حول وصف «لوموند» رئيس حكومة المغرب بالتطرّف
من خلال تحليلها تدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي، قدّمت صحيفة «لوموند» الفرنسية «كشفاً» خاصاً بها تعتبر فيه رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني إسلاميا متطرّفا يتظاهر بكونه إسلاميا معتدلا. للتدليل على تطرّف العثماني اعتمدت «لوموند» تدوينة مثيرة للجدل تعاطف فيها مع الممثل الكوميدي الفرنسي ديودوني المعروف بهجماته الحادّة على التنميطات العنصرية في فرنسا والتي دفعت به إلى المحاكم بتهم إثارة الكراهية والتحريض على الإرهاب والقذف. الكوميدي هو أيضاً ناشط سياسي ترشّح عدة مرّات ضد حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف وقد ظهر عام 2003 في عرض تلفزيوني كمستوطن إسرائيلي مصوّرا إيّاه على أنه نازي، وهو ما اعتبر «معاداة للسامية» وتحريضا على الكراهية. سيرة ديودوني تعرّضت بعد ذلك لخضّات حادّة سياسياً كثيرة، أدّت بالنتيجة، لشطبه من المجال العام وكانت آخر تعليقاته سخرية من مجلة «شارلي إيبدو» مما أدى لسجنه وأثار جدلاً حول حرية التعبير التي تمنعه من السخرية من «شارلي إيبدو» فيما تسمح للمجلة نفسها بالسخرية من معتقدات البشر السياسية والدينية كلها. الردّ البسيط على «لوموند» في المسألة المذكورة هو باستذكار أن البابا فرنسيس قائد الكنيسة الكاثوليكية دافع عن حرية التعبير في تعليقه على الهجمات على «شارلي إيبدو» ولكنه قال إن من الخطأ استفزاز الآخرين بإهانة معتقداتهم وأنه ينبغي أن يتوقع المرء «رد فعل» على هذا الاستفزاز، وبلسان البابا نفسه فإن «المرء ينبغي عليه ألا يقوم بردود فعل عنيفة ولكن من يسبّ أمي لينتظر مني لكمة وهذا أمر طبيعي»! لسنا مضطرين للاتفاق مع سعد الدين العثماني في آرائه (أو مع البابا) ولكنّ الواضح من اختلاف هذه الآراء مع الاتجاه العام الذي تتخذه «لوموند» أن قضية «شارلي إيبدو» لا يمكن رؤيتها بالأبيض والأسود كما تحاول الصحيفة أن تؤكد، وأن محاولة تطويبها كقضية مقدسة (كما هو الأمر مع «معاداة السامية»)، باستغلال تعاطفنا مع صحافييها من ضحايا العملية الإرهابية الذين قضوا بسبب أعمالهم الكتابية والفنية (أو مع ضحايا «الهولوكوست» بالنسبة لإسرائيل ولوبياتها) هي إخراج لها من عالم السياسة الواسع إلى عالم الدين والمقدّس والمحرّمات الضيّق، وهو أمر لا تنفكّ «شارلي إيبدو» نفسها تسخر منه (أي من المحرّمات والأديان والسياسة)! التدوينة الأخرى التي اختارتها «لوموند» للتدليل على «تطرّف» العثماني هي استخدامه كلمة «شهيد» لوصف الكاتب والناشط السياسي الإسلامي سيد قطب، والذي هو، برأي الصحيفة، كان أب التنظيمات الجهادية وهو تحليل يدين شخصاً لم يستخدم السلاح والبندقية بل القلم والكتب والنشاط السياسي السلمي، كما هو الأمر (لو انتبهت الصحيفة الفرنسية) مع صحافيي ورسامي «شارلي إيبدو» أنفسهم، وبالتالي فإن وزر من يستخدمون تراث قطب الفكري (أو تراث «شارلي إيبدو» الفني) للقيام بعمل عنيف لا يتحمل وزره سيد قطب نفسه، بل يمكن القول إن العنف الإرهابي الوحيد الذي مورس، في حالة سيد قطب كان من قبل محكمة عسكريّة ظالمة قضت بإعدامه، وهو يشبه، لو أردنا القول، ما حصل ضد صحافيي ورسامي «شارلي إيبدو»، من قبل إرهابيّ فالت من عقاله، فلماذا يحقّ لأولئك التكريم والتقديس و»الشهادة»، ولا يجوز لقطب ذلك؟ يعبّر رأي «لوموند» بجلاء عن مركزية أوروبية متضخمة تعتبر مفاهيم حرية التعبير والمنطق والعدل والمساواة متاعاً أوروبيا خاصا لا يصحّ لسكّان المستعمرات القديمة «الجلوس عليه» أو استعماله.
حول وصف «لوموند» رئيس حكومة المغرب بالتطرّف
وسوم: العدد 716