مواجهة حقيقة الأسد في سورية
فرانك جي. ويسنر
وليسلي اتش.جلب
ان سياسة الولايات المتحدة تتعرض للاستنزاف في سورية على الصعيدين الديبلوماسي والعسكري. والخيار المطروح هو: تعاملوا مع الأسد والا ستفشلون.
ان المؤتمر السوري الجارية أعماله في جنيف لنقل السلطة من الرئيس الأسد سيفشل، وفريق أوباما يعرف ذلك. فليس هناك حافز الآن لا لدى الأسد ولا لدى معسكر الثوار للقيام بتسوية ديبلوماسية، والولايات المتحدة تعلم ذلك. ان شيئا مما تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها او تخطط له لن يرغم الرئيس الأسد على التنحي ، والبيت الأبيض يفهم ذلك جيدا. ان الحقيقة على الأرض اليوم هي ان الثوار المعتدلين الذين تدعمهم أمريكا مستمرون في التخبط ، في حين تزدهر قوات الأسد و يزدهرالجهاديون المتطرفون. يرى مسؤولوا أوباما هذا أيضا ويدركون أن لا شيء مما يقومون به او من المحتمل ان يقوموا به سيغير هذه الحقائق.
لذا، فاذا ما فهم الرئيس أوباما ان ما يقوم به الآن سيفشل، فلماذا يستمر في القيام به؟ والجواب هو في كون ادارة اوباما لا ترى بديلا متاحا. فمسؤولي اوباما لا يتحملون ببساطة فكرة وضع ايديهم في يد الأسد، ولو مؤقتا وحتى لو كان ذلك من أجل قضية محاربة الجهاديين الصائبة. وهم ببساطة لا يرون أي طريقة لاجبار الثوار المعتدلين على العمل مع الأسد، حتى لو كان ذلك ضد المتطرفين المريعين.
ولكن هناك بديل قد يكون متاحا. وهو لا يبدأ وحسب بفهم ان الطريقة الحالية فاشلة، بل بكون تكاليف فشل سلطة الولايات المتحدة في منطقة مهمة من العالم ستكون باهظة للغاية. وهي تبدأ بادراك ان على واشنطن ان تدفع الثوار المعتدلين و الأسد (بمساعدة روسيا) الى وضع مشاعر الكراهية المتبادلة لديهم جانبا، والتركيز على ما يريان كلاهما انه الخطر الأكبر ذا المدى الأبعد عليهما كليهما – والذين هم الجهاديون.
الخطوة الأولى هي ان يقوم فريق اوباما باعادة تحديد أهداف الولايات المتحدة بدقة وفي العلن. وينبغي ان يكون الهدف الأول والرئيس ايجاد و دعم التعاون ما بين نظام الأسد والثوار المعتدلين ضد الجهاديين المتطرفين، التهديد الأكبر لجميع السوريين وجيرانهم. يجب ان تكون هناك اتفاقية فعالة بين المعتدلين في سورية وبين حكومة الأسد، حتى لو اشتملت على الأسد، على الأقل في الوقت الحاضر. هذا الهدف الجديد سيخدم كذلك اولوية ثانية سبق وبرز للولايات المتحدة وهي انشاء نطاقات انسانية في سورية للتخفيف من معاناة الشعب السوري المروعة. وكلا الهدفين - وهذا أمر يجب التأكيد عليه – يستوجب او يستلزم اجراء تسويات سياسية متسرعة في جنيف في موضوع الحكومة المؤقتة او المستقبلية.
لا الأسد ولا الثوار المعتدلون قريبون من القيام بهذه المغامرة السياسية، ولكن بامكان واشنطن ان تساعدهم لرؤية انهم يجب ان يكونوا مستعدين - في سبيل بقائهم هم – للانضمام الى القوات المعادية للجهاديين ولسحب اتباعهم السوريين من جنون المجاعة، والتشرد، وحالة اللجوء.
هذه الأهداف تتفق مع الحقائق في سورية والمنطقة، خلافا لمنهجية أوباما الحالية. انها متسقة مع أسوأ مخاوف كل من العلويين والثوار السوريين المعتدلين في داخل سورية ومعظم الأمم في المنطقة وما وراءها. هذه الأهداف تؤجل مصير الأسد وتجعل من الأكثر ترجحا ان يتم التوصل مستقبلا الى حدوث نوع من انتقال سلمي الى حكومة جديدة. ما تقوم به الولايات المتحدة الآن ليس سوى تطويل عذابات السوريين والاقليم بتسديدها فقط على الجهاديين، في حين ان تفريج كرب ملايين السوريين لديه الفرصة للنجاح.
