جان جاك روسو
عبد العزيز كحيل
يعتبر جان جاك روسو واحداً من أبرز مفكري القرن الثامن عشر بفرنسا لإسهاماته الكبرى في "التنوير" والتمهيد للثورة الفرنسية التي أثرت بدورها في أوروبا أوّلاً ثم في القارات كلها
كان روسو عالماً موسوعيا له عطاء كبير في أكثر من ميدان، فقد كان مفكرا سياسياً وعالم أخلاق وعارفاً بالفنون والآداب ومتضلّعاً في علم النبات، وتركزت شهرته في الفكر السياسي والتربية.
روسو المفكر السياسي: جمع أفكاره الجديدة في كتابه المشهور "العقد الاجتماعي" الذي مازال إلى اليوم من أهم المراجع في مجاله، وقد حوى نقداً علميا للإقطاع الذي كان سائداً في أوروبا ولهيمنة الكنيسة ، ودعا إلى إقرار سلطة الشعب وإشاعة الحريات وتحقيق المساواة بين المواطنين، وهي أفكار جديدة بل غريبة آنذاك توبع من أجلها من طرف رجال الدين والإقطاعيين وهرب من بلده وعاش في المنفى أكثر من مرة ، وقد استقى أفكاره مما يسميه "القانون الطبيعي" بعد أن درس الأديان السماوية والأرضية ونفض يديه منها باستثناء الإسلام فهو لم يوجه له أي نقد بل انتقد تخلي المسلمين عن هديه، فقد نقد اليهودية باعتبارها ديناً منغلقاً وطال نقده الإغريق والرومان بسبب انحرافهم وفسادهم الأخلاقي، وعرى المسيحية وأبدى رفضه لهذه الطلاسم التي تصدم العقل _ويقصد التثليث وازدواجية عيسى عليه السلام "الإنسان الإله"_، أما بالنسبة للإسلام فقد كتب ما يلي "كان لمحمد آراء سليمة جدّاً وربط نظامه السياسي جيداً، وقد بقيت هذه الحكومة موحدة وجيدة طالما تمسك بها خلفاؤه، لكن العرب أصبحوا بعد ذلك مزدهرين متعلمين مترهلين وجبناء فاحتاجهم البرابرة فدبت الفرقة بينهم وإن كانت أقل ظهوراً عند المحمديين منه عند النصارى وخاصة عند شيعة على، وهناك دول مثل فارس مازالت فيها هذه الفرقة ملموسة".
فقد أنصف الإسلام وكأنه يلمح إلى أن النظام السياسي الإسلامي نظام صالح في ذاته لكن بعض الناس أفسدوه، وهو لم يذكر للأديان الأخرى مثل هذه الإيجابية.
لا شك أن روسو تأثر في تفكيره "التحريري التنويري" بعدد من الفلاسفة أمثال هوبز ولوك ومكيافيللي وديكارت، ففكره ينطلق من عدد من المبادئ المبنية على العقل.
وأثر بدوره في عدد لا يحصى من الفلاسفة والمفكرين أمثال كانت وهيجل، وارتبط اسمه بالثورة الفرنسية وقد توفي قبل قيامها بسنة واحدة ولم يعمر سوى 66 عاماً. ولا بد من التوضيح أنه لم يدعُ إلى الثورة وإلغاء الملكية وإقامة الجمهورية ولكنه ركز على منح الحقوق للجميع بالتساوي في إطار عقد يتوافق عليه المواطنون وتستمد منه الحقوق والواجبات بالنسبة للحاكم والمحكومين، ولكن الخروج على نظرية الحكم الإلهي الذي يتمتع به الملوك في ذلك الوقت والمناداة بحق الأمة وسلطة الشعب يعتبر في حد ذاته ثورة فكرية لم يسبق إليها
روسو المربي: إذا كان كتاب "العقد الاجتماعي" أهم ما كتب روسو في الفكر السياسي فإن له كتاباً آخر ترك هو أيضاً بصماته على الحياة الفرنسية وأثار كسلفه موجة من ردود الفعل عند صدوره، إذ حكمت محكمة بإحراقه واعتقال مؤلفه، ذلك هو كتاب "إيميل أو التربية" و"إيميل" اسم لفتىً يفترض أن روسو يقوم بتربيته منذ ولادته وحتى يصبح رجلا بناءً على قواعد تربوية جديدة وغير معهودة في بيئة ذلك الزمان مما اعتبر هو الآخر ثورة لكنه دخل بعد ذلك في المنظومة التربوية العالمية.
ولِجان جاك روسو كتب أخرى أهمها: "الاعترافات" و "تأملات المتجول المنفرد".
ومثل كل هؤلاء العظماء فقد تباينت آراء الناس في روسو إلى حد التناقض الصارخ، ففي حين اعتبره منجلون قديساً حكم كل من المفكر الكبير ديدرو والإمبراطور نابليون بونبارت بأنه مجنون، وجزم شينيي بأنه نبي بينما قال سانت بوف إنه مرشد خطير.
فهل اجتمع فبه كل هذا؟