لابد من أعداء
يقول الشيخ الغزالي رحمه الله:
لابد من أعداء
هل يستطيع امرؤ مهما بلغ من صفاء النفس،
ورقة الخلق أن يعيش في هذه الحياة من غير أعداء
يضيقون به، ويكيدون له؟
أظن ذلك لا يحدث! نعم قد يوجد أشخاص يعيشون ويموتون من غير أعداء، ومن غير أصدقاء كذلك، وهؤلاء وأمثالهم إنما يقضون أعمارهم في الدنيا كالضيف العابر لا يهيئ لنفسه قرارا، ولا يترك خلفه أثرا.
وموقفهم بإزاء الأمور سلبي لا يحسب له حساب.
وقد قال شاعر جرئ لواحد من هؤلاء:
(إذا أنت لم تنفع فضر فإنما .. يرجى الفتى كيما يضر وينفعا)!
أما أصحاب المواهب الكبيرة،
والرسالات الخطيرة، فيستحيل أن يخلو طريقهم من الأعداء المتربصين، والخصوم الحاقدين الذين إن وجدوا خيرا دفنوه. أو لحظوا شرا أذاعوه، وإن إستطاعوا إدارة خصومتهم على غير قانون من خلق أو شرف فعلوا غير مبالين، إذ لا هم لهم إلا إشباع نفوسهم المحرجة، وإرضاء صدورهم الموغرة.
وقديما كفر قوم بالله واليوم الآخر، لا لشيء إلا لأن قلوبهم أكلها الغل الكامل فأصبحوا يحيون من غير قلوب! وفي هذا يقول الله عزوجل:
(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك
هاديا ونصيرا).
إن لرسالات السماء أعداء موغلين في الخصام، لهم بيان حسن ومقالات مزخرفة، وإغترار بالباطيل، وتأميل في نجاحه وكسب المعركة به. وأعداء الإسلام من هذا القبيل لن ينقطعوا، ولن يهادنوا. والواجب أن لا نتوجس من هذه الخصومات،
أو نعتبرها عقبات كئودا أو نتشاءم من الحياة، لأنها إتسعت لنذالة الحاسدين والشانئين،
بل الطريقة المثلى أن نأخذ من ذلك مددا ندعم به أنفسنا، ونذكي به مشاعرنا ونحكم على ضوءه أمورنا. ثم لنمض بعدئذ إلى غايتنا المرسومة، لا نفكر في أعدائنا إلا يوم يعترضون سيرنا، ولا نتعرض لهم إلا لكي نواصل هذا المسير إلى نهايته المنشودة.
(الشيخ محمد الغزالي، كتاب تأملات في الدين والحياة).
وسوم: العدد 856