منفضة سجائر
تركوا لي منفضة سجائر وأنا قليل الحيلة
صحيح أنني سأروي لكم قصتي لكنني على ثقة بأنها قصة بل مأساة الكثيرين من أبناء دير الزور الذين كُتب عليهم الشقاء والبؤس .
أنا موظف من الحلقة الأولى وحالي كحال كل الموظفين الذين اضطروا لمغادرة بيوتهم والنزوح إلى دمشق ، فاستأجرت ( بيتاً ) في أطراف المدينة وباعتبار أن راتبي لا يكفي لسداد آجار هذا البيت اضطررت للعمل أنا وابنتاي وكلنا أمل أننا نمر بحالة مؤقتة ستنتهي حتماً ونعود لبيتنا في ديرنا معززين مكرمين .
استبشرنا خيراً لدى سماعنا أن بيوتنا تحررت فسارعت لتفقد بيتي فوجدته قد تحرر فعلاً . تحرر من ابوابه ونوافذه وأسلاك الكهرباء .. تحرر حتى من بلاطه وسيراميكه ناهيك عن العفش الذي لم ار منه سوى ( منفضة سكائر ) تركوها لي لتذكرني بكل الوان السواد القاتمة في الدنيا .
تحسبت ربي وحمدته على ان حالي أفضل من حال الكثيرين الذين لم يجدوا بيوتهم أصلاً فقد أضحت أثراً بعد عين .
عدت لاولادي وزوجتي بخفي حنين ( منفضة السكائر ) والتي أقسم أنها شهدت من دموع زوجتي وبناتي ما لم تشهده اية منفضة أخرى في الدنيا ...
ومن ثم صدر القرار المشؤوم بإنهاء تكليفي في دمشق وإجباري نعم إجباري على العودة إلى بلدي ..
ماذا يعني هذا القرار ؟؟؟
يعني بأني ساترك عملي الثاني في دمشق وكذلك بناتي سيتركن أعمالهن ..
يعني بأنني سأبحث عن بيت في طب الجورة يعادل آجاره ضعف راتبي ( والذي أصبح مورد عيشي الوحيد )...
يعني بأن أطفالي سيتركون مدارسهم ليتقاسموا صفاً واحداً مع أكثر من ثلاثمئة تلميذاً في دير الزور ...
يعني بأنني سأخصص ست ساعات يومياً لأقف على طابور الخبز الذي تعافه حتى الدواب ، ولا أخفي سراً إن قلت لكم أن دير الزور فيها ثلاثة أفران لن تسد حاجة 10% من ساكنيها ...
تعني بأني سأقفل الباب على بناتي وأطفالي خوفاً عليهم من التردي الأخلاقي الذي اصبح سمة مميزة اليوم في شوارع المدينة ..
تعني بأني سأذهب إلى وظيفتي لأمارس البطالة المقنعة ، وسيكون بانتظاري مئات الزملاء حيث لا عمل لنا بل لا غرفة يمكن لها ان تستوعبنا ..
باختصار شديد
سارجع لأعيش على راتبي والذي يتوجب علي ان ادفع منه .. آجار المنزل .. وقيمة امبيرات المولدة .. وأكل ولباس أولادي .. وحطب أو مازوت التدفئة ، وكل بند مما ذكرته لا يكفيه راتب !!!
حتى إن فكرت بالتسول على باب الجامع متناسياً شهادتي الجامعية وكرامتي الإنسانية لوجدت نفسي كمن يبيع الماء بحارة السقايين ... فكلنا في الهواء سواء ..
بالله عليكم
قولوا لي ماذا سأفعل .. كيف سأعيش ... كيف أحافظ على كرامتي وعرضي ... وكيف سأطعم افواه تنتظر رغيف خبز مغمس بقليل من الكرامة والانسانية ؟؟؟
أستحلفكم بالله أن تشيروا علي .. ماذا سأفعل ؟؟؟
هذه رسالتي ، وأعتقد بأنني تكلمت بلسان الكثيرين من أبناء بلدي . فحالي ليس بأفضل من أحوالهم ..
هذا ما قُسم لنا .. بعد كل معاناة معاناة ... وبعد كل بؤس بؤس ... وبعد كل يأس يأس ...
أرجو النشر دون ذكر الاسم .. وحتى لو ذكرتم الاسم فلا فرق .. لم أعد اخجل من ذكر اسمي فهو اسمكم جميعاً ...
أرفع أمري إلى الله واقول : حسبي الله ونعم الوكيل .
وسوم: العدد 755