إعدام عبان رمضان كما يراه لخضر بن طوبال
مقدمة المترجم
جاء في مذكرات لخضر بن طوبال، الجزء الثّاني: "غزو السيادة":
Daho Djerbal "LAKHDAR BENTOBBAL، LA CONQUÊTE DE LA SOUVERARINETÉ", CHIHAB ÉDITIONS, mars, 2022, Alger, Algérie, Contient 305 Pages.
وتحت عنوان: "مسألة عبان رمضان"، الممتد عبر صفحات: 41-61، تطرّق لخضر بن طوبال إلى عبان رمضان، قبل إعدامه، وبالتّفصيل.
وعبر عنوان: "إعدام عبان"، الممتد عبر صفحات: 49- 53، تطرّق إلى إعدام عبان رمضان. وهذا هو الجزء الذي قمنا بترجمته.
وعبر عنوان: "بروز كريم"، الممتد عبر صفحات: 53- 61، يتحدّث عن الذين أعدموا عبان رمضان، ومنهم كريم بلقاسم. وقد قمنا بترجمة الجزء المتعلّق بعلاقة كريم بإعدام لعبان.
النصّ المترجم
لكي نعود للوقائع التي تمسّ عبان، طرح مشكل عبان على CCE والذي لم يفعل شيء. استمرّ عبان في تطوير علاقاته. واجتمعت إذن المجموعة. وهم: كريم، بوصوف، محمود شريف، وأنا. وبالنسبة لأوعمران، لااتذكر جيّدا، هل كان في القاهرة، أو ترك لنا وكالة للتصرف باسمه. على كلّ حال، كان يثق فينا ثقة كاملة، وقال لنا، بأنّه يوافق على كلّ القرارات التي سنتّخذها.
استدعينا عبان. كانت دعوة صارمة، وليست كالدعوات المعتادة، للاجتماعات العادية. نقلناه إلى سكن (villa de Belvédėre), بتونس، والتقينا مع إحدى مداومات CCE. طلبت منّي المجموعة أن أتحدّث باسمها وفي حضورها. عبان كان هنا، والاجتماع لم يدم غير بعض الدقائق، وهذا ماحدث:
قلت له: حذّرناك منذ البداية، لكنّك لم تتوقف عن العمل التخريبي، والتشويه الذي اتّبعته، كالاجتماعات التي تنظّمها داخل صفوف الجيش، والسياسة الشخصية التي تتّبعها ضمن أعمدة d'EL Mmoudjahid. ونفس الشيء بالنسبة للوصايا والتعليمات التي تقدّمها للاتّحاد العام للعمال الجزائريين دون استشارتنا. كلّ هذا، ورفضت أن تتوقف. طرحنا مشكلتك على CCE، لكن الأعضاء الآخرين رفضوا تحمّل مسؤولياتهم. حاليا نحن الذين سنتخذ القرار. نعلمك، وهذا آخر إنذار، مهما كانت قوتك، ومهما كانت شخصيتك أو الوقار الذي تستفيد منه، لاتعتقد أنّ هذا سيحميك أو يجعلنا نخاف منك. وهذا آخر اجتماع نعقده معك. إمّا أن تتوقّف وتبقى عضو في CCE، مثلنا جميعا، أو لاتتوقف وسنتّخذ حينها مسؤولياتنا، ومهما كانت.
لم يقل شيئا ذال بال.
- هل لأنّه انغمس في الخطإ؟
- مانقوله، يعتمد على أدلّة. إنّها وقائع ورجال جاؤوا لرؤيتنا لأجل الشهادة.
افترقنا على هذا الأساس. رفضنا بدورنا الدخول معه في نقاش. قلنا له لم نحضر لأجل المناقشة، لكن لتقديم آخر إنذار رسمي، قبل أن نجبر لاتّخاذ قرارات ضدّك. ولا نتحمّل مسؤوليتنا ابتداء من هذا اليوم.
رغم كلّ هذا، استمرّ عبان في التصرف كما كان يفعل من قبل واجتمعنا من جديد في CCE في جوّ ثقيل جدّا. هنا، اشتكى منّا أمام الأعضاء الآخرين للجنة.
- بعض أعضاء اللّجنة استدعوني وهدّدوني. عليك أن تتّخذ قرارا. إذا حدث مكروه، إذا ألحق الأذى، ستكون المسؤول.
- اجتمعنا معه لأنّك رفضت أن تتحمّل مسؤولياتك، طلبنا منك أن تقنعه بالتوقف عن عمله المفرّق. إذا استمرّ، سنجتمع جميعا لاتّخاذ الإجراءات المشتركة، وإلاّ اعتبرنا أنفسنا الوحيدين المدافعين عن الثّورة. في هذا الظرف، لانأخذ في الاعتبار لا هو ولا أنت. مهما كانت النتائج، سنقبلها. وحين نكون أمام CNRA، تحدّث إذا شئت.
