ليس ردا على الأمير تشارلز بل بناء عليه
الإنسان هو المستهدف في مهد المسيحية ...
المسلم كما المسيحي
زهير سالم*
في مطالعة نشرت اليوم الاثنين / 26 / 5 / على صفحات جريدة الشرق الأوسط اللندنية تحت عنوان ( محنة المسيحيين في الشرق الأوسط – مهد المسيحية ) عبر ولي العهد البريطاني عن قلقه البالغ على مصير المسيحية والمسيحيين في مهد المسيحية مشيرا إلى تناقص عدد المسيحيين في مهد المسيحية إلى 4 % فقط من مجموع السكان ..
ربما من الخير الذي يجب أن نبدأ به أن نعترف للأمير ولي العهد البريطاني أن جهده منذ ربع قرن لتجسير العلاقات بين المسلمين والمسيحيين جهد متابع ومقدر ومشكور . وأنه حينما يتقدم بمبادراته الإيجابية والبناءة على هذا الصعيد فإن الدعوة إلى القسط والعدل تبلغ عقولا وقلوبا وتثمر خيرا وعطاء .
وربما من الأهم في السياق ذاته أن نضم صوتنا إلى صوت سمو الأمير بأننا نحن أيضا – مسلمي الشرق - يهمنا ما يهمه ويقلقنا ما يقلقه ما تناقص تعداد إخواننا المسيحيين في مجتمعاتنا ، وتآكل وجودهم البشري ودورهم الريادي . وأننا وإياهم في الابتلاء بطغيان الأشرار سواء . ويجدون أصواتا مثل صوت الأمير تذكر بهم ولا نجد !!!!
بعض الذي نريد أن نؤكد عليه هو أن النازلة التي نزلت في ديارنا فعمت وطمت وكان للوجود المسيحي في الشرق حظه منها ؛ تفاقم شرها وبلغت ذروتها بشكل خاص في القرن العشرين الذي هو القرن ( المسيحي ) بامتياز بالنسبة لحكومات الشرق الذي يشير إليه سمو الأمير. فمنذ مطلع القرن العشرين فقد المسلمون دولتهم . وقامت في بلادهم حكومات مجازة من الغرب المسيحي بشكل عام . وفي عهد هذه الحكومات بالذات تم الانهيار السياسي والمجتمعي الذي أصاب المجتمعات في مقتل وكان لللوجود المسيحي في الشرق حظه منها بشكل خاص ...
يذكر المؤرخون أن تعداد المسيحيين في سورية ، على سبيل المثال ، كان في مطلع القرن العشرين 35 % من مجموع السكان . وحين يذكر سمو الأمير أن العدد قد انخفض اليوم إلى 4 % فقط بفارق 30 % فعلينا أن نذكر أن القرن العشرين قد تقاسمه في سورية نظامان أساسيان هما المستعمر الفرنسي الذي حكم سورية لربع قرن ، ونظام بيت الأسد الذي حكمها حتى اليوم حتى اليوم قريبا من نصف قرن . وأن هذين النظامين هما اللذان يتحملان المسئولية السياسية الكاملة مع عوامل حضارية واقتصادية أخرى عن هجرة الناس من أوطانها وعن تآكل تعداد المسيحيين في الشرق ...
عمر التعايش الإسلامي – المسيحي في الشام عموما خمسة عشر قرنا من الزمان، ولو كان الإسلام أو المسلمون هم المسئولين حقا عن ظاهرة هجرة المسيحيين لما وجدنا وبحسب النسبة العددية نفسها في الشام مسيحيا خلال ثلاثة قرون من عمر هذا التعايش . أي من القرن الثالث أو الرابع الهجري . أو العاشر للميلاد . ولو كانت الروح الإسلامية نابذة أو أحادية كما كانت عند فريناندو وإيزابيلا لما وجدنا في الشام مسيحيا واحدا منذ أيام الفتح الأول ولذاب هؤلاء كما ذاب في أندلس الأمس وإسبانيا اليوم كل مغاير مسلم أو يهودي . ولو كان المسلمون انتقاميين أو ثأريين لما قام لكنيسة قائمة بعد الغزو الفرنجي – الصلبيي – ولما قرع ناقوس إلى جانب مئذنة ..
تأتي مقاربة الأمير تشارلز اليوم في أجواء الربيع العربي وفي سياق الحرب الدولية التي تشن على سورية الوطن والإنسان تدمير وقتلا وتهجيرا ، ولا نظن أحدا يرمي إلى تحميل الربيع العربي ولا الثورة السورية مسئولية ما جرى على المسيحيين خلال قرن من حكم الطغاة الظالمين المستبدين ..
نحن – المسلمين – لا حدود لإيماننا بقدسية السيد المسيح الرسول المعلم والمبشر ولا قدسية أمه الطاهرة البتول ، إيماننا بصدقيته من إيماننا بصدقية رسولنا محمد وإيماننا بسمو رسالته التي بشر بها من إيماننا برسالة الإسلام ..
ونحن – المسلمين – أسرع الناس استجابة لدعوة إلى خير وإلى وإلى قسط وإلى تعاون على البر ومد يد العون لكل الناس ...
ونحن – أبناء الشرق العربي – مفعمة قلوبنا بالإيمان وبالحب وبالنبل بأن أرضنا كانت وطن النبوات وأن على أرضنا درج من أولي العزم من الرسل : إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ...
اليوم والأطفال في سورية يذبحون وعشرة ملايين لاجئ سوري يملؤون فجاج الأرض كنا ننتظر أن تكون اللفتة في عالمنا إلى الإنسان المنتهك الضائع المضيع مسلما ومسيحيا عربيا وكرديا ...
نذكّر بالكلمة الرائعة لإيمانويل كانط في بسط مظلة السلام الدائم على المجتمعات ( أنت لا تستطيع أن تطالب بحق لا تقر به لغيرك )
أعطوا الناس ما تريدون منهم ولقد كنا على مر التاريخ الأوسع فضلا والأطول بالخير والبر والقسط يدا.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية