الهيئة والأحرار.. صراع "الرايات" لرسم مستقبل الشمال

مُلخص تنفيذي لم يكن الاقتتال بين حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام" مستغرباً؛ بقدر ما كان منتظراً ومؤجلاً، سواء لجهة الاحتقان القديم بين الطرفين، أو لجهة ما أمنته مناطق "خفض التصعيد" من هدوء جبهات أتاح لمختلف القوى إعادة ترتيب أوراقها العسكرية وتوسيع مناطق نفوذها تأهباً لأي سيناريو محتمل في الشمال السوري. تدرك جبهة "فتح الشام" بأنها تمثل العبء الأكبر على التفاهمات الإقليمية والدولية لأي تسوية سياسية محتملة في الشمال السوري، وعليه جاء تحركها كإعادة تموضع استباقي وتوسيع مناطق نفوذ، تأهباً لأي مواجهة محلية مدعومة إقليمياً. لا يمكن فصل تصعيد حركة "أحرار الشام" عن محاولاتها التمايز عن القوى الخاضعة للتصنيف، وتوسيع مناطق نفوذها وتقديم نفسها كحركة قادرة على ضبط أمن الشمال ومحاربة "الإرهاب" بنفس الوقت، وبالتالي كطرف محلي مؤهل للانخراط ضمن أي توافقات سياسية محتملة حول مستقبل الشمال السوري. تمثل حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام"، إحدى أكثر القوى العسكرية نفوذاً في الشمال السوري وعدد من الجبهات المختلفة، لذلك فإن تحديد طبيعة وشكل العلاقة بين الطرفين، سواء عبر اندلاع الصراع من جديد أو تسويته؛ سيرتب لتداعيات لن تقتصر آثارها على التنظيمين، وإنما ستتجاوزهما لتطال عدة جوانب في الملف السوري. في ظل تصنيف جبهة "فتح الشام" وعدم قبولها دولياً وإقليمياً؛ فإنّ حركة "أحرار الشام" باتت تعي أن وجود قوى محلية خارج المشاريع الإقليمية والدولية لم يعد متاحاً على الأقل ضمن التسويات التي تتم للتهيئة لحل سياسي شامل. مدخل

لم تلبث محافظة إدلب أن تنفست الهدنة التي فرضها اتفاق "مناطق خفض التصعيد"، حتى لاحت بوادر الصراع الداخلي من جديد، والذي اندلعت شرارته يوم الأربعاء 19 تموز/يوليو 2017 في عدة مناطق من المحافظة بين حركة "أحرار الشام" من جهة وهيئة "تحرير الشام" بمكونها الرئيسي جبهة "فتح الشام" (النصرة) سابقاً من جهة أخرى([1]). الاقتتال الذي لا يبدو مستغرباً بقدر ما كان منتظراً ومؤجلاً، سواء لجهة الاحتقان القديم بين الطرفين والذي ظهر ميدانياً في عدة محطات فارقة([2])، أو لجهة ما أمنته مناطق "خفض التصعيد" من هدوء جبهات أتاح لمختلف القوى إعادة ترتيب أوراقها العسكرية وتوسيع مناطق نفوذها تأهباً لأي سيناريو محتمل في الشمال السوري.

وعلى الرغم من أن هذا الاقتتال كان متوقعاً كمحطة في علاقة الطرفين؛ إلا أنه بدا الأوسع والأضخم، خاصة وأنه اندلع في سياق متغيرات محلية وإقليمية ودولية ضمن الملف السوري، قد تدفعه باتجاهات مختلفة وتجعل منه مؤهلاً للاستثمار في إطار التفاهمات والتوافقات الإقليمية والدولية حول الشمال السوري.

وعليه تحاول هذه الورقة؛ تحليل أبعاد ودوافع الصراع بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، وأثره على الطرفين وبنيتهما التنظيمية من جهة، وعلى فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري من جهة أُخرى، إضافة إلى تلمس أثر العامل الإقليمي والدولي في توجيه هذا الصراع، مقابل استشراف ارتداداته المحتملة -حتى في حال تسويته-على الشمال السوري وشكل التوافقات الإقليمية الدولية ضمنه.

أولاً: فتح الشام (دوافع التحرك)

بعيداً عن رواية الطرفين حول بدء شرارة الاقتتال ومن يتحمل مسؤوليتها، إلا أنه من المؤكد أن كل ما سبق الاقتتال من حوادث توتر بين الجهتين، سواء الاعتداء المتبادل على مقرات وحواجز الطرفين، أو نكث اتفاق منطقة تل طوقان، أو رفع علم الثورة قرب معبر باب الهوى([3])؛ ليست كفيلة بإشعال اقتتال واسع يتجاوز حدود محافظة إدلب بسرعة كبيرة ليمتد إلى مناطق نفوذ الطرفين في ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي و مناوشات في كل من درعا والبادية السورية ([4])، بل ويستدعي تجاوز "الفتاوى الشرعية" بالنسبة لجبهة "فتح الشام" واتخاذ قرار شبه فردي بمواجهة "أحرار الشام" وتجاوز إجماع الفصائل المنضوية تحت هيئة "تحرير الشام"([5])، لذلك لا يبدو التحرك ارتجالياً لجهة الطرفين، وتحديداً جبهة "فتح الشام"، والتي على ما يبدو جاء تحركها العسكري في هذا الوقت بالذات وفقاً لعدة دوافع، أبرزها؛      

التحرك التركي المحتمل: تشير جغرافية التحرك العسكري لهيئة "تحرير الشام" وعلى رأسها جبهة "فتح الشام" باتجاه المناطق الحدودية مع تركيا، إلى نية الهيئة في السيطرة على المعابر الحدودية، وذلك كعمل استباقي لأي تحرك تركي محتمل في إدلب يساهم في تقويض نفوذ الهيئة في الشمال ويشجع باقي الفصائل على قتالها، ويهيئ لمناطق "خفض توتر" بإدارة إقليمية ودولية، خاصة وأن التحرك التركي المحتمل بدأت تلوح بوادره؛ إن لم يكن من إدلب بشكل مباشر، فهو من ريف حلب الشمالي باتجاه إدلب، وذلك كجزء من أهداف عملية "سيف الفرات" المرتقبة في شمال حلب، والتي قد تؤمن في حال نجاحها فرصة لوصل ريف حلب بريف إدلب وفق تفاهمات (روسية تركية)، وهذا ما تؤكده تصريحات بعض القادة العسكريين في "درع الفرات" بأن "المرحلة اللاحقة لعملية "سيف الفرات" المرتقبة في شمال حلب هي إدلب، وتحديداً جبهة "فتح الشام" ضمنها([6])". انهيار تنظيم الدولة: تدرك جبهة "فتح الشام" تماماً بأن نهاية تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا باتت قاب قوسين أو أدنى، وأن المرحلة المقبلة للمجتمع الدولي هي استهداف الجبهة في إطار التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، وأن السباق بين مختلف القوى سيبدأ لاحتكار نقاط اشتباك معها تمهيداً للمواجهة المؤجلة، كـ (السعي المحموم من قبل لاحتكار جبهات القتال مع تنظيم الدولة)، وربما في هذا السياق يمكن فهم السعي التركي المدعوم روسياً لعملية "سيف الفرات" المحتملة، والتي تهدف بجزء منها لقطع الطريق على محاولات قوات "سورية الديمقراطية" في عفرين ومحيطها لإقناع الولايات المتحدة بخوض معركة إدلب مع "النصرة" بعد الانتهاء من معارك تنظيم الدولة والوصول إلى المتوسط مروراً بإدلب بحجة قتال جبهة "فتح الشام". خصوصاً بعد تصريح عدد من قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD عن نيتهم الوصول إلى الساحل السوري عبر إدلب بحجة محاربة جبهة "فتح الشام" بعد الانتهاء من داعش([7]). إزاحة المنافس: تعي جبهة فتح الشام بأن أي مواجهة محتملة بينها وبين فصائل المعارضة المسلحة، يتطلب جسم عسكري ضخم تلتف حوله تلك الفصائل كغطاء عسكري وشرعي لقتالها، وأن المرشح الأبرز للعب هذا الدور في إدلب تحديداً هو حركة "أحرار الشام"، لذلك يبدو أن الجبهة تعتقد بأن استهداف الحركة بهذا الوقت بالذات قد يقطع الطريق على أي تحالف محتمل ضدها محوره "أحرار الشام". رفع الغطاء الإقليمي: يبدو أن شعور هيئة "تحرير الشام" وتحديداً جبهة "فتح الشام" ضمنها؛ بأنها قد تكون ضحية لتفاهمات إقليمية ناتجة عن "الأزمات السياسية" التي تشهدها المنطقة، وبالتالي احتمالية رفع الغطاء عنها؛ عزز دوافعها بضرورة التحرك في هذا التوقيت.

