إدلب.. قبل أن يصبح الحليم حيران
لا يختلف اثنان في المخاطر المحدقة بإدلب التي وصفها الموفد الخاص لدول التحالف الدولي برت ماكغورك أخيراً بأنها أكثر ملاذ آمن للقاعدة منذ الحادي عشر من سبتمبر، لكن يتجاهل هذا المندوب، ومن خلفه البشرية كلها، مسؤوليتها المباشرة عن تهجير وتفريغ معظم البلدات في سوريا وشحنها إلى إدلب على مدار سنوات دون أن ينبسوا ببنت شفه، بل كانت الأمم المتحدة في كثير من الاتفاقيات ضامنة وشاحنة للمهجرين المساكين إلى إدلب، وقد سبقه إلى هذا الوصف أيضاً ديميستورا وكيري، والآن مندوب التحالف الدولي، بأنها أكبر ملاذ آمن للقاعدة.
لا يختلف عاقل على أن ما جرى في إدلب من سفك الدم المسلم بين هيئة تحرير الشام وأحرار الشام ذنب عظيم، وعاقبته وخيمة، ولكن لسنا الآن أمام الوقوف على الأطلال، ولا جلد الذات، وجلد بعضنا بعضاً، ولا الاصطفاف مع بشرية مجرمة أرادت للشام أن تختصرها بإدلب، وكأن ما فعلته العصابة الطائفية المجرمة، ومعها الاحتلالان الروسي والإيراني، على مدى سنوات من القتل والإجرام والتهجير، محمودٌ ومطلوب بحق الأغلبية السنية المضطهدة على مدى عقود في الشام.
لكن ماذا يمكن فعله اليوم في ظل هذه المعمعة الخطيرة؟ هل المطلوب هو تشجيع الإجرام الدولي على فعله بإبادة إدلب، كما حصل بالموصل والرقة؟ وهل المطلوب هو شحذ الأسلحة والأقلام والألسنة بحق إدلب، على أن كل من فيها واجب القتل، لأنه ينتمي إلى هيئة تحرير الشام التي فكت ارتباطها بتنظيم القاعدة؟ ما يمكن فعله باعتقادي هو دفع العقلاء من كل الاتجاهات نحو مبادرة وطنية شاملة وجامعة لا تقصي أحداً، تعكس احتياجات الداخل والواقع الإقليمي والدولي، وتكون بدايته بتأسيس إدارة مدنية من أهل الاختصاص بعيدة كل البعد عن العسكر والتسليح، مع دفع كل من له علاقة بالسلاح إلى الثغور والجبهات، وأول اشتراطات هذه الإدارة الذاتية المدنية أن تكون مقبولة تركياً وفقط، كون قبول اشتراطات دول العالم كله غير منطقي لتعدد الأجندات والمشاريع، أما المشروع التركي فلقربه من الثورة أولاً، وثانياً لأن الاعتراف التركي بالإدارة المدنية يعني تحقيقها اشتراطات دولية عامة، تقدر من خلالها تركيا على تسويقها عالمياً، وهو ما يكفينا مؤونة اللهث وراء العالم واشتراطاته، وهو ما فعلته حركة طالبان أفغانستان يوم كسبت الاعتراف الباكستاني فسوقتها باكستان للآخر.
الأمر الثاني وهو تعهد الفصائل الثورية السورية بوقف أي تدخل للضيوف الذين وفدوا إلى الشام، فلا يحق لغير الشامي أن يتكلم في شأن الثورة الشامية، لا سيما إن كان ذلك تحريضاً على فصيل ضد آخر، ولنتعلم على الأقل من عدونا، فالفصائل المجرمة المقاتلة في صف العصابة الطائفية لا كلمة إعلامياً لها في الغالب.
المصلحة والعقل يقولان أن نحدد أولوياتنا، ونعمل على تعظيم الجوامع وتقزيم الفوارق، ونهش لحوم بعضنا بعضاً لا مصلحة لأحد فيه إلا عدونا، وهذا لا يتأتى إلا بتصدّر العقلاء المشهد، والدفع بأدوار يومية لوجهاء البلدات والقرى، من أجل تكوين رأي عام واحد تجاه القضايا المهمة والحساسة، مع عودة زخم التظاهرات المؤيدة للثورة التي كانت ولا تزال هي المعبرة عن ضمير الشعب أولاً، وثانياً المشكلة لحمض نووي ثوري واحد، وهو أكثر ما يخيف العصابة الطائفية وسدنتها.
وسوم: العدد 731