ترتكبه الدولتان، إلى جانب جيشه، من قتل وتهجير وتدمير.
ثانيا، نجاح المناورات الروسية في تمييع الوثائق والقرارات الدولية، واستبدال بعضها ببعضها الآخر. لذلك، لم يعد من الواضح على أية قرارات سيستند التفاوض والحل السياسي، وهل ستبقى مرجعيته وثيقة جنيف والقرار 2118، وما يحتمانه من رحيل الأسد ونظامه، أم أنها القرار 2254 الذي يستبدل "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، ومرجعيتها الدولية بحكومة وحدة وطنية مرجعيتها الأسد الذي سيشكلها ويشرف عليها، مع ما يعنيه ذلك من تعارضٍ جذريٍّ مع وثيقة جنيف، إذ بينما يبقي القرار 2254 الأسد في السلطة، تزيحه وثيقة جنيف عنها، ولا تكتفي بذلك، وإنما تعتبر رحيله بداية تطبيق الحل. لذلك لن يشارك في المرحلة الانتقالية، بما أن الحل سيبدأ بتشكيل "الهيئة" التي ستمارس صلاحيات، ولن تترك لبقائه في الحكم أمن وظيفة غير السماح بازدواجية سلطةٍ، ستكون مفعمةً بالتضارب والصراع، وستتكفل بتخريب الحل المطلوب.
ثالثا، إذا كان من غير المعروف اليوم أي قرار هو الذي سيطبق، وكان تطبيق قرارات متناقضة أصدرها مجلس الأمن لن يفضي، بطبيعة الحال، إلى حل ينهي الحرب، بل إلى نتيجتين متعارضتين، إحداهما رحيل الأسد والأخرى بقاؤه، فإنه ليس من المعروف أيضا من هي الجهات التي ستفاوض النظام باسم الطرف الآخر، إذ بينما انفرد "الائتلاف" بالتفاوض في جولة جنيف الأولى عام 2014، هناك اليوم طرف تفاوضي رئيس يمثل "الهيئة العليا للمفاوضات"، وممثلون عن منصتين، تحملان اسمي القاهرة وموسكو، تسود خلافات جدية بينهما وبين وفد "الهيئة العليا"، سيضعف استمرارها موقف "المعارضة" التفاوضي، والنتائج التي ستترتب على التفاوض. ويذهب معظمها في اتجاهٍ يعطي الأولوية لتطبيق القرار 2254، ولتشكيل حكومة وحدة وطنية مرجعيتها الأسد، بينما يتجاهل "الهيئة الحاكمة الانتقالية" لوثيقة جنيف التي تقول برحيله. ومن المعروف أن منصة موسكو تتبنى الموقف الروسي بحذافيره، وكان منسّقها قدري جميل نائب رئيس الوزراء في حكومة أسدية، فهو، ومن دون أي تجن أو ظلم، حالة محروقة سوريا، ولا تمثل شيئا أو أحدا في الداخل، ولا تستمد قيمتها من مواقف خاصة أو ذاتية، بل من حاجة الروس إليها، وقدرتها على اختراق المعارضة، وإجبارها على القبول بخطة إبقاء الأسد في السلطة، وإفشال كل ما طالبت به الثورة من حرية وإصلاح.
رابعا، ليس هناك أي تفاهم بين موسكو وواشنطن على الحل في سورية. وليس هناك ضمانات دولية لاحترام حلٍّ ينجح الروس في فرضه، كما أن العرب والأوروبيين لا يشاركون في مفاوضات جنيف الراهنة، فهل يعقل أن يسمح العالم لروسيا وإيران بفرض حلٍّ يخالف إرادة معظم دوله، كما تجلت في قرارات مجلس الأمن، وسيقوّضها انفراد موسكو وطهران بسورية، ذات الموقع الاستراتيجي المهم على حدود فلسطين والخليج، بما تحمله الصهيونية من أخطار على العرب، ويمتلكه الخليج من قدراتٍ اقتصادية ومكانة سياسية وأمنية، بالنسبة لمجمل الوضع الدولي.
خامسا، لو افترضنا أن روسيا نجحت في لي ذراع المعارضة، وفرضت عليها حلها. هل يتخيل عاقل أن لدى روسيا القوة الكافية للي ذراع أميركا وأوروبا والعرب وتركيا، وإجبارها على قبول حلها من دون أي رد فعل؟
وسوم: العدد 709