سلم نفسك يا عادلي.. المكان كله مُحاصر!
في الأفلام الركيكة التي دأبت السينما المصرية على تقديمها، يقف ضابط الشرطة محتميا بسيارة لا تكف صافراتها عن العواء، وأحدهم يرفع جهاز اللاسلكي ليقول إن (القوات) في أماكنها.
وخلف قوات الشرطة أحدهم يمسك مكبر الصوت ليسمعه المجرم الخطير "سلم نفسك يا فلان.. المكان كله محاصر".
ثم يبدأ مشهد تبادل إطلاق النار، ولا بأس من مشهد أكشن تدق فيه الطبول كلما وجه ضابط الشرطة لكمة لوجه أحد أفراد العصابة، ليخرج زعيمها الدوكش أو الطمبوري في نهاية المطاف مكبلا بالأغلال، وعلى وجهه علامات الانكسار، لتأخذ العدالة مجراها.
ثم يتلقى ضابط الشرطة زيارة من خطيبته التي تحمل باقة من الورود، وتضعها على سريره في المشفى الذي يرقد فيه، وضمد ذراعه جراء الجروح التي أصابته من رصاصات عصابة (الدوكش)، بينما موسيقى أغنية عاطفية تتردد في خلفية المشهد بالتزامن مع نزول تترات النهاية.
وهو تقليد ركيك كما ترى للأفلام الأمريكية التي تحاصر فيها قوات الـ(سوات) الأمريكية فيلا المجرم ليأخذ جزاءه، ويجري هذا أحيانا مع اقتباس بعض جمل أمريكية عن عدم فائدة الهروب من العدالة.
في أفلام أخرى، كان يجري حشر هذا المشهد في منتصف الفيلم ليهرب الدوكش من الرائد فلان، أو المقدم علان، ليستمر في مطاردته، ليتأجل مشهد النهاية المبهجة.
وفي أحد الإعلانات، كانت صافرات سيارات الشرطة تطلق أصواتها المزعجة بينما رئيس العصابة البدين يتناول قطعة من الحلوى.
ويبدو أننا نشاهد استنساخا لكل هذه المشاهد مجتمعة، إذا أضفنا إليها بعض المشاهد من فيلم "مستر إكس" الذي يطارده الجميع وينجح في الهرب.
مع حبيب العادلي لم يتكرر مشهد النهاية الذي يخرج فيه الدوكش أو الطمبوري مكبلا بالأغلال في نهاية الفيلم، ليتلقى الرائد بهجت الصفافيري ترقية، وتزوره خطيبته في المستشفى بباقة الورود.
لن يمسك بهجت الصفافيري بمكبر الصوت ليهتف "سلم نفسك يا عادلي.. المكان كله محاصر"، ولن يتلقى ترقية من اللواء نصحي، ولن تزوره خطيبته ولن يضمد ذراعه، فمخرج شركة أفلام الترسو الانقلابية اختار نهاية مختلفة تماما للفيلم.
الدوكش ينجح في استغفال حراسته، ويتسرب كالزئبق من فيلته لتفشل المخابرات والداخلية في العثور عليه.
فكيف تقبض العصابة على بعض أفرادها؟
والداخلية التي نجح العادلي (الأعزل) في استغفالها هي ذاتها الداخلية التي ادعت منذ أيام أنها تخوض مواجهات عنيفة، وتبادل إطلاق نار مع المسلحين الذين هاجموا كمين مدينة نصر، وهي ذاتها التي قامت بتصفية ثمانية من الشباب المعتقلين لديها، لتدعي كذبا أنهم المسؤولون عن مهاجمة الكمين.
ولا شك عندي في أن إطلاق سراح العادلي بهذا السيناريو الهابط لم يكن إلا تنفيذا لعهود انقلابية قطعها عسكري الانقلاب على نفسه أمام الإمارات في الأغلب.
بل، ربما حملت الطائرة التي أقلت عسكري الانقلاب إلى الإمارات الأسبوع الماضي، حبيب العادلي على متنها، ليستقر في النهاية في الإمارات.
صحيح أن السيناريو الهابط يضع سمعة أجهزة العسكر من داخلية ومخابرات على المحك، لكن لا بأس، فالناس تنسى بسرعة أو أغلبهم كذلك.
وبعد أن تنتهي من تهريب العادلي، عد لتشغيل الاسطوانة القديمة عن أجهزة المخابرات التي لا تُقهر، وربما احتجت لإعادة إذاعة مسلسل رأفت الهجان من جديد.
الطريف أن هذه السيناريوهات الهابط تشبه إلى حد كبير سيناريو معركة تشرين الأول/ أكتوبر 1973 (وإن كانت أكثر ركاكة)، فالمخرج هذه المرة ليس كيسنجر، بل أجهزة المخابرات المحلية.
غير أن المبشر حقا هو أنه لم يعد أحد يصدق هذه السيناريوهات.
وسوم: العدد 720