لم يتدخل أحد. لاأدري هل كانوا خائفين لكن لا أحد نصح عبان بالتوقف عن نشاطاته ولا أحد اتّخذ قرارا.
أصرّ عبان على سلوكه مدّة شهر تقريبا. اجتمعنا، آخر مرّة، دونه. قررنا تدبير حجة السفر للمغرب، نبعثه هناك، وبمجرّد مايستقرّ هناك، وإذا استمر على عملّه المفرّق، سنسجنه. وبمجرّد مايتم تحييده، سنكوّن ملف، وبعد أن نطلب من الأعضاء الآخرين ل CCE ليقرّروا، نمرّر الملف للمحكمة الثّورية.
فكّرنا في المغرب لأنّه لايملك أيّ دعم. لايمكنه الاتّصال بأحد ولا يمكنه الاستفادة من أيّة مساعدة، لا من فدرالية فرنسا، ولا من الاتّحاد العام للعمال الجزائريين، ولا d'EL Mmoudjahid، ولا بعض العناصر من الولاية الأولى أو الرّابعة، لاشيء. في تونس، الأمر مغاير، الفوضى سائدة وكلّ شيء محتمل.
في هذا الاجتماع، كنّا ثلاثة فقط، كريم، محمود شريف، وأنا. كريم لم يقاسمني وجهة نظري. كان مع إعدام عبان، وتصفيته جسديا. محمود شريف أيضا. قدّم لي كريم أدلّة أخرى:
- أنا قادم من القاهرة حيث التقيت ببوصوف. لابد أن تنتخب معنا لأنّ بوصوف معنا.
هنا، أجبته بعنف.
- بن طوبال لم يستعمل عقل بوصوف ليفكر. بوصوف وحده وأنا لوحدي، وأمام التّاريخ، لايقولون بوصوف، لكن بن طوبال وبوصوف، كلّ واحد منهم مسؤول باسمه على القرارات التي سيتّخذها.
عاد كريم للهجوم.
- أوعمران، الذي التقيته أيضا في القاهرة، حدّثني أنّ عبان عدو، وخطر على الثّورة وهو مع تصفيته جسديا.
علمت فيما بعد، وعبر عدّة أشخاص، أنّ أوعمران انتقد قرار إعدام عبان. في الحقيقة، طلبوا رأيه وكان موافق بشأن إعدامه. والتقيت به حينها وهذا أتذكره. كان مع إعدام عبان، دون أدنى شكّ. من الدناءة التنكّر لهذا فيما بعد.
خارج هذا، محمدي التحق للتو بالخارج ووصل إلى القاهرة. كريم نقل لي الحديث الذي أجراه معه. قال محمدي بالتّفصيل:
- إذا لم تقتل عبان، سأقتله بنفسي. لايجب تركه ليذهب بعيدا.
يتحدّث محمدي باسم الولاية الثّالثة. لم يكن لاعضو في هيئة الأركان ولا GPRA لأنّها لم تكن أنشئت بعد. أمّا أنا بقيت الوحيد المعارض لطريقة موت عبان المقترحة .
كنت دائما أعتقد -وأعيدها أمام التّاريخ- أنّ عبان يستحقّ الموت، وما زلت أتمسّك بموقفي حاليا، لكن مالا أقبله، لا لعبان، ولا لآخر، أنّ هذا سيخلق سابقة غاية في الخطورة حيث يمكن أن يكون ضحيتها أيّ قائد للثورة.
- إذا كنّا مع الحق وأنّ عبان يستحقّ أن يمثل أمام المحاكمة، لنكوّن ملف، ويضم كلّ الوقائع التي تدينه. بما أنّ الحقّ معنا، ولا نخشى حينئذ من اتّهامه. وإذا حكمت المحكمة بإعدامه، لأنّه يستحقّ ذلك سيمر حينئذ عبر المقصلة.
افترقنا على هذا، وجهات نظرنا كانت واضحة. كريم، أوعمران وبوصوف، أكّدوا لي ذلك فيما بعد، كانوا مع إعدام عبان. بالنسبة لي، كنت ضدّ. الأعضاء الآخرين لCCE يجهلون تماما قرارنا. ثمّ كريم، الذي بدا لي أنّه تراجع قليلا عن موقفه. قال لي على كلّ حال سنخبر عبان بمجرّد مايصل إلى المغرب.
