مغامرات الناصرية والبعثية طريق إلى نكسة حزيران

خمسون عاماً على هزيمة حزيران التي تُصادف هذه الأيام، ولا مراجعة حقيقية للحقبة الناصرية والبعثية التي ألحقت أفدح الضرر بالشخصية العربية قبل الأرض العربية، وحين نراجع الحقبة الناصرية تحديداً التي تولت كبر ووزر التبجح والتشدق بالتحرر والوحدة والعبارات الطنانة، بينما كانت تعمل على نقيضها، بدءاً من الانقلاب على حليف الأمس الإخوان المسلمين وتعليقهم على أعواد المشانق، ومن قبل التخلي عن السودان الذي احتفظ به العهد الملكي الذي انقلب عليه العهد الناصري، فكان أن قدم التخلي عن السودان قرباناً وعربوناً لعلاقة مع القوى الغربية والصهيونية النافذة في عالمنا، إلى مغامراته العديدة في العالم العربي وغير العربي، والآن فقط ربما نستطيع أن نفهم سهولة انقلابات عبد الناصر والبعثيين وأشكالهم بلا ضحايا مقابل ملايين الشهداء والمشردين والمعذبين والمعتقلين الذين لا يزالون يتسابقون على طريق التخلص من إرثهم وإجرامهم، ونفهم حينها مدى الدعم الذي حظوا به بالأمس يوم وصلوا إلى السلطة، واليوم من أجل بقائهم فيها..

لنعود إلى مغامرات عبد الناصر في سوريا، فقد سجلت الحوليات الموثوقة ثلاث محاولات تدخل عسكرية، وهو ما وضع عقيدة جديدة للجيش المصري بعد عقيدته في قمع الشعب وشنق المعارضين، ألا وهي عقيدة التدخل في شؤون الدول العربية، فجاءت المحاولة العسكرية الأولى للتدخل يوم قررت القاهرة عملية إنزال مظلي عشية الانفصال، وتحديداً في الثامن والعشرين من ديسمبر 1961، ولكن توقفت بطلب من موسكو لاعتبارات يقال إنها تتعلق بالسياسة الدولية، وتمهيداً لاعتراف موسكو بحكومة الانفصال، ثم جاءت محاولة جاسم علوان الانقلابية والتي كانت في الثامن عشر من تموز / أيلول عام 1963، وعلى الرغم من إبلاغ علوان لعبد الناصر أن حظوظ نجاحها لا تتعدى %30 إلا أن المغامر أصر على تنفيذها، بعد أن غادر علوان سراً سوريا إلى لبنان ومنها إلى القاهرة من أجل لقاء عبد الناصر الذي كان يستعد إلى إعلان نجاح مغامرته في الذكرى الثالثة للانفصال عام 1963، وجاءت المحاولة الثالثة التي كشف عنها منفذها قبل موته، والتي ظلت سراً لربع قرن تقريباً حيث أعلن العقيد جادو عز الدين قائد الجبهة السورية آنذاك بأن عبد الناصر دفعه لمحاولة انقلابية في سوريا، ولكن هدد الأميركيون بالرد عليها، وقد أبلغ عبد الناصر بالأمر من خلال الرئيس اللبناني يومها فؤاد شهاب.

لقد كلفت تلك المغامرات الناصرية الشعب الشامي الكثير، والذي ندفع ثمنه اليوم دماءً بغزارة، إذ مع كل محاولة انقلابية فاشلة كان الطائفيون المتقنعون بالبعث يقومون بتصفية ضباط السنة تحت ذريعة الناصرية ومعارضيهم، وهو ما تم تسريح واعتقال وقتل الآلاف منهم..

أما عن مغامراته في العراق فهي تفسر الكثير من تآمر عبد الناصر على العرب بدءاً من سوريا ثم العراق واليمن، فقد ضغط عليه السوفييت وفقاً لتسريبات المخابرات السوفيتية لاحقاً من أجل التدخل العسكري إلى جانب الطالباني ضد عبد الكريم قاسم، وذلك مقابل تسليح الجيش المصري بأسلحة روسية، وضم العراق غير الكردي إلى الجمهورية المتحدة، وهي جمهوريته السرابية المغامراتية...

المفارقة الغريبة وفي محاولة لا يمكن تفسيرها إلا هروباً للأمام نرى عبد الناصر لجأ إلى حرب اليمن بعد الانفصال عن سوريا عام 1961، تماماً كما جدد الأمر صدام حسين باحتلال الكويت عام 1990 إثر وقف الحرب مع إيران عام 1988، ومع هزيمة 1967 تحلل من مسؤولية فلسطين وتحريرها وتقاعد منها فحمل الفلسطينيون مسؤولية التحرير باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد، لقد تسببت اليمن بكارثة حقيقية راح ضحيتها آلاف القتلى المصريين، وعمقت الجراح بين الشعوب العربية، فضلاً عن حرف البوصلة المصرية من حرب فلسطين التي رفع الناصريون لافتتها المربحة إلى حروب دنكوشوتية...;

وسوم: العدد 723