في الحديث عن علماء الإسلام ..الحديث عن النور أولى، تعليقا على حلقة همام الحوت

سجلت ملاحظات عابرة على حلقة الفنان المبدع همام الحوت ، التي حاول فيها فضح علماء السوء ، وطرائقهم وأساليبهم ، ومداخلهم ومخارجهم ، وقلت الكلام فيه خلط وخبط وحبط ، ..

وسئلت من قبل بعض المعلقين أين وقع هذا حيث أن الرجل أكد أنه إنما يتحدث عن علماء السوء فقط واحتاط محسنا ، قبل أن يدخل في كل ما مثله وأداه من فضح أساليب بعض المنافقين .

ومن غير الدخول في التفاصيل أقول : في أي كفة يقع التقويم العام لهذه الجهد الفني ، أفي كفة المستبد بشار الإسلام الذي ظل جهده وأبيه من قبله تشويه صورة الإسلام ، وتحطيم صورة المسلمين وعلمائهم ، أم في كفة الثورة التي يحتاج ثوارها إلى من يشد عزائمهم ، ويستثير حميتهم ..؟! هذا هو التقويم

أتذكر في سياق التقويم العام لجهد الفنان همام الحوت رسالة صغيرة لأخينا المرحوم حسني الشيخ عثمان رحمه الله ، ربما كتبها منذ عشرين سنة عنوانها ( المشايخ والاستعمار ) تستحق القراءة لمن يجدها أو يلتمسها . مدارها على أن تشويه صورة علماء الإسلام هو مطلب استعماري قديم منذ دخل بونابرت مصر ، ووقفت في وجهه ووجه مشروعه قلعة الأزهر العظيم .

إن تشويه صورة الإسلام عقائده وشعائره وشرائعه مطلب وغاية ومنهج ، يعمل عليها أعداء الإسلام منذ أكثر من قرن . ولا أرى، مهما تكن نياتنا، أن ننخرط في هذا المشروع ، ونكون جزء منه ، وبعضا من جنوده ، في وقت أحوج ما نكون فيه إلى تقديم الأسوة والقدوة والأنموذج الصالح .

تذكروا صورة ( المأذون ) المعمم في السينما المصرية منذ ثلاثينات القرن الماضي إلى فيلم الإرهاب الكباب ، إلى صورة الموظف الذي يذهب ليصلي بوضوئه وقباقبه ، فيضيع أوقات المراجعين . المسلم المسخرة الذي يظل في الصورة المنفرة في الفيلم وفي المسلسل كنوع من الكيد الخفي الذي يجب أن يتنبه له الحكماء والعقلاء والمصلحون.

أعود إلى حلقة الفنان همام الحوت ، لأقول إن المشهد السوري اليوم بكل ما فيه من دم وألم وشتات يحتاج إلى التركيز على الدور الإيجابي لعلماء الشام ، دور البطولة الحقيقية لهؤلاء العلماء ، منذ أن سطر الشيخ سعيد الحلبي مقولته السائرة في وجه الطاغية إبراهيم باشا ( إن الذي يمد رجله لا يمد يده ) .

كانت إشارة الفنان البارع همام الحوت إلى شخصية الشيخ الداعية حسن حبنكة عابرة سريعة ، ولكن كم في سورية من عالم قدوة ثبت بطل تحمّل وأدى وقام بحق الله عليه..؟! كم خرّجت المدارس الشرعية التي لمز من قناتها همام الحوت الخسروية والكلتاوية والشعبانية والغراء وكلية الشريعة السورية من علماء أثبات ، قاموا بأمر الله ، وأدوا الأمانة بلاغا وتعليما وتثبيتا وحفاظا ...؟!

وإذا كان التلفزيون السوري يظل يعرض علينا صور المعميين الضالين ، أو المستضعفين ، وهؤلاء المعممون هم شريحة من أبناء المجتمع ، فيهم من يحكمه خوفه ، وفيهم من تحكمه ضروراته ، وهذا ليس اعتذارا عنهم ، فلماذا ننضم نحن إلى التلفزيون السوري بعرض الصور المقيتة السلبية نفسها وكأننا نضرب معه على وتر واحد ؟!

لماذا لا نخالف المنهج الأسدي في التركيز على الصور السلبية ، فنعرض الصور الجميلة الألقة للعلماء الأثبات الذين ظلوا طوال قرن يحمون في سورية العقيدة والشريعة ويذودون عن المستضعفين من الناس ؟!

هل يعلم الفنان همام الحوت عدد طلاب العلم الشرعي - العلماء - الذين استشهدوا في هذه الثورة المباركة ، وطمس تلفزيون بشار الأسد على أشخاصهم وصورهم وأسمائهم ، وطمست المعارضة التي تمكن من الفضائيات على بطولاتهم وأدوارهم وأسمائهم ؟!ألم يكن المنتظر من الفنان همام الحوت أن ينصفهم ، وأن يرفعهم مثالا طيبا لكل السوريين .

هل يعلم الفنان همام الحوت عدد طلاب العلم الشرعي وحملته الذين تم اعتقالهم ، وتعذيبهم ، وتصفيتهم وأخفى تلفزيون بشار الأسد آثارهم ؟! أو لم يكن الأولى بفنان بارع محترم أن يقدم للجمهور صورة هؤلاء ، ليتميزوا عمن يعرض بشار الأسد صورهم صباح مساء ، وبضدها تتميز الأشياء ..

هل يعلم الفنان همام الحوت عدد العلماء وطلاب العلم الشرعي الذين هُجروا وصودروا وحرموا من أبسط الحقوق المدنية والوطنية ؟! ثم ها نحن نشارك في لعبة الطمس والغمط والتغييب .

إن المشهد السوري بكل ما يحف به من بلبلة وتباين وضعف وظلمة ويأس كان بحاجة إلى جهد متألق منير ، كجهد الفنان همام الحوت ، يقدم للناس القدوة والأسوة من تاريخ سورية القديم والحديث ، تضع صورة علماء الشام الأبرار الأبطال في إطارها التاريخي الموضوعي . وتبرز للناشئة مكانة العالم الحق في بيان الحق ، وفضح الباطل ، والارتقاء بالوعي ، وتقديم المشروع الإسلامي الحضاري الوطني ، والدفاع عنه ، ودورهم في مقارعة الباطل من مستعمر ومستبد وفاسد وفي نصرة المستضعفين والمظلومين ..

أنا من جيل ، كانت كرته حين يلعب الكرة ، من ثوب مكور في جراب ، ولعبته حين يلعب من قماش محشو بقطن . وأقول لكل الذين يحاولون أن ينفخوا الروح في معارضة من خيطان ، انفخوا واستعينوا بمن ينفخ ، فما كان للخيط أن يصبح رجلا لا في ليل ولا في نهار ..

مع التحية والحب والاحترام لكل السوريين المخلصين الصادقين..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 752