المعايدات، مجرد كلمات
ثم إنها ــ أعني زوجتي أم البراء ــ طوت (آيبادها) ووضعته جانبًا وقالت مغتاظة:
أرأيت إلى عبارات الناس في المعايدات على الفيسبوك!!
فنظرت إليها مستفسرًا..
قالت: كلها متشابهة وكأنها منسوخة نسخًا، سواء في أفراحهم أو في أتراحهم، لا تجد في عبارةٍ واحدةٍ منها ما يخصك أنت أو ما يخص فلانًا من الأقرباء أو الأصدقاء.. يسجل أحدهم على الشاشة جملة مألوفة في التهنئة أو التعزية، ثم يضغط بأنمله على زر أبكم لا يحس ولا يشعر، فتصل هذه الجملة الممجوجة إلى عشرين أو ثلاثين من معارفه باردة جامدة كأنها فارَّة من أحد القطبين، فإذا هو يخاطب رئيسه في العمل بمثل ما يخاطب زميله، ويتوجه إلى أبيه أو أمه بالنسخة نفسها التي يتوجه بها إلى صديقه أو صديقته.
هل جفَّت اللغة، أم جفَّت العواطف!!!
قلت لها: وهل تريدين الناس كلهم أن يكونوا كالوزير الشاعر ابن زيدون!!
سألتني باستخفاف: وما شأنه في هذا الأمر؟ دعه يتلهى بأشجانه مع حبيبته ولَّادة!!
قلت لها: لا تظلمي الرجل، فقد كان له شأن كبير في الوزارة والسفارة، وموقع مرموق في الحكم والسياسة، وما الجانب العاطفي في حياته سوى تأكيد على صفاء نفسه، ودليل على سمو إنسانيته. وحتى لا نخرج عن الموضوع فقد ذكر الصلاح الصفدي حين استعرض سيرته في (الوافي بالوفيات) 7/59 أن بعض الوزراء بإشبيلية قال:
"عَهْدي بأبي الوَليدِ بنِ زيدونَ قائمًا على جِنازة بعضِ حُرَمه، والناسُ يُعَزُّونه على اختلافِ طبقاتِهم، فما سمعتُه يُجيبُ أحدًا بما أجابَ بِهِ غَيرَه، لِسَعة ميدانِهِ، وحُضُورِ جَنانِه".
ثم قمنا إلى الغَداء..
وسوم: العدد 727