منطق الطير
يعود كتاب "منطق الطير" بطبعته الاخيرة الى واجهة الاحداث الادبية في فرنسا بعد تصدره لقائمه أعلى المبيعات في خانه كتب الادب الصوفي.وهذه الطبعة هي من ترجمه ليلي انفار استاذة اللغة والحضارة الفارسية في معهد الدراسات الشرقية في باريس.
يعد كتاب منطق الطير الشعري من عيون الادب العالمي وهو منظومة رمزية تبلغ ابياتها 4500 اسست للتراث الصوفي الفارسي، وكاتبه فريد الدين العطار هو الملهم لجل الكتاب الروحيين والصوفيين في العالم الاسلامي. أما الاهتمام الغربي بالعطار فهو يرