حتى لا يعيد التاريخ نفسه!
دمشق الشام
بين العهد العبيدي – الفاطمي- والعهد السلجوقي
(359- 468هـ/ 969- 1075م)
لولا دمشق لما كانت طليطلة
ولا زهت ببني العباس بغدان
((السلاجقة والقضاء على الحكم العبيدي في دمشق))
خاص بذاكرة التاريخ
وحتى لا يعيد التاريخ نفسه:
والليالي من الزمان حُبالى مُثقلات يلدن كل عجيب
فعلى واقع النكبات والنوازل التي حلت في الأمة من بعد اتفاقية سايكس بيكو لسنة (1916م)، وما زالت الأمة تدفع من ضريبة هذه النكبات، وبينما الأمة تعيش هذا الواقع المؤلم، والذي ينخر في وجودها، ها هي تتعرض اليوم لخطر جديد جاء ليكون أشد إيلاماً مما أصابنا، إنه استهداف الإسلام في ثوابته وأصوله وقرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إنه خطر الغزو الرافضي الفارسي القادم على الأمة، والذي فعل ما فعل في ماضي تاريخ الأمة، فيما بعد سقوط الدولة الأموية سنة (132هــــ)، فقد عاشت الأمة فيه أكثر من ثلاثة قرون تحت ضربات سيوف وخناجر الغدر والقتل والاغتيال لعصابات الرفض، من قرامطة وزنج وصليحيين وحشاشة إسماعيليين، فهذه الفرق عاشت عصورها الذهبية في القرون الثلاثة التي تلت سقوط الدولة الأموية، كان آخرها الحشاشون الإسماعيليون الذين وجدوا الملاذ الآمن في ظل الدولة العبيدية في دمشق الشام، إلى أن هيأ الله للأمة السلاجقة الأتراك، والزنكيين والأيوبيين الأكراد، الذين عرّبهم الإسلام بجميع أعراقهم، فأعادوا للأمة الريادة والقيادة، وحتى لا تكتمل دورة التاريخ، ويعيد التاريخ نفسه، عندها لا ينفع الندم.
ويحضرني هنا أبيات الشاعر "خيري الهنداوي"، عندما قالها على هامش حرب البلقان سنة (1912م) خوفاً من آثارها السلبية على الدولة العثمانية، والولايات العربية التابعة لها، فيقول:
يا هذه كفي الدعاء فقومنا لو تعلمين عن الدعاء نيام
لا تستغيثي ليس معتصمٌ بنا كلا ولا فينا بعيد همام
ماتت عواطفنا بموت رجالنا فجميعنا بمماتهم نوامُ!
مع أملي أن لا نكون نياماً، بل أصحاب يقظة لما يجري من حولنا، المستهدف لوجودنا، كما قال ((الطغرائي)) الحكيم عن هذا الأمل بقصيدته ((اللامية)) فقال:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
دمشق الألم والأمل والتاريخ:
أتى على دمشق أيام رخاء ونعمة، وأيام بؤس وشدة، فما أبطرها الرخاء، ولا قضت عليها المحن.. امتنع بها الرومان وحصنوها، وتتالت الأيام بعدهم، وأرادوا أن يطفئوا نور الله الآتي من الأراضي المقدسة، فما أفلحوا لأن الله تكفل بالشام وحراستها، فلما عمها ذلك النور كانت عاصمة الدنيا قاطبة؛ بل أم الدنيا، فيها كان الخليفة يحكم بلاداً تراخت بين الأندلس والسند، والقسطنطينية وأواسط آسيا وأواسط أفريقية، وارتفعت مكانتها في العالم وقتئذٍ كعاصمة لدولة انفردت في قوتها وسعة جغرافيتها، فنشرت حضارة الإسلام العظيمة في الأراضي التي ألحقتها بجغرافيتها.
لم تكن مدينة دمشق في ظل الحكم الأموي، إلا امتداداً لدولة المدينة المنورة التي أرسى دعائمها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن حكامها ورجالها وسكانها الذين استوطنوها، إلا من أحفاد أولئك الذين وفدوا من الجزيرة العربية، فاستوطنوها كحملة لرسالة الإسلام، ودعاة له ومجاهدين في سبيله، فتلك هي قصة دمشق عاصمة الإسلام الثانية، وحاضرة الخلافة الأموية.
أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته دمشق:
صورة المأساة التي انتابت مشاعر شوقي، عندما وصل إلى دمشق زائراً لها في مطلع القرن العشرين، وقد آلمه حالها الأموي الذي كانت عليه، ثم آلت إلى ما آلت إليه، فكأنما وزمن القصيدة الشوقية الرثائية هذه، إنما تعود في تاريخها إلى ذلك العصر، الذي غاب فيه الحكم الأموي عنها، وساد فيها الحكم العبيدي فقال قصيدته الخالدة "دمشق"، تم اقتطاع منها هذه الأبيات التي تبين عاطفة الشاعر، وذلك فيما آل إليه حالها في واقعها الاجتماعي والسياسي والأمني، نتيجة للفوضى التي ترتبت على سقوط الحكم الأموي، وسقوطها تحت رحمة الفرق الباطنية كالقرامطة والحشاشين الإسماعيلية. فيقول:
لولا دمشق لما كانت ((طليطلة)) ولا زهت ببني العباس ((بغدانُ))
مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان
آمنت بالله واستثنيت جنته دمشق روح وجنات وريحان
إلى أن يقول:
حتى انحدرت إلى فيحاء وارفة فيها الندى وبها "طي" و"شيبان"
نزلت فيها بفتيان جحا جحة آباؤهم في شباب الدهر "غسان"
بيض الأسرة باق فيهم صيد من "عبد شمس" وإن لم تبق تيجان
يا فتية الشام شكرا لا انقضاء له لو أن إحسانكم يجزيه شكران
ما فوق راحاتكم يوم السماح يد ولا كأوطانكم في البشر أوطان
خميلة الله وشتها يداه لكم فهل لها قيم منكم وجنان
فتلك هي صورة دمشق بعد أن وقعت تحت الحكم الفاطمي، حيث تغير الأذان فيها، وعلى منبرها يلعن الشيخان أبو بكر وعمر، وسائر الصحابة رضوان الله عليهم، كما صور لنا حالها البحتري ومن بعده شوقي في هذه القصيدة، وجاء الفضل بعد الله للسلاجقة في إعادتها لثوبها الأموي والإسلامي، بعد خلع ثوب الباطنية الشعوبية الفارسية عنها.
دمشق بني أمية:
فتلك هي دمشق بني أمية كما وصفها غوستاف لوبون عندما قال: ((أبان العرب - المسلمون - عن تسامح مع كل مدن الشام، فرضي أهلها بسلطانهم، وطرحوا النصرانية، وقبلوا دين الفاتحين وتعلموا لسانهم))، وأصاب دمشق من عناية بني أمية، ما أصبحت فيه عاصمة أعظم دولة، وبهمتهم وعبقريتهم امتد عمرانها، وانتشر الإسلام في بقاع آسيا وأفريقيا والأندلس من أوروبا، وذاق سكان هذه الأمصار عظمة رسالة الإسلام بما لمسوه من عدالته، وعرفت هذه الشعوب الاستقرار والأمان وسعة العيش، بعد أن كانوا لا يعرفونه في بلادهم، فغدت دمشق حينها من أعظم عواصم الدنيا بما يسودها من سيادة للقانون والعدالة الذي لم يكونوا يعرفونه قبل رسالة الإسلام، الأمر الذي دفع شاعر بني أمية الأخطل النصراني في وصف حكام هذه المدينة بقوله:
حشد على الحق عياف الخنا أنفٌ إذا ألمت بهم مكروهة صبروا
شمس العداوة حتى يستقاد لهم وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا
وفضل دمشق بني أمية في عهدها الكريم، تختزنه لنا ذاكرة تاريخ إسلام هذه الأمة؛ فهذه المدينة الخالدة، بعد أن قد سقطت هذه الدولة بسقوط آخر حكامها، الخليفة ((مروان بن محمد)) رحمه الله، الذي كان من خيرة خلفائهم، والذي لم يفك له سرج خيل طيلة ثماني سنوات، كان يحارب فيها الفرق الخارجة على الإسلام والدولة، فقد استطاع أن يمد في عمر الدولة الأموية السنوات التي حكم فيها هذه الدولة، وهي ثمان سنوات، كان وقع رحمه الله بيد القائد العباسي القاتل ((عبدالله بن علي))، عم (أبي العباس السفاح))، فبدخول هذا الفاتك دمشق، قلب أمنها جحيماً، فأحكم هو وجنده السيف في رقاب أهلها، انتقاماً منهم بسبب ولائهم لبني أمية، فقتل منهم الكثير، وساءت الحالة في دمشق، ودخلت أباعر جيشه مسجد بني أمية بدون حرمة لدين أو شريعة، فمكثوا فيه سبعين يوماً، ومن ذلك التاريخ الذي سقطت فيه هذه الدولة، فقد عانت دمشق ما عانته من الإهانة والظلم الكثير، وعلى هذا الحال مضت دمشق بأهلها، في دفعهم لضريبة الولاء الأموي، والذين لم يكونوا في أصولهم من حيث النسب، إلا عرباً من أبناء قيس ويمن، من حملة رسالة الإسلام، الذين كانوا قد استوطنوا دمشق قادمين من الجزيرة.
ودار الزمن دورته على دمشق، عندما سقط حكم الإخشيديين السنة العربية في مصر، من خلال تسليم مصر سلماً لجوهر الصقلي قائد العبيديين العسكري، وذلك في عصر (يوم الثلاثاء 17 شعبان سنة 358هـ/ 7 يوليو 969م)، وعلى واقع سقوط مصر، فقد سقطت دمشق تحت حكم العبيديين سنة (359هـ)، وفي ظل هذا الحكم الرافضي فقد ساء حال البلاد وأهلها في ظل هذا الحكم، وتشير المصادر التاريخية إلى واقع الحال الذي وصلت إليه دمشق، حينما تولى حكم دمشق، رجل كان ينقل التراب على الحمير اسمه (قسام الحارثي) من بلدة (تلفيتا) من جبال القلمون، وقد حاول الأمير (الأفضل) القضاء عليه، بعد أن ضاق بأهلها سوء الحال من هذا الرجل، فغض الطرف عن (قسام) هذا، وأعاد إليه حكم دمشق.
فهذا هو حال دمشق الأموية الذي آل إليه حالها، حتى هيأ الله لها ولأهلها، السلاجقة ليعيدوا لها وجهها الأموي، بعد أن غاب عنها لأكثر من ثلاثة قرون.
دمشق في ظل الحكم العبيدي (359- 468هـ):
استقطب الحكم العبيدي لدمشق العديد من أبناء الفرق الباطنية، وغدت أرضاً خصبة لنشاطهم الإجرامي، ضد الإسلام وأهله، وقد جاءت السيادة العبيدية عليها، بعد أن أنهكتها هجمات القرامطة عليها، وحاول الحمدانيون الشيعة، مد نفوذهم إليها لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، وكانت في هذه الفترة تحت حكم الإخشيديين من حكام مصر يومها، والذين كانوا من أهل السنة والجماعة، وفي ظل هذا الحال كان قد ظهر من على أرض المغرب العربي، دولة العبيديين الذي يعود تاريخ نشأتها إلى سنة (280هـ)، على يد مؤسسها عبيد الله الشيعي الذي يرجع في نسبه إلى ميمون القداح اليهودي دفين ((سلمية))، كما أشار لذلك محمد بن مالك الحمادي اليمني، صاحب كتاب ((كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة وكيفية مذهبهم وبيان اعتقادهم))، والذي كان قد عاصر نشاط المد الرافضي الشيعي على الساحة العربية والإسلامية، فقد عاصر الدولة الصليحية لسنة (435هـ)، التي اعتنقت فكر القرامطة والإسماعيلية الحشيشية، وكانت وفاة أبي الفضائل رحمه الله سنة (470هـ/ 1077م)، وبعد استقرار الدولة العبيدية في المغرب مدة تزيد على الستة عقود، فقد تطلع الحاكم العبيدي إلى مد نفوذ دولته نحو الشرق، فاحتل قائده جوهر الصقلي مصر له سنة (358هـ)، ومن بعد مصر جاء الدور على الشام، حيث وقعت تحت الحكم العبيدي بعد سنة واحدة من احتلال مصر، وذهب الحكم في السعي على تعميم سياسة التشيع، فاعتلى مآذنها من عطل الأذان الذي كان يؤذن فيه بلال أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما منابرها فقد اعتلاها، واعتلى منبر بني أمية من يلعن خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وقد ساعدت البيئة السياسية لواقع بلاد الشام، لأبناء الفرق الباطنية الهجرة إليها واستيطانها، فنشط فيها أبناء هذه الفرق، وخاصة إذا ما علمنا بأن حلب كانت متشيعة قبل وصول العبيديين لدمشق، وذلك من قبل الحمدانيين وبنو مرداس من حكامها، وإن كان لعن الصحابة في دمشق، قد توقف من على منبر بني أمية وغيره من منابر دمشق، بسقوط الحكم العبيدي فيها سنة (468هـ)، على يد السلاجقة السنة، فإن لعن الصحابة لم يسقط من على منابر مساجد حلب، إلا على يد نور الدين محمود - رحمه الله - سنة (543هـ).
وعلى واقع نشاط عصابات الرافضة الحشاشين في دمشق، فقد ساء حالها، وازداد الوضع سوءاً وقتامة، فانعدم الأمن فيها، وسادت فيها عمليات الاغتيال والقتل لعلماء وأمراء المسلمين السنة، ففي عهد والي دمشق العبيدي ((جيش بن الصماصمة))، كان الدمشقيون قد ركنوا لحكمه، خاضعين لجبروته وظلمه، فأمنهم واستخلص رؤساءهم، واستحجب جماعة منهم، وفي ذات يوم، بسط لهم الطعام في مجلسه، وبعد الانتهاء من الأكل، أمرهم بالتوجه إلى غرفة كي يغسلوا فيها أيديهم، وكان قد أوعز إلى جنده في هذه الغرفة، في إحكام السيف في رقاب هؤلاء المدعوين عند دخولها، فقتل من أهالي دمشق في هذه المكيدة الباطنية نحو ثلاثة آلاف رجل، ثم قبض على أشراف المدينة وقضى عليهم وصادر أموالهم وممتلكاتهم.
وفي سنة (461هـ)، ثار رجل على العبيديين في دمشق، وقد استطاعت قوات العبيديين القضاء عليه، وفي أعقاب حركته هذه، نزلت بأهل دمشق النوازل من القتل والسلب والنهب، ولم يعد هنالك قوانين تحكم فيها البلاد، وتتالت على دمشق المصائب، على أيدي أبناء الفرق الباطنية، وفي سنة (467هـ) أصيبت دمشق بكارثة لم يسبق لها مثيل في البلاد، فلم يبق من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان، بعد أن كان عدد سكانها خمسمائة ألف، كما ذكر ذلك المؤرخون لتلك الفترة، وكان بدمشق مئاتين وأربعون خبازاً، فلم يبق منهم سوى اثنين، وخلت الأسواق من أهلها، والدار كانت تساوي في قيمتها ثلاثة آلاف دينار، أصبح ينادى عليها بعشرة دنانير فلا يشتريها أحد، والدكان كانت تساوي في قيمتها ألف دينار، لم تعد تشترى بدينار، ونزل الجوع بالناس، وازداد الناس فقراً على فقرهم، بعد أن سادها جرائم عصابات الباطنية الحشاشين، في ظل ولاية العبيدي "المعلى بن حيدرة"، وقد وُصِفَ حكمه لدمشق، بأنه كان من أسوأ العهود التي عاشتها دمشق في تاريخها، فقد هجر غوطتها الفلاحون، فغلت الأسعار ونفذت من عند الأهالي المؤونة، الأمر الذي دفع بأهلها إلى الهجرة منها، إلى غيرها من مدن بلاد الشام.
(468هــــ) تحرير دمشق من العبيدين على يد القائد التركي السلجوقي
ففي ظل هذا الواقع الذي كانت تعيشه دمشق، وصلها الأمير والقائد التركي السلجوقي ((أتسز بن آق الخوارزمي التركي))، وذلك في ذي القعدة من سنة ثمان وستين وأربعمائة للهجرة، فقام بحصار دمشق، وتم له فتحها وتحريرها من السلطة العبيدية الإسماعيلية، وبدخوله لها؛ كانت بداية الحكم السلجوقي السني لدمشق، وانتهاءً للحكم الفاطمي العبيدي الذي امتد زمنه تسع سنوات ومائة سنة.
