حوار بين امرأتين (2)
العلاقات الزوجية
في حوارها مع (مؤمنة)، والذي نُشر جزؤه الأول في العدد السابق؛ سألت (ليلى) زميلتها عن سبب سكوتها عن ما ظنته هي إخضاع المرأة للرجل في الإسلام، وعن معنى قوامة الرجل على المرأة، وغير ذلك، وقد أجابتها (مؤمنة) بما أوضح لها حقيقة ما التبس عليها فهمه، وهنا نتابع بقية حوار (مؤمنة) و (ليلى) لنستوضح منه كثيرا مما قد يلتبس على البعض عن حقوق النساء في الإسلام:
سأَلَتْ ليلى: على هذا فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُخالط أمهات المؤمنين في أيام حيضهن ويأكل معهن ويشرب؟
مؤمنة: تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كنتُ أتَعرَّق العَرْق وأنا حائض فأُعطيه للنبي(صلى الله عليه وسلم) فيضع فمه في الموضع الذي وَضَعتُ فمي فيه. وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه) صحيح مسلم.
أي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يُكمل الأكل من العَظْم الذي عليه لحم بعد أن أَكَلَتْ منه عائشة رضي الله عنها وهي حائض، وكذلك تشرب ويشرب بعدها.
ليلى: إذن فالعيش الطبيعي بين الرجل وزوجته مستمر ولايتوقف إلا الجماع.
مؤمنة: وما دون الجماع فجائز.
ليلى: ماذا تعنين بــــ (ما دون الجماع)؟
مؤمنة: العناق والتقبيل واللمس وما سوى ذلك فهو حلال بالإجماع. قالت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث: (كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يُباشر نساءه فوق الإزار وهُنّ حُيَّض). صحيح مسلم.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد (صلى الله عليه وسلم) أن يباشرها أمرها أن تتزر في فَوْر حيضتها، ثم يباشرها). متفق عليه.
ليلى: جزاكِ الله خيراً على هذا البيان الذي يُظهر كيف أن الإسلام أنصف المرأة وراعاها وحفظها.
مؤمنة: هل بقي في خاطرك شبهة في إنصاف الإسلام للمرأة؟
ليلى: نعم، تقديم الرجل عليها، فالإسلام يجعل للرجل المكانة الأولى ثم يجعل المرأة تأتي بعده!
مؤمنة: ما الذي جعلك تعتقدين ذلك؟
ليلى: واقع الحال الذي نعيشه في قهر الرجال للمرأة.
مؤمنة: أيّ رجال؟ الرجال الذين لايعملون بما يأمرهم به دينهم؟
ليلى: لا، بل حتى المتدينون.
مؤمنة: لو كانوا متدينين حقًّا لما فعلوا ما يقهر المرأة ويُبعدها ويُحزنها.
ليلى: أليس تقديم الإسلام للرجل على المرأة هو الذي شجعهم على ذلك؟
مؤمنة: أنت تريْن الإسلام يُقِّدم الرجل وأنا أراه يقدم المرأة!
ليلى: كيف؟
مؤمنة: مَنْ يُقدِّم الإسلام في حديثه (صلى الله عليه وسلم) الذي أجاب فيه أحد الصحابة حين سأله: يا رسول الله من أحقّ الناس بحُسن صحابتي؟ فقال(صلى الله عليه وسلم): (أمك)، قال: ثم من؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): (أمك)، قال: ثم من؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): (أمك)، قال: ثم من؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): (أبوك). متفق عليه.
ليلى: واضح أنه (صلى الله عليه وسلم) قَدَّم الأمّ.
مؤمنة: والأمّ رجل أم امرأة؟!
ليلى: طبعاً امرأة.
مؤمنة: وكم مرة قدَّمها؟
ليلى: ثلاث مرات.
مؤمنة: وفي أي مرتبة جاء الأب؟
ليلى: في المرتبة الرابعة.
مؤمنة: والأب امرأة أم رجل؟
ليلى: طبعاً رجل.
مؤمنة: إذن الإسلام قدَّم المرأة على الرجل ثلاث مراتب، والمراتب الثلاث الأولى، وجعل الرجل في المرتبة الرابعة والأخيرة.
ليلى: لاشك في أن هذا التقديم للمرأة حين تكون أُمّاً.
مؤمنة: بل حتى حين لاتكون أمّاً.
ليلى: كيف؟
مؤمنة: حين تكون خالة أيضاً.
ليلى: هل هناك حديث يوصي بها؟
مؤمنة: نعم، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي(صلى الله عليه وسلم) فقال: يارسول الله إني أصبتُ ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟
فقال (صلى الله عليه وسلم): (هل لك من أم؟) قال: لا،
فقال (صلى الله عليه وسلم): (هل لك من خالة؟) قال: نعم،
قال (صلى الله عليه وسلم): (فَبِرّها). الترمذي.
ليلى: هذا يعني أن الخالة بمنزلة الأم.
مؤمنة: في الحديث المتفق عليه قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (الخالة بمنزلة الأم).
ليلى: والابنة، هل خصَّها النبي (صلى الله عليه وسلم) بِوَصيَّة؟
مؤمنة: نعم، وبشَّر من يُحسن إليها بدخول الجنة، وبدخولها معه (صلى الله عليه وسلم) في رواية أخرى للحديث.
ليلى: ليتكِ تذكرين لي الحديثين.
مؤمنة: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (من عالَ جاريتين حتى تُدركا؛ دخلتُ أنا وهو الجنة كهاتين). صحيح مسلم،
وقال (صلى الله عليه وسلم): (ما من مسلم تُدرك له ابنتان، فيُحسن إليهما ما صَحِبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة). البخاري في الأدب المفرد.
ليلى: أرى أن على الآباء والأمهات أن يفرحوا بالبنات، ويحبون إنجابهم لهنّ، بعد هذه البشارات النبوية.
مؤمنة: صدقتِ، وليس كما كان أهل الجاهلية، ومن هم مثلهم، ممَّن قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)﴾ النحل (58-59).
ليلى: بقيت الزوجة، فهل أوصى بها (صلى الله عليه وسلم)؟
وسوم: العدد 755