ليس هذا خيارا يدعي الى السرور. في الحقيقة، انه خيار بشع، وذلك بالنظر الى خطايا الأسد. ولكنه مرتكز على الحقائق على الأرض في سورية وجيرانها الذين يهددهم الجهاديون. يوم الخميس، غشى وزير الخارجية جون كيري هذه الحقائق. فمن جهة، فقد أكد وكان محقا في ذلك على "أن علينا ان نتعامل مع الواقع هنا." الا انه، رغم ذلك، تهرب من الواقع بالاصرار على "ان لا سبيل هناك في المخيلة" للعمل مع الأسد. قد لا يتشارك البيت الأبيض خط كيري الغير متناسق هذا. فالمسؤولون هناك، بمن فيهم الرئيس، لم يكونوا في الأشهر الأخيرة قطعيين كما كان كيري في رفضهم لامكانية اقامة علاقة فعالة ما بين نظام الأسد العلوي/الشيعي والثوار السنيين المعتدلين الذين تدعمهم أمريكا. ربما بات البيت الأبيض يدرك الآن ان انطلاق الثورة السورية بداية كان مخالفا للصواب ومطلقا أكثر مما ينبغي. في تلك الأثناء، أعلنت ان هدفها الرئيسي كان ازاحة الأسد عن السلطة.ربما الآن، أصبح مسؤولو الادارة على استعداد لاضافة اتفاقيات فعالة لانتقال الحكم مع الأسد.
يمكن لهذه الغاية ان تتفق مع الوقائع في داخل سورية. بالتأكيد، جميع الأطراف يكره احدها الآخر. ولكن يمكن بناء قضية قوية على أساس ان الأسد والمعتدلين يخشون أو يجب ان يخشوا من الجهاديين أكثر مما يكره أحدهم الآخر.فالعلويون، ونصارى سورية، والأقليات الاثنية الدينية الأخرى تعرف ان الراديكاليين الاسلاميين سيستهدفونهم بأقصى قسوة وسيقضون على أمل في مجتمع متسامح و علماني. السنيون المعتدلون والذين يشكلون غالبية سورية، يدركون انهم لن يكونوا أفضل بكثير. فالمتطرفون سيؤسلمون ويضطهدون وطنهم الذي هو معتدل وعلماني في أكثره. لقد كانت الحياة تحت حكم نظام الأسد كريهة، ولكن الحياة تحت قيادة المتطرفين ستكون أكثر سوءا. ان على مسؤولي أوباما القيام بما هو أفضل بكثير وذلك بمساعدة السوريين على رؤية ان هذا المستقبل المروع يكن له ان يبذ ماضي الأسد (سوءا). بالطبع فان المعتدلين السوريين لا يستطيعون ان ينسوا او ان يضعوا جانبا الفظائع التي ارتكبها الأسد في السابق، ولكن يجب حملهم على التفكر في الفظائع التي يمكن لها ان تحدث في المستقبل كذلك.
في نفس الوقت، ولمحاولة تحريك الأمور في هذا الاتجاه المعادي للجهاديين،فان على ادارة اوباما ان تناضل بقوة أكبر على مسار آخر، مسار موجود فعلا أمامهم – وذلك بدفع العلويين والسنيين المعتدلين تجاه اقامة نطاقات وقف اطلاق نار انسانية فعالة لتقديم الغذاء والمعونة الطبية. فقد قوض غيلان الأسد حتى الآن مساع قليلة رئيسية كانت بهذا الهدف. لقد كانت تكتيكاتهم تقتضي استخدام هذه التدابير لتوسعة سيطرة دمشق. على كل من روسيا والولايات المتحدة حمل الأسد على ان يعي انه سيكون من المستحيل ابرام اتفاق فعال مع حكومته ضد المتطرفين تحت ظروف كهذه. وهناك مؤشر هام على ان موسكو ستدعم هذه المقاربة. في نفس الوقت، فإن على واشنطن دفع الثوار المعتدلين للمساهمة في تعاون انساني من هذا النوع مع الأسد. فشعبهم ومؤيدوهم هم أكثر من يعاني وهم أكثر من سينتفع من فرض نطاقات انسانية. فائدة أخرى من أمر كهذا ستكون القاء الضوء على وحشية الأسد، في حال لم يتعاون بشكل حقيقي مع النطاقات الانسانية المفروضة. انها ليست امرا كبيرا، ولكن الضغط الروسي يمكن ان يساعد.
