الناتو الإسلامي: الخلفية التصارعية تعيق التشكيل وتقرب الصراع
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
تثير تسمية "الناتو الاسلامي" الدهشة ويتبادر الى الذهن مباشرة حلف شمال الاطلسي (NATO) وهيكليته ورسالته واهدافه في الدفاع عن العالم الغربي. لكن سرعان ما تتبدد تلك الدهشة اذا ما علمنا ان هناك جهد لمجموعة كبيرة من الدول في منظمة التعاون الاسلامي وصل عددها الى (41) -وهي دول ذات اغلبية مسلمة– تعمل على انشاء قوة عسكرية محمولة جوا لمحاربة تنظيم داعش والتنظيمات والتهديدات الارهابية الاخرى في العالم الاسلامي لاسيما في العراق وسوريا وفي شمال افريقيا وغربها.
تسمية "الناتو الاسلامي" اطلقتها صحف ومواقع غربية في اشارة الى المقارنة بينه وبين حلف الناتو. ويُقرأ هذا التحرك على انه استجابة غير استراتيجية من قبل أطراف مهمة ورئيسة في العالم الاسلامي كالسعودية والباكستان ومصر لمكافحة الارهاب والقضاء على التنظيمات الارهابية التي تعاظم دورها وتنامى وجودها في العالم الاسلامي قبل باقي مناطق العالم، وابرزها تنظيم داعش الارهابي واستحواذه على مساحات في سوريا والعراق، فضلا عن اعماله الارهابية في مختلف مناطق العالم.
ائتلاف الدول الـ (41) تخطط لعقد اجتماع كبير في وقت لاحق من هذا العام يجمع وزراء الدفاع من جميع انحاء العالم الاسلامي لتحديد هيكليته ورسالته واهدافه. لكن من نظرة بسيطة الى معطيات الوضع الراهن وطبيعة الصراع السائد في مركز العالم الاسلامي وهو الشرق الاوسط وطبيعة التفاعلات الاقليمية وانماط المحاور بين الاطراف الاقليمية الفاعلة، يبعث على التفكير في مدى امكانية تشكيل مثل هذا التحالف في المرحلة التصارعية الراهنة؟ وما هي اهدافه؟
اي بعبارة اخرى، هل سيكون الناتو الاسلامي محور لعدد من الدول الاسلامية ويكون موجه لاستهداف دول اسلامية اخرى؟ وهل سيكون اداة اخرى لتعزيز الصراع الاقليمي بديلا عن تبني ودعم التنظيمات والفواعل من غير الحكومات ارهابية او غير ارهابية لإخضاع المقابل الاقليمي المسلم؟ هذا ما سنحاول الاجابة عليه بعد تبيان طبيعة العلاقات التصارعية في المنطقة واقصد الشرق الاوسط.
تشكل منطقة الشرق الاوسط بؤرة الصراع وعدم الاستقرار في العالم وهي الاكثر سخونة بين مناطق العالم. ولأهمية المنطقة اقتصاديا وسياسيا وحضاريا نلاحظ اهتمام الرأي العام العالمي حول طبيعة احوالها ومستجداتها.
الاغلبية في شعوب دول المنطقة هي اغلبية مسلمة والصبغة الاساسية لهذا الصراع هي صراع نفوذ بين فاعلين اقليميين هما إيران والسعودية. ولطبيعتهما المذهبية المختلفة، يعمل صانعو القرار والسياسات في كلا البلدين على التعبئة الطائفية لإدامة الصراع من اجل تعزيز النفوذ. ووصلت الى درجة استخدام فواعل من غير الحكومات لحصد مكاسب أكبر على صعيد المنطقة لاسيما في بلدان الصراع المعروفة.
عليه الصراع بالمجمل هو صراع جاري داخل العالم الاسلامي والمتضرر منه هو شعوب المنطقة بأكملها بشكل مباشر وغير مباشر. لذا فالاولى ان تعمل تلك الدول على المعالجات الاستراتيجية المتعلقة بالفكر قبل اللجوء الى الحلول العسكرية.
وما اذا كان "الناتو الاسلامي" سيعاني من ذات المشاكل التي يعاني منها حلف شمال الاطلسي في التمويل والهيكلية، تَنقل مجلة (Newsweek) الاميركية ان السعودية تضع الجزء الاكبر من التمويل لهذا الحلف الاسلامي هذا من جانب.
ولكن من جانب آخر، اُستبعدِت إيران -وهي دولة ذات اغلبية شيعية- من الدعوة للانضمام الى الحلف الجديد على الرغم من انتشار نفوذها في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد اعرب المسؤولون في باكستان –الطرف الاكثر مساندة لتشكيل الحلف بعد السعودية- بالفعل عن تحفظات ازاء أي اعمال تعتبر هجمات ضد طهران. وقال خواجا محمد آصف وزير الدفاع الباكستاني "ان هذا الحلف الجديد موجه ضد الارهاب خصوصا لمساعدة الدول المهددة والتي ليس لديها الوسائل اللازمة لمكافحة الارهابيين"، واضاف "لن نتصرف ضد ايران".
ومع ذلك هناك خشية من ان الحلف الجديد او ما اطلق عليه "الناتو الاسلامي" يكون اداة جديدة لطرف فاعل وهو السعودية يحصل من خلال هيكليته واهدافه على شرعية التحرك تحت غطاء دولي وتستطيع السعودية تمويله وقيادته بالاتجاه الذي يعزز دورها الاقليمي لنصرة اذرعها في المنطقة واستهداف النفوذ الايراني واذرعه تحت ذريعة مواجهة الارهاب. ومايزيد الامر خشيةً هو ان جهات معينة موالية لإيران قد تصنف مستقبلا على انها جهات ارهابية عالميا الامر الذي يبرر افعال السعودية وباقي أطراف التحالف ذو الاغلبية السنية حينذاك. وبالتأكيد سيكون ذلك بداية لشرارة حرب اقليمية مباشرة تذهب ضحيتها الدول الضعيفة (المتداعية) والفاشلة.
وبتصورنا فان ذلك سيجعل ايران والعراق وسوريا وغيرهما غير مرحبين بتشكيل هذا الحلف لاسيما وان ايران تملك من القوة والنفوذ في المنطقة مايجعلها في غنى عن هذا التحرك الذي ستفهمه على انه تصعيد في صراع المحاور في الشرق الاوسط وسيعجل في الصراع المباشر بينها وبين السعودية ومن يتحالف معها وهذا يدفعها الى التهيؤ والدخول في مرحلة الردع.
اما العراق فهو على موعد قريب من هزيمة التنظيمات الارهابية عسكريا وبهذا تنتفي علة الاشتراك في هذا التحالف الذي يتعارض مع السلوك السياسي الخارجي للعراق الهادف الى البقاء على مسافة واحدة من جميع الاطراف الإقليمية والعالمية والتعامل على اساس المصالح المشتركة. والعراق في طور بناء قواته العسكرية وتعزيز مصالحة الدولية. كما ان الجهد الامني التالي للجهد العسكري يبقى شأن داخلي ومن اختصاص السلطات المحلية.
وفي الوقت الذي تعاني فيه سوريا وتئن من الحركات والتنظيمات الارهابية، الا انها ترى ان السعودية وحلفائها هي الداعم الكبير لتلك التنظيمات وبالتالي تفهم تشكيل الحلف الجديد على انه وسيلة جديدة بديلا عن الوسيلة السابقة في دعم التنظيمات الارهابية، وانه استهداف لها كنظام حاكم ولن يقدم شيئا في مواجهة التنظيمات الارهابية.