تدرك جبهة "فتح الشام" بأنها تمثل العبء الأكبر على التفاهمات الإقليمية والدولية لأي تسوية سياسية محتملة في الشمال السوري، وعليه جاء تحركها وفق الدوافع أعلاه كإعادة تموضع استباقي وتوسيع مناطق نفوذ، تأهباً لأي مواجهة محلية مدعومة إقليمياً.

ثانياً: أحرار الشام (الفرص والعقبات)

على الرغم من قبول حركة "أحرار الشام" للمبادرة الشرعية الأولية المطروحة لوقف الاقتتال([8])؛ إلا أن رد فعل الحركة والتصعيد العسكري ضد الهيئة ضمن مناطق تداخل النفوذ المختلفة في كل من إدلب وريف حماة الشمالي والشمالي الغربي ودرعا، يشير إلى أن الحركة اتخذت قراراً بالمواجهة العسكرية، القرار الذي لم يبدو ارتجالياً أيضاً، بقدر ما استند إلى عدة عوامل ربما عولت عليها الحركة خلال هذا الوقت بالذات في تحركها العسكري ضد هيئة "تحرير الشام" وعلى رأسها جبهة "فتح الشام"، ولعل أبرز تلك العوامل:

يبدو أن حركة "أحرار الشام" راهنت ضمن هذا الصراع المحلي على ما أفرزته مناطق خفض التصعيد من تحييد مفهوم "العدو الخارجي" المتمثل بالنظام وحلفائه، والذي لطالما تذرعت به جبهة "فتح الشام" لضبط عناصرها عقائدياً وضبط الفصائل من حولها وتوسيع نفوذها. قد يشكل تحرك "أحرار الشام" ضد الهيئة في هذا الوقت بالذات؛ "مخرجاً شرعياً" للعديد من الفصائل المنضوية تحت هيئة "تحرير الشام"، المخرج الذي إن لم يكن لصالح الأحرار فإنه لن يكون ضدهم، وذلك كخطوة أولى لعزل أكبر عدد ممكن من الفصائل عن جبهة "فتح الشام". بالمقابل تدرك الحركة لأهمية تحركها تحت غطاء شعبي ضد هيئة "تحرير الشام"، والتي تستند في هيكلها التنظيمي على العنصر المحلي السوري بأغلبها، ويبدو أن المظاهرات الأخيرة في مدينة سراقب وبعض قرى ريف إدلب، أمنت للأحرار غطاءً جيداً، لطالما تحركت جبهة "فتح الشام" (النصرة سابقاً) في هوامشه، ولكن بنفس الوقت لم يكن "التحرك الشعبي" لصالح الأحرار بقدر سقف توقعات الحركة، وذلك لعدة أسباب على رأسها توحش هيئة "تحرير الشام" في إدارة الصراع الحالي، بما في ذلك التعامل مع المدنيين.

لا يمكن فصل تصعيد حركة "أحرار الشام الإسلامية" عن محاولاتها التمايز عن القوى الخاضعة للتصنيف، وتوسيع مناطق نفوذها وتقديم نفسها كحركة قادرة على ضبط أمن الشمال ومحاربة "الإرهاب" بنفس الوقت، وبالتالي كطرف محلي مؤهل للانخراط ضمن أي توافقات سياسية محتملة حول مستقبل الشمال السوري.  ولكن على الرغم من تلك العوامل التي قد تمثل فرصاً لصالح الأحرار؛ إلا أن صراعها مع الهيئة وجبهة "فتح الشام" لن يكون بتلك السهولة، وعليه فإن "الأحرار" ينتظرهم عقبات عدة في إدارة هذا الصراع في حال تسويته أو اندلاعه من جديد، وعلى رأسها:

الضبط العقائدي: تعد حركة "أحرار الشام" من الحركات القلقة تنظيمياً، سواء لجهة تعدد الأجنحة المسيطرة على القرار العسكري داخل الحركة، أو لعدم سهولة ضبط عناصرها عقائدياً وتحديداً في الصراعات مع فصائل إسلامية، خاصة وأن الحركة تمتلك تاريخاً طويلاً في هذا السياق، بدءاً من خسارتها الرقة على يد تنظيم الدولة مروراً بعدة معارك متفرقة في مخيم اليرموك وغيره من المناطق، ما يشير إلى احتمالية حدوث انزياحات كبيرة لمجموعات داخل جسد الحركة إن لم تكن باتجاه جبهة "فتح الشام" فإنها قد تلتزم الحياد، وهذا ما حدث بالفعل في عدة قطاعات تسيطر عليها الحركة. توحد الأجانب: على الرغم من انشقاق كتلة "القوقاز" عن الهيئة؛ إلا أن الظروف الخاصة لتلك الكتلة بالذات لا يمكن تعميمها على باقي المجموعات الأجنبية المقاتلة في الشمال السوري، خاصة مع إحساس المقاتلين الأجانب باقتراب نهايتهم ضمن أي تسوية في الملف السوري، الأمر الذي قد يدفع بتلك المجموعات إلى الالتفاف حول جبهة "فتح الشام" ضمن الصراع الدائر، والتي تمثل الملاذ الأوسع بالنسبة للأجانب المقاتلين بعد تنظيم الدولة. استمالة الفصائل المحايدة: مع اندلاع الاقتتال بين الطرفين التزمت العديد من فصائل المعارضة العاملة في إدلب الحياد، تبعاً لأسباب مختلفة، لعل المسؤول الأول عنها "أحرار الشام"، وذلك بسبب تعاطي الأخيرة سابقاً مع بعض الفصائل بصيغة "الحياد" أثناء صراعهم مع النصرة، الأمر الذي يجعل من إقناع تلك الفصائل بالانخراط في الاقتتال تحدياً كبيراً أمام "أحرار الشام"، خاصة الفصائل ذات الثقل في إدلب والتي من الممكن أن يشكل دخولها ترجيحاً لأحد كفتي الصراع. بالمقابل فإن الفصائل الحيادية تدرك بأن تضعضع "الأحرار" أمام "فتح الشام" قد يمثل بشكل أو بآخر انهياراً لخط الدفاع الأول، وبالتالي التفرغ لهم في مرحلة لاحقة وفق استراتيجية النصرة المتبعة، وعلى الرغم من ذلك فإن اتخاذهم لأي خطوة تكسر الحياد لصالح حركة الأحرار "بشكلها الحالي" لا يبدو وارداً، إلا إذا استطاعت الحركة التوجه لتلك الفصائل بمشروع جديد وغير إقصائي قد يستدعي تغيير اسم الحركة وبعض توجهاتها. ثالثاً: الارتدادات المحتملة للصراع

تمثل حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام"، إحدى أكثر القوى العسكرية نفوذاً في الشمال السوري وعدد من الجبهات المختلفة، لذلك فإن تحديد طبيعة وشكل العلاقة بين الطرفين، سواء عبر اندلاع الصراع من جديد أو تسويته؛ سيرتب لتداعيات لن تقتصر آثارها على التنظيمين، وإنما ستتجاوزهما لتطال عدة جوانب في الملف السوري، ولعل أبرز تلك التداعيات المحتملة:

التدخل الإقليمي: سيزيد سعي هيئة "تحرير الشام" المحموم للسيطرة على المعابر مع تركيا وفرض نفوذها في الشمال من فرص التدخل العسكري التركي، والذي قد يأتي بصيغة مباشرة أو عن طريق نقل حشود عسكرية من "درع الفرات" إلى حدود محافظة إدلب أو مناطق في ريف حلب الغربي، خاصة أن سعي الهيئة لقطع الطريق على أي تدخل تركي محتمل "سيف الفرات" لن يقتصر على إدلب فقط، وإنما قد يمتد إلى ريف حلب الغربي عبر عناصرها هناك أو خلاياها، الأمر الذي قد يزيد من فرص اندلاع صراع بين الهيئة و"درع الفرات" وتوسيع رقعته، إضافة إلى تأثيره على جبهة ريف حلب الشمالي والمهددة من قبل عناصر وحدات الحماية YPG، والتي تعد امتداداً لحزب "العمال الكردستاني" PKK. فراغ الجبهات: قد تؤثر احتمالية اندلاع الاقتتال من جديد على عدة جبهات عسكرية ينشط فيها الطرفان ضد نظام الأسد، وعلى رأسها جبهتي (ريف حماة، والساحل) ما سيؤمن للنظام السوري إمكانية التقدم، أو نقل حشود عسكرية من تلك الجبهات باتجاه جنوب الرقة والبادية السورية. واللافت أن القوى الضاربة للنظام التي كانت تقاتل على جبهات حماة (صقور الساحل، قوات النمر) انسحبت قبل فترة قصيرة من حماة باتجاه ريف حمص الشرقي لتخوض معارك جديدة ضد تنظيم الدولة باتجاه منطقة السخنة، وربما يفهم هذا التحرك ضمن توافقات إقليمية دولية لاستكمال ترسيم مناطق النفوذ. تفكيك الهيئة: على الرغم مما أبدته هيئة "تحرير الشام" من "تماسك تنظيمي" بالقياس مع حركة "أحرار الشام"؛ إلا أن هذا الصراع سيمثل بشكل أو بآخر بداية لتفكيك الهيئة وعزل القدر الأكبر من الفصائل عنها، وربما تكون هذه المرحلة الأولى، لعزل جبهة "فتح الشام" ومن ثم استهدافها كمرحلة ثانية، الأمر الذي قد تواجهه الهيئة بمحاولات استمالة فصائل جديدة وتشكيل كيان جديد، معتقدة أنها بذلك تستطيع فرضه في الشمال "كأمر واقع" للتعامل معه إقليمياً. تطويع الأحرار: قد يمثل الصراع بين الطرفين واحتمالية تجدده، فرصة مهمة للضغط على حركة "أحرار الشام" وتطويعها ضمن التصورات الدولية والإقليمية للشمال السوري، ولعل حياد بعض الفصائل التابعة لمشاريع إقليمية وعدم دعمها للأحرار في صراعها مع الهيئة يمكن تفسيره في هذا السياق. الأمر الذي قد يدفع بانزياحات كبيرة داخل جسم الأحرار باتجاه هيئة "تحرير الشام"، والتي قد تصل إلى حد الاندماج مع الهيئة بشكل مفاجئ وغير متوقع. تفريغ إدلب: إن حجم الانشقاقات المتوقع داخل حركة "أحرار الشام" سواء باتجاه هيئة "تحرير الشام" أو باتجاه التزام الحياد؛ قد يخلق صراع بيني عسكري داخل جسد الحركة (بين بقايا الحركة والعناصر المنشقة عنها)، مقابل صراعها الأساسي مع الهيئة، ما قد يجعل من احتمالية تفكك الحركة وارداً جداً، وسيمنح هيئة "تحرير الشام" الفرصة للضغط عليها وطردها خارج إدلب وعلى الأرجح باتجاه سهل الغاب، وذلك لتفريغ محافظة إدلب وإخضاعها بشكل كامل لسيطرة هيئة "تحرير الشام". وعطفاً على نقطة (تطويع الأحرار) إقليمياً، فضمن هذا السيناريو قد تتلقى حركة "أحرار الشام" عروضاً إقليمية لنقل عناصرها إلى مناطق "درع الفرات" أو حتى الالتحاق به. بروز قوى جديدة: إن احتمالية اندلاع الصراع من جديد ستؤدي إلى إضعاف "الأحرار" من جهة وبداية تفكيك الهيئة من جهة أخرى، ما قد يفسح المجال لتشكيل قوى جديدة تتجاوز حركة "أحرار الشام" وتحارب جبهة "فتح الشام" وتُقدَم كضامن لإدارة الشمال أمنياً وعسكرياً، وربما تكون تلك القوى هي "درع الفرات" أو تشكيلات عسكرية جديدة عبر اندماجات وغرف عمليات مشتركة بتوافقات إقليمية ودولية؛ تمهد لتسوية جديدة في إدلب تقوم على إعلان منطقة "خفض تصعيد" بإدارة إقليمية دولية. خلاصة