لا تستطيع الولايات المتحدة توقع المساعدة في هذه الطريقة الجديدة المستندة الى الواقع، لا تستطيع توقع المساعدة من السعودية العربية ودول الخليج الأخرى مثل قطر. فهذه الدول الخليجية عمياء في معاداتها للشيعة وللأسد الى درجة أنها كانت تدعم المتطرفين الاسلاميين. بالنسبة اليهم، فان أي استمرار للأسد ولأي فترة من الزمن تعني انتصار شيعة ايران، والتي هي عدوهم الأكثر شرا. ينبغي على اوباما ان يقوم بمحادثات قوية مع الرياض لتوضيح وجهة نظرة. مع ذلك،لا ينبغي توقع الكثير، حتى يتم اقناع الرياض بأنه (الاتفاق) يستطيع ضم سياسات ناجحة في المنطقة.بالتأكيد، فان اعداد سياسة معادية للجهاديين في سورية سيكون أسهل كثيرا مع تعاون الرياض، ولكن يمكن القيام بذلك دون مساعدة السعوديين والآخرين. والقادة الاسرائيليين الذين يحتقرون كلا من الأسد والجهاديين، لن يتدخلوا على نحو غير ملائم.
معظم الدول الأخرى سترحب بمسعى تقوده الولايات المتحدة تكون فيه فرصة كبيرة لحشر الصراع السوري وامتداده في الداخل. الأردن وتركيا ولبنان، والذي بقاؤه هو موضع تساؤل فعلا، يريدون بشدة وضع حد لطوفان اللاجئين الذي ينصب في بلادهم وللثورة الاسلاموية المحتملة . لقد بدأت أمم أوروبية كبيرة العمل مع الأسد فعلا، خصوصا في عمليات استخباراتية مشتركة ضد المقاتلين الاسلامويين الذين يتخذون من أوروبا مقرا لهم. ربما ترحب ايران بالمشاركة في أي خطة تحمي العلويين في المستقبل. الأكثر أهمية، ان بامكان روسيا، ويتوجب جعلها مشاركة في هذه الخطة. ان موسكو واعية تماما حيال الروابط ما بين الجهاديين السوريين والارهابيين المسلمين لديها. في الحقيقة، فان تهيئة اتفاقية ناجحة ما بين الأسد والسنيين المعتدلين ينبغي ان تكون مبادرة روسية – أمريكية مشتركة.
مع وجود ائتلاف كهذا من القوى الخارجية لمساندة اتفاقية فعالة ما بين الأسد والمعتدلين ستكون هناك فائدة أخرى – أساسا من أجل استراتيجية عسكرية وديبلوماسية متينة. وسيكون هناك ترحيب أكبر ما بين الولايات المتحدة وحلفائها بتقديم أسلحة أكثر وأفضل للمعتدلين. سيرسل هذا التحرك كذلك رسالة مفيدة لمعسكر الأسد. كذلك ستوفر العلاقة الفعالة أرضية عمل لاتفاقية تشارك السلطة في المستقبل ما بين العلويين والسنة. في البداية، لن يكون هناك حاجة لقول شيء حول مصير الأسد. يستطيع الوس، والايرانيون، والعلويون ان يقولوا انه ليس هناك اتفاقية على التخلص من الديكتاتور. ويستطيع المعتدلون ان يصوروا الاتفاقية كممر لرحيله. في الحقيقة‘ فان خروجه سيكون أسهل فيما لو شعر العلويون بضمان انه لا ينتظرهم حمام دم. في نفس الوقت، فانهم لو تعاونوا، فان كلا من العليين والسنة المعتدلين سيكونون قد فعلوا شيئا، في النهاية، من أجل الكارثة الانسانية السورية.
المطلب السابق على هذا هو ان تقوم الولايات المتحدة بتأجيل المساعي الحالية للتوصل الى نوع من الانتقال السياسي ما بين السوريين. فهذا جسر بعيد المنال للغاية الآن. والمطلب السابق (عليه) للولايات المتحدة صياغة علاقة فاعلة ما بين المعتدلين وحكومة الأسد لقتال التهديد الجهادي الأعظم. والمطلب الأولي هو ان تقوم الأطراف في سورية باظهار بعضا من احترام النفس ويقوموا بانقاذ شعبهم.
فرانك جي. ويسنر مساعد وزير الخارجية والدفاع سابقا وسفير سابق الى زامبيا، ومصر، والفيلبين، والهند.
ليزلي اتش. جلب، والذي هو كاتب عمود سابق في (النييورك تايمز) ومسؤول حكومي كبير، وهو مؤلف : (قوانين القوة: كيف يمكن للحس العام انقاذ السياسة الخارجية الأمريكية (طبع دار هاربر كولينز، 2009)، و هو كتاب يظهر كيفية التفكير واستخدام القوة في القرن الحادي والعشرين. وهو رئيس متقاعد لمجلس العلاقات الخارجية ولكنه ما زال يحتفظ باللقب.
عن أخبار العالم