القادة والأمراء والعلماء الذين تم اغتيالهم على يد فرقة الحشاشين الباطنية:
تعود نشأة هذه الطائفة إلى الداعية الباطني حسن الصباح صاحب قلعة الموت، وقصد مصر وأدرك الخليفة العبيدي المستنصر فيها سنة (487هـ/ 1049م)، فقد استطاع الصباح هذا، بناء أخطر تنظيم إجرامي باطني، كانت أصوله كشجرة باسقة ساقها في قلعة الموت، وفروعها ممتدة في سائر أنحاء العالم الإسلامي، مارست أسوأ أنواع القتل والاغتيال لأمراء ووزراء وعلماء المسلمين من أهل السنة والجماعة، في البلاد الإسلامية التي سادت سياستهم فيها.
أما عن سياسة القتل هذه فقد بدأها المجوس بقتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم ينج منها الخليفة عثمان رضي الله عنه، وحتى الخليفة علي رضي الله عنه، بعد أن سن المجوس سنة الاغتيال والقتل هذه، وذلك ثأراً لعجمتهم، في النيل من العرب الذين أكرمهم الله برسالة الإسلام، وعلى أيديهم شع نور الإسلام على أرض فارس والروم، فجاءت جرائمهم هذه ثأراً وحسداً وكرهاً للعرب المسلمين، حيث قضوا تحت عباءة التشيع في السعي على هدم دولة الإسلام، من خلال اغتيال وقتل رجاله وعلمائه، وهذا بيان في القليل ممن تم قتلهم من علماء وأمراء المسلمين، على يد الباطنيين في بلاد العرب والمسلمين:
1- الوزير نظام الملك -السلجوقي- قتل سنة (485هـ) على يد الحشاشين في بغداد، وهو صاحب المدرسة النظامية في بغداد.
2- أبو طالب السميري وزير السلطان محمود السلجوقي، ذبحوه ومثلوا فيه.
3- وزير السلطان سنجر معين الملك أحمد بن الفضل.
4- الوزير فخر الملك بن نظام الملك، فقد واجه مصير والده، وقتل وهو صائم يوم عاشوراء خارج منزله في بغداد.
5- جناح الدولة حسين صاحب حمص، قتل وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة.
6- قتل الأمير مودود بن النوكيتن في ساحة المسجد الأموي سنة (507هـ).
7- قتل والي الموصل. آقسنقر البرسقي سنة (520هـ).
8- الخليفة المسترشد العباسي وذلك سنة (529هـ).
9- قتلهم لابنه الخليفة الراشد في أصبهان (532هـ).
ومن العلماء الذين تم قتلهم:
10- ابن إمام الحرمين الجويني قتلوه غدرًا سنة (492هـ).
11- الفقيه أحمد بن الحسين البلخي (494هـ).
12- الفقيه عبداللطيف بن الخجندي (523هـ).
13- الفقيه أبو المحاسن الروياني (502هـ).
14- القاضي أبو العلاء مساعد النيسابوري قتلوه بجامع أصفهان (499هـ).
15- القاضي أبو سعد محمد بن نصر الهروي قتل في جامع همدان (518هـ).
16- الواعظ أبو جعفر المشاط قتل في المسجد بعد أن أنهى تدريسه في الجامع الخاص فيه.
أما دمشق، فقد كان لها شأن آخر في ظل الحكم الباطني، وحتى في ظل الحكم السلجوقي، فقد نظم الباطنيون أنفسهم وازداد نشاطهم السري والتنظيمي، وخاصة بعد وصول داعية الباطنية الفارسي (بهرام) من بغداد سنة (520هـ)، حيث تلقاه وزير الدولة ابن المزدقاني الذي كان من أبناء هذه الطائفة، فسلمه حصن بانياس القائم على البحر ليكون بعيداً عن عين الحاكم السلجوقي بدمشق، وفيها يزداد نشاطه السري الباطني.
وكانت دمشق لا تزال حاضنة للآلاف من أبناء هذه الطائفة، وكانوا يتبعون الوزير المزدقاني نفسه، ويقول ابن القلانسي المؤرخ: ((فضاقت صدور الفقهاء والعلماء من أهل السنة والجماعة، وأحجم الجميع عن الكلام في الشكوى لواحد منهم دفعاً لشرهم، لأنهم شرعوا في قتل من يعاندهم، ومعاضدة من يؤازرهم ويرافدهم، بحيث لا ينكر عليهم سلطان ولا وزير، ولا يفل حد شرهم متقدم ولا أمير)).