كنت إذن متواطئ فيما يخصّ ذهاب عبان إلى المغرب. وأنا بنفسي من أخبرهم بالمهمة التي سينجزها مع كريم ومحمود شريف تجاه الحكومة المغربية.قبل بالمبدأ خاصّة وأنّ مشاكل عدّة تحتاج لحلّ مع المغرب. كنّا بحاجة إلى أسلحة وجنودنا كانت لهم عدّة اشتباكات في جنوب المغرب مع جيش التحرير لبن بركة و أولبصير. كان هناك عدّة ضحايا في صفوفنا والقضية يمكنها أن تنفجر في أيّ وقت إلى حرب حقيقية مفتوحة مع المغرب. لنا شعور أنّ هذا يحدث خارج سلطة الملك، وأنّ الملك بنفسه، له مشاكل مع جيش تحرير المغرب.
ذهب الثّلاثة كلّهم، وتركوني لوحدي بتونس لضمان مداومة CCE. كنت قلقا جدّا لأنّي لم أكن متيقنا أنّ كريم سيتراجع عن قراره.
أربعة أو خمسة أيّام فيما بعد، تسلّمت رسالة من اللاسلكي يخبرني بعودته من تونس. في المطار، حيث ذهبت لاستقباله، التقيت بمحمود شريف الذي نزل الأوّل:
- ماذا حدث لعبان؟
- عبان مات.
- ورغم ذلك تعرفون موقفي. قلنا بأنّه لايجب إعدامه.
- بوصوف أجبرنا على إعدامه.
- لكن بوصوف لايمكن أن يقرّر دونكم! ذهبت بنفسك من هنا وأنت متّفق على هذه النقطة!
ارتفاع الأصوات والصراخ أجبروا محمود شريف على توقيف المناقشة.
- اصمت، كلّهم يسمعوننا. انتظر حين نصل للمداومة لنتحدّث.
ثمّ كريم التحق بنا. سألته بدوره.
- عبان مات؟
- نعم، مات. لنذهب إلى المكتب حتّى يسمع بعضنا بعضا.
ذهبنا مباشرة إلى المداومة حيث اجتمعنا نحن الثّلاثة، والجلسة مفتوحة.
- على كلّ حال، ارتكبت خطأ خطيرا جدّا، لاأعرف بوصوف بمفرده، أعتبركم للثّلاثة مسؤولون على موت عبان لأنّكم كنتم حاضرين للثلاثة. ذهبتم من هنا ضدّ أيّ إعدام لايصدر عن المحكمة وكنتم ثلاثة.
في هذه الأثناء فقط اتّخذت المسؤولية الرسمية لكشف الوقائع. قلت بأنّني كنت ضدّ القرار. وكان بإمكانك مسك القضية على الأقلّ للحفاظ على مظهر الفريق المتضامن، حتّى ولو كان هذا خطير جدّا ومزعج بالنسبة لي. ألزمت نفسي الصمت لأنّه لم يكن شخصي هو المهم. تحدّثت حين أشرفت الثّورة على نهايتها.
بروز كريم
فهمنا في هذا الوقت، أنّه بالنسبة لكريم، فإنّ إعدام عبان لم يكن للحفاظ على الثّورة بقدر ماكان ضدّ زوال شخصية مقلقة بما فيها حضورها المضاد لمشاريعه. كريم لم يكن بوسعه السّيطرة على الثّورة مادام عبان هنا.
الآن بما أنّ عبان غير موجود، أصبحت الأمور تتّضح شيئا فشيئا.
طرحت حالة عبان على اجتماع CCE. المدنيين من أعضاء اللّجنة استنكروا دون تحفظ إعدامه.
حين وصل بوصوف إلى تونس، طرحت موضوع عبان، أخبرني أنّهم جميعا كانوا متّفقين على اغتياله.
- بوصوف: اجتمعنا نحن الثّلاثة وقلت لهم هل هم متمسّكون بالقرار الخاصّ بعبان. أجابوا نحن متمسّكون بقرار اغتياله ولن نتراجع أبدا. وأنّك ضدّ القرار. وكانوا يحملون موافقة محمدي الذي يمثّل الولاية الثّالثة وأوعمران.
- يقول محمود شريف أنّك المسؤول الوحيد على اغتيال عبان، وأنّك لم تترك كريم يجتمع معكم.
- لاأساس للصحة في كلّ ماذكرت. اجتمعنا نحن الثّلاثة وطلبت منهم في أكثر من مناسبة تأكيد قرارهم وأكّدوا ذلك. وبما أنّي أشرف على المنظمة في المغرب فإنّه يعود لي تننفيذ ماجاء في القرار.
علاوة على ذلك كريم لم يتراجع عن مسألة اغتيال عبان. وكريم لم يعد يوما في قراره الخاص باغتيال عبان، عكس محمود شريف الذي قال أنّه أجبر على ذلك بالقوّة.
وسوم: العدد 976