شريعة الله وشرائع البشر
[بتصرّف، من كتاب: "نحو مجتمع إسلامي"، لسيّد قطب]
إنه ليس المجتمع الإسلامي هو الذي صنع الشريعة، إنما الشريعة هي التي صنعت المجتمع الإسلامي، وحدّدت له سِماتِه ومقوّماته، ووجّهتْه وطوّرتْه. ولم تكن الشريعة مجرد استجابة للحاجات المحلية الموقوتة، كما هو الشأن في التشريعات الأرضية، إنما كانت منهاجاً إلهياً لتطوير البشرية كلها، وصياغتها صياغة معيّنة، ودفعها إلى أوضاع تحقّقُ المجتمع الإسلامي المنشود. وكلما انقضى الزمن وارتفعت درجة المعرفة البشرية كانت أقربَ إلى تحقيق ذلك المجتمع المنشود... وبذلك تقوم الشريعة مقام السياج الواقي الذي يسمح للمجتمع بالنمو والتجدد، ولكنْ داخل هذا السياج، ووفق مقومات أصيلة ثابتة، فيظل الطابع الأصيل للمجتمع واضحاً مميزاً، بينما المجتمعات الغربية كان في وُسعها دائماً أن تنمو وفق المؤثرات الواقعية، غير متقيّدة بأصل ثابت...
والذي يأخذ في موازنة موضوعية بين نظام المجتمع الإسلامي وسائر النظم، يجدْ أن ذلك الأصل الثابت أشدُّ مرونة، وأكبر استعداداً لتلبية التطور في حياة البشرية من كل النظم التي تسمى تقدّمية. وهي حين تقاس إلى الإسلام تبدو متخلّفة في عمومها، يبدو فيها التناقض والنقص والتعسّف.
وسوم: العدد 838