إيناس وبيان خمّاش مجرد أم وطفلتها؟ ماذا لو أن حماس قتلت إسرائيلية حاملا وطفلتها؟
إلى اوري افنيري. في الوقت الذي فاض فيه التعطش للدماء حتى بلغ السيل الزبى، وفي الوقت الذي غرد فيه شمعون ريكلن: «يهمنا أن تقتلوا أكبر عدد من المخربين حتى تتفوق صرخات عائلاتهم على رغبتهم في القتل المرضي»، وفي الوقت الذي فيه يوآف غالنت، الشخص الملطخة يداه بكثير من الدماء في غزة، خفف دعوته: «سأقوم بملاحقة أعدائي وسأصل إليهم ولن أعود حتى أن يتم فناؤهم»، وكذلك في الوقت الذي كتب فيه يئير لبيد: « يجب على الجيش الإسرائيلي أن يضربهم بكل ما في استطاع من قوة دون تردد ودون تفكير».. في هذا الوقت قتلت إيناس وبيان خماش.
أم وابنتها: ايناس (23) عامًا، وهي في الشهر التاسع من حملها، وبيان طفلة لها من العمر سنة ونصف، كان قتلهما صاروخ سقط على منزلهما الذي هو شقة مستأجرة مكونة من طابق واحد في دير البلح. والد العائلة محمد أصيب بجروح بالغة. قتل الأم وابنتها لن يشبع ولو القليل من هؤلاء المتعطشين للدماء في الشبكات الاجتماعية. وبصعوبة حظي هذا الخبر بالذكر في وسائل الإعلام الإسرائيلية. إن إلغاء حفل زفاف في «سدروت» أشغلها أكثر! هذا دائمًا هو سلم أولويات إسرائيل. ما من ضرورة لكتابة تقارير موسعة عن معاناة سكان بلدات غلاف غزة، وثمة تجاهل مطلق للضحايا في الطرفين، حتى قتل أم حامل وطفلتها، وهذا كله فعل نابع من التعاون في تجاهل الحرب، وكذلك فإن اللامبالاة المطلقة للجمهور لكل عملية قتل، إلى جانب التعطش للدماء الذي تحول إلى أمر سليم سياسيًا، تدل على الدونية التي لم يكن لها مثيل.
لا يصعب تخيل ما الذي كان سيحدث في البلاد وفي العالم لو أن حماس قتلت امرأة إسرائيلية حامل وطفلتها. ولكن إيناس وبيان فلسطينيتان من دير البلح. صورة في وكالة «رويترز» في «نيويورك تايمز» أظهرت نُواح نساء العائلة. صهر وعم الأم وطفلتها، كمال خماش، قال: «لقد كانوا مواطنين في بيتهم يحلمون بطفل آخر سيولد في الأيام القريبة القادمة». هل هناك إسرائيليون نظروا إلى أعزائهم وتخيلوا رعب قتل أم حامل وطفلتها وهي تحتضنها بين ذراعيها؟ هل خطر ببال أحد فكرة أن إيناس وبيان (أم حامل وطفلتها) مثلهما مثل الجارات اللواتي في البيت المقابل، مثل البنت والحفيدة، مثل الزوجة والابنة. هل ثمة أفكار كهذه يمكن أن تخطر ببالهم إزاء موجات رفع الصفة الإنسانية والدعاية وغسل الأدمغة التي تبرر كل عملية قتل وتتهم كل العالم، باستثناء من ينفذها أمام وسائل الإعلام التي في معظمها تريد فقط رؤية المزيد من سفك الدماء في قطاع غزة وتفعل كل ما في استطاعتها في استمرار تدفق هذه الدماء، أمام التبريرات المعتادة بأن الجيش الإسرائيلي لم يكن في نيته في أي يوم المس بامرأة حامل وطفلتها، ويقوم بذلك المرة تلو الأخرى ومرارًا وتكرارًا ـ هل ما زال هناك احتمال لأن يهز قتل الأم وابنتها أي أحد هنا؟ وهل سيؤثر على أحد ما؟
منذ 12 سنة تقريبًا وغزة مغلقة أمام المراسلين الإسرائيليين بتعليمات إسرائيلية، والصحف الإسرائيلية المناضلة تتقبل هذا بخنوع وحتى بسرور. كم تمنيت الآن الوصول إلى بيت إيناس وبيان كي أروي قصتهما، ولكي أذكر القارئ بأنهما كانتا من البشر. هذا أمر صعب جدًا في الأجواء السائدة في إسرائيل.
في إحدى زياراتي الأخيرة لغزة في أيلول 2006 وصلت أنا والمصور ميكي كارتسمان إلى بيت عائلة حماد في مخيم البرازيل للاجئين في رفح. فجوة كبيرة فتحت على بعد مئات الأمتار من بيت الصفيح البائس الذي دخلناه. في ظلام الغرفة رأينا كرسيًا متحركًا محطمًا وامرأة معاقة ملقاة على الأريكة. قبل بضع ليال سمع أبناء العائلة صوت الطائرات في السماء. باسمة (42 سنة) في حينه كانت مشلولة الأطراف تنام على سريرها الحديدي، أسرعت تنادي ابنتها الوحيدة دام العز (14 سنة) كي تدخلها إلى سريرها وتحميها من أي سوء، لكن قطعة من الباطون طارت عليهما وقتلت دام العز، البنت الوحيدة التي نامت وهي بين ذراعي والدتها.
منذ قتل إيناس وبيان وأنا أفكر بدام العز وأمها.
وسوم: العدد 785