وكلام ابن القلانسي كمؤرخ معاصر، يوضح لنا قوة شوكة هؤلاء الباطنية، واستياء الفقهاء والعلماء منهم، حتى أن حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله، قصد دمشق هرباً من بغداد خوفاً على نفسه منهم، بعد اغتيال صديقه العزيز عليه وأخيه الوزير نظام الملك، فقد وجد نفسه مهدداً بالقتل بعد نشره لكتابه (فضائح الباطنية))، وسعياً من السلاجقة للقضاء على هذه الفرقة، فقد تم قتل ((بهرام)) سنة (52هـ)، داعي الباطنية في بانياس، وقد تألم لهذا الحادث المزدقاني، فعين مكانه ((إسماعيل العجي)) سنة (523هـ)، وهنا أدرك ((تاج الملوك)) السلجوقي، دور ابن المزدقاني المباشر في نشاط الحشاشين القتلة، ففتك به بحيلة مدبرة، وبعد أن فتك فيه، كان قد أوعز إلى جنوده وأهالي دمشق، بأن يذهبوا في قتل كل من يشكون في أن له صلة بهذه الطائفة، وقد أريقت دماء أكثر من ثمانية آلاف شخص من أبناء هذه الطائفة من الذين كانوا يقيمون فيها، كما أشارت لذلك مصادر تاريخ تلك الفترة، فكانت ضربة قاصمة لوجودهم في دمشق والشام، وعلى واقع هذه الضربة القاضية لأفراد هذه الطائفة، فقد ذهب ((إسماعيل العجمي)) بتسليم حصن بانياس للصليبيين، لكن الباطنيين خطوا لاغتيال ((تاج الملوك))، وتم لهم ذلك بأن طعنوه بخنجر في خاصرته سنة (523هـ)، ومات سنة (525هـ)، بسب عدم اندمال الجرح.
أعمال السلاجقة في بلاد الشام:
وبعد مضي أكثر من ثلاثة قرون على سقوط الدولة الأموية، فقد عاد إلى دمشق وجهها الأموي والسني، على يد السلاجقة ومن بعدهم الزنكيين ثم الأيوبيين، وقد تكللت أعمالهم بالنجاح وتوجها قضاء السلاجقة على الباطنية، وعودة الحياة الطبيعية إلى بلاد الشام، مما كان سبباً لحمايتها من بسط سيادة الصليبيين عليها، بعد أن تحالفوا مع الباطنيين في حربهم لكل من السلاجقة والزنكيين، الذين جاء على أيديهم - أي الزنكيين - إعادة مدينة حلب إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وإلغاء لعن الصحابة من على منابرها سنة (543هـ)، وحتى صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فقد شهد حكمه إسقاط الحكم الفاطمي في مصر، ومن مصر انطلق إلى الشام، وكان يوجد فيها جيوب من بقايا عصابات الحشاشين، فتم له تصفية وجودهم، وبعد قضائه عليهم، تم له الانتصار على الصليبيين.
ومن أهم مآثر السلاجقة على دمشق كان ما يلي:
1- جعلوا دمشق مركز الحكم والسلطان، بعد عودة المذهب السني لها.
2- الأمن والرخاء والاستقرار.
3- العمران بعد الخراب الذي عرفته في عهد الفاطميين العبيديين.
4- النهضة العمرانية.
5- النهضة العلمية وافتتاح المدارس وانتشارها في الشام.
6- الرعاية الصحية وبناء المستشفيات والبيمارستانات.
7- بناء المساجد في جميع مدن بلاد الشام.
وتلك هي صورة لمدينة دمشق، والواقع الذي عاشته في ظل فساد الباطنية أيام الحكم العبيدي لها، وحتى لا يعيد التاريخ نفسه، في ظل تعاظم النشاط الباطني القادم من إيران اليوم وخطره على أمة الإسلام. فأقول رحم الله من قال:
ومن وعى التاريخ في صدره فقد أضاف أعماراً إلى عمره.
وما دمشق يومها إلا واحدة من أقطار العالم الإسلامي، الذي رتع فيه الباطنيون فساداً وقتلاً وظلماً ومحاربة لله ورسوله.
وسوم: العدد 714