مع مصطفى في سيرة المصطفى 3

معمر حبار

[email protected]

كيف التعامل مع التأخير في تدوين السنة النبوية ؟ : إعتمد الأستاذ مصطفى العمري في تحليله لتاريخ السنة النبوية على سؤال ، يعتبر مدار محاضراته كلها،  ونظرته للمتعاملين مع السنة، وهو ..

لماذا تأخر تدوين السنة النبوية قرنين من الزمن؟. لماذا الصحابة لم يدونوا السنة النبوية في حينها، وأثناء معايشتهم للنبي صلى الله عليه وسلم؟. لماذا دوّنوا القرآن في حينه، حين كان الوحي يتلى، ثم جمعوه فيما بعد بسهولة ويسر؟.

ويقول بعدها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منع الصحابة من كتابة الحديث ولم يمنعهم من كتابة القرآن، مايدل على أن السنة أقل أهمية من القرآن.

ويقول لو كانت الفترة الزمنية التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه ويلم والتدوين قصيرة، لهان الخطب ولأمكن تدارك الفارق الزمني، أما أن يتم تدوين السنة النبوية بعد قرنين وثلاث من الزمن، فهذا لايقبل أبدا.

في المحاضرة الثالثة، أشار الأستاذ مصطفى إلى ملاحظة هامة، تتمثل في كونه، يتعامل مع كل المذاهب بنفس المسافة، ولا يميل لمذهب على حساب الآخر، رغم الضغط الذي تلقاه من الحضور، والأسئلة المحرجة التي وجهت لك. فهو يرى أن كل المذاهب، دوّنت السنة النبوية متأخرة جدا. هذا بقرنين والأخر بثلاثة قرون، مايعني بوضوح وسطيته واعتداله من ناحية فترة التدوين.

بداية التدوين: الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، غادروا المدينة، وكل يحمل سبب المغادرة، فاستوطن كل منهم في مكان إقامته الجديد. فتتلمذ عنهم الكثير، ونقلوا شفاهة ماحفظوه ورأوه من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للتابعين رضوان الله عليهم جميعا.

وحين بدأ عصر التدوين، كان لزاما على المحدثين أن يجمعوا أحاديث رسول الله فتتطلب الأمر التنقل بين بغداد والشام والقاهرة وتونس وفاس. فربما حديث معين لايجده المحدث إلا في بغداد، وحين ينتقل ليأخذ ويريد حديثا آخر بعينه، يخبره من في الكوفة أن هذا الحديث يجده في فاس، وهكذا إلى أن يجمع القدر الذي استطاع أن يجمعه من مناطق عدة مترامية، وعبر عدة صحابة أو تابعين يحملون الحديث في صدورهم. ومازالت هذه الطريقة متبعة إلى يومنا هذا. وخلال هذا الأسبوع راسلني أحد الزملاء الجزائريين، أنه تلقى إجازة من أستاذ عراقي في الحديث.

وجب التذكير، أن انتقال الصحابة والتابعين إلى مناطق بعيدة شاسعة، أثر على تلقي الحديث. ويبقى لأهل الاختصاص تبيان الأثر السلبي أو الإيجابي على هذه العملية.

رفض الأحاديث جملة وتفصيلا، لأنها كتبت بعد قرنين غير مقبول، أما تمحيص الأحاديث، سواء صدرت من أبي هريرة أو علي بن أبي طالب أو عمر بن الخطاب، رضوان الله عليهم جميعا، فهو المطلوب ويبقى قائما إلى يوم الدين. والحمد لله، فإن من ميزات هذه الأمة، أن قيّض الله لها من يحفظ أحاديث رسولها صلى الله عليه وسلم، وينقحها ويحميها من الشوائب، سواء كان من العرب أو غيرهم.

لماذا أبي هريرة ؟ : بما أن أسئلة كثيرة طرحها الأستاذ حول الصحابي أبي هريرة، تتعلّق بكونه ، كيف يمكن لهذا الصحابي أن يروي أكثر من 5000 حديث، وقد كان من الأواخر الذين أسلموا. بينما صحابة لازموا رسول الله طيلة قبل البعثة وبعدها، ولم يروا إلا أحاديث قليلة جدا، مقارنة بالصحبة الطويلة.

إذن، مادام الأمر كذلك، فلتراجع أحاديث أبي هريرة من جديد على أيدي مختصين، وليأخذوا منها مايوافق المنهج العلمي، ويتركوا منها مايخالف المنهج العلمي. ويبقى الصحابي الجليل، يحتفظ بمكانته في الصدور.

حين قرأت السيرة النبوية منذ الصغير، راودني سؤال في الكبر ومازال .. لماذا أبى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، لم يروا سوى أحاديث قليلة، مقارنة بملازمتهم لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم أجد إجابة مقنعة لحد الآن.

إذن المسألة التي أثيرت حول أبي هريرة، كان من المفروض أن تثار حول المقربين من رسول الله، والذين لازموه طيلة حياته، لماذا لم يروا الأحاديث بما يناسب صحبتهم الطويلة وسبقهم للإسلام.

الصحابة بشر: الصحابة بشر، تعانقوا وتقاتلوا، اتفقوا واختلفوا، فهم أحدهم بهذه الطريقة وفهم الآخر فهما آخر. فنحن نأخذ الحديث من هذا وذاك، إذا وافق المنهج العلمي الذي طرحه أهل الاختصاص، ولا نأخذ لا من هذا وذاك، إذا خالف المنهج العلمي المطروح من أهل الاختصاص. فكلهم عندنا دون استثناء المكانة اللائقة في الصدور، سواء كان القاتل أو المقتول، أو الذي شارك مع هذا ضد ذاك، أو الذي امتنع، أو شارك مع ذاك ضد هذا.

موقعة صفين، رغم مأساتها وجرحها وأثرها السلبي على حياتنا اليومية الممتدة لحد هذه الساعة، يبقى أصحابها فوق الرؤوس، نأخذ منهم ماوافق المنهج ، ونرد ماخالف المنهج. ولا نميل أبدا لأحد دون الآخر.

متى لايأخذ من الصحابة؟ : لايأخذ من الصحابة، حين يكون الاختلاف الذي حدث فيما بينهم، أثّر سلبا على الأحاديث النبوية !، وحرّف من معناها ومسارها. !

والسؤال المطروح، هل يوجد حديث نبوي "كذب !" فيه الصحابي على آخر، أو على رسول الله صلى الله عليه، بسبب خلافه مع صحابي آخر؟. في هذه اللحظة يكون التمحيص والتدقيق، فيعلن أن هذا الحديث مكذوب على الصحابي ، وعلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الاختلاف الذي حدث بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لايمنع الأخذ منهم، وإيجاد الأعذار التي تعزّز لفهم النص والموقف معا.

تنقيح السنة: كان سيّدنا الإمام مالك، رضوان الله عليه، يأخذ بعمل المدينة، وكانت قاعدته في ذلك.. لايمكنني أن أترك عملا تعارف عليه أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحديث ربما نسيه فلانا. واستطاع فعلا أن يحمي السنة النبوية بسلوكه هذا.

وحين كتب الموطأ، ظل طيلة حياته يحذف وينقح إلى أن وصل الموطأ لما وصل إليه. والمعروف أن الموطأ كان يحمل في البداية أضعاف الأحاديث مايحمله بعد الحذف والتنقيح.

منذ صغري وأنا أقرأ وأسمع، أن السنة النبوية تحتاج لتنقيح من بعض الأحاديث المضرة بالسنة النبوية وكذا التفاسير، ومازالت هذه الآراء لها من يدعهما لحد الساعة.

وقد تطرقت في سنوات ماضية، عبر أمثلة حية أعيشها يوميا لبعض العيّنات، سبّبت مشاكل كبيرة لصاحبها، وامتناع بعض الصحف والمواقع من نشر مقالاته، واتّهمت بشتى أنواع الأوصاف، وكان نصيبي من الشتائم والسباب كبير جدا، ومازال .. ومازلت أتطرق لنفس المواضيع، حين تتاح الفرصة.