يدرك طرفا الاقتتال أن تحديد طبيعة العلاقة بينهما، هو المرحلة الحاسمة في رسم مستقبل الشمال السوري وما ينتظره من سيناريوهات محتملة، ففي ظل تصنيف جبهة "فتح الشام" وعدم قبولها دولياً وإقليمياً؛ فإنّ حركة "أحرار الشام" باتت تعي أن وجود قوى محلية خارج المشاريع الإقليمية والدولية لم يعد متاحاً على الأقل ضمن التوافقات التي تتم للتهيئة لحل سياسي شامل، فالنظام السوري مرتبط بالمشروع الإيراني الروسي، ووحدات الحماية الكردية تعد ضمن المشروع الأمريكي، إضافة إلى فصائل الجنوب المنخرطة ضمن الغطاء الأردني، مقابل بعض فصائل الشمال المطوعة ضمن الرؤية التركية؛ وعليه فإن "أحرار الشام" أمام خيارين في هذا الصراع، فإما الانخراط ضمن التصورات الإقليمية الدولية التي تُعدّ للشمال والمحافظة على بقايا الحركة، وهنا قد تكون أي تسوية مناورة من الحركة لإعادة ترتيب صفوفها واندلاع الصراع من جديد، أو أنّ الحركة ستسير خلف  مشروع الهيئة وعلى رأسها جبهة "فتح الشام"؛ الخيار  الذي قد يرسم سيناريو أكثر تعقيداً للشمال، ربما يقترب بشكله العام من سيناريو الرقة والموصل. وما بين هذين الخيارين فإن التفكير بخلق أي هوامش جديدة خارجهما؛ يتطلب تغييراً بنيوياً حقيقياً وجريئاً داخل حركة "أحرار الشام"، التغيير الذي لطالما اختُبِرَت فيه الحركة ضمن محطات عدة، إلا أنها لم تنجح على ما يبدو إلى الآن.

([1]) للاطلاع بشكل أوسع على بداية شرارة الاقتتال بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، راجع الرابط التالي: https://goo.gl/grLuBW. 

([2]) للاطلاع بشكل أوسع على محطات الصراع السابقة بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام، راجع الروابط التالية: https://ii6.me/VFuu!Rh، https://ii6.me/yCs1!h5، https://ii6.me/XxgV!la.  

([3]) "تحرير الشام" لعنب بلدي: "أحرار الشام" هي من أعلنت الحرب، للتعرف أكثر على رواية الطرفين حول بدأ الاقتتال، راجع: الرابط التالي: https://goo.gl/grLuBW. 

([4]) توسع رقعة المواجهات بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، تقرير منشور على الموقع الإلكتروني للمرصد السوري لحقوق الإنسان، للاطلاع على تفاصيل أوسع، راجع الرابط التالي: https://goo.gl/piR3U5. 

([5]) أصدر جزء من حركة نور الدين الزنكي بياناً، يوم الخميس، أكدت من خلاله انفصالها عن هيئة تحرير الشام معللة ذلك بعدة أسباب. على رأسها: “عدم تحكيم الشريعة التي بذلنا مهجنا والغالي والنفيس لتحكيمها، من خلال تجاوز لجنة الفتوى في الهيئة وإصدار بيان عن المجلس الشرعي دون علم أغلب أعضائه"، إضافة إلى"تجاوز مجلس شورى الهيئة وقرار قتال أحرار الشام، علمًا أن تشكيلها بني على أساس عدم البغي على الفصائل". للاطلاع على البيان راجع الرابط التالي: https://goo.gl/4ZCpeF.

([6]) انظر تصريحات مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم المشارك في عملية سيف الفرات، موقع جيرون، 7 تموز 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/FwK2XF

([7]) سوريا.. الأكراد يخططون لإقامة منفذ على المتوسط مقابل دعم واشنطن في عملية الرقة، موقع الخليج الجديد، 7/5/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/NFVjmJ

([8])مبادرة وقف اقتتال إدلب تنتظر موافقة "تحرير الشام"، تقرير صحفي منشور على الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، للاطلاع على المزيد راجع الرابط التالي: https://goo.gl/Hdw6LL. 

وسوم: العدد 737