الغموض المسيطر على عصرنا..
وثمة حقائق تؤكد هذه السيطرة, وتبعث على تساؤل مشروع حول أسبابها.
وثمة في امة العرب والمسلمين من امتلك القدرة على النفاذ الى جماع هذه الاسباب ومعاقدها الخفية.
والمسألة في صميمها مسألة انتباه وفراسة من جهة ومسألة اطلاع ومعرفة من جهة اخرى.
يقول مالك بن نبي رحمه الله في كتابه: «المسألة اليهودية» والذي كان كتبه عام 1952 ولم ير النور الا بعد رحيله منتصف السبعينيات من القرن الماضي, بعد تحليل دقيق لطبيعة التواشج البنيوي بين الصهيونية والاستعمار الغربي: «إن حزب الثورة الروسية الشيوعية اصبح يدار منذ السابع عشر من اكتوبر عام 1917 عبر اليهود التروتسكين» وإن مما يبعث على الدهشة «أن الخطة الخمسية الاولى التي جرى التصويت عليها عام 1925 من اجل تصنيع الوطن السوفييتي, جاء تمويلها من قلعة الرأسمالية اليهودية في «وول ستريت» وأن مورجان شيفر مدير «وول ستريت» اليهودي قبل ضمانات التروتسكيين لهذه «العملية المالية الهامة في مفتتح الثورة السوفيتية» والتي بلغت قيمتها آنذاك مئة وخمسة وعشرين مليار فرنك فرنسي!!
اننا لا نعدم افراداً من نابهة الروس انتبهوا الى دلالة هذه العملية التمويلية والى ما سيعقبها من سيطرة اليهود على بلادهم. ولعل ما جرى لتروتسكي الذي يصفه الكاتب اليهودي اسحق دويتشر بالنبي المتمرد من نفي واغتيال ان يكون ذا صلة بهذا المسعى الصهيوني للسيطرة على روسيا باسم الشيوعية التي تولى كبرها الماركسيون لصالح «المملكة اليهودية العالمية», كما تم باسم الليبرالية السيطرة على اوروبا واميركا.
ان «الرأسمال» كما يقول مالك بن نبي هو «التعبير المادي الملموس لسيطرة اليهودي على العالم», وإن من منطق الاشياء ان يسخّر هذا الرأسمال لخدمة «فكرة الثورة البلشفية للثورة العالمية التي ادارها تروتسكي» على أن توضع هذه الثورة في ظل اليهودية العالمية وفي خدمة اهدافها.
ان واقعة «الانتباه» في مواجهة «الغموض الذي يسيطر على عصرنا» والتي يمثلها كتاب «مالك بن نبي» الذي اشرنا اليه قبل ايام, ونعيد الوقوف معه في مقالتنا هذه, لا بد ان تأخذ مداها في وعينا العربي الاسلامي المعاصر وان تنتهي بنا الى فهم اعمق لما يجري في العالم من حولنا. إذ لا ريب ان الصهيونية التي امسكت بزمام الرأسمالية والماركسية معاً وسخّرتهما في مآربها لا يزال يقلقها الاسلام – وعلى الرغم من الضربات التي كيلت له والفتن التي ازدرعت في عالمه – قادر على أن يقف في وجهها, وأن امكانية نهوضه قائمة, وانه ربما كان – على حد تعبير برنارد شو – هو دين اوروبا في القرن القادم, أو كان – على حد تعبير مراد هوفمان – هو البديل الحضاري للغرب الذي تدهورت حضارته أو الذي يقول «ازوالد شبنجلر» بوشوك انهيارها.
إن الشجاعة الادبية تقتضي الاعتراف – والاعتراف هنا لا يعني القبول والرضى بقدر ما يعني الرفض – بأن العالم محكوم اليوم من الصهيونية وان قواه الكبرى, وأولها الروس والاميركان, مضبوطة النبض على توقيت «تل ابيب». لكن عمق التفكر في سنن الاجتماع الانساني وفي أن الايام دول, كفيل بتوكيد أن هذا الهيلمان الى انتهاء, وذلك ما لا ينقطع منا فيه الرجاء.
وسوم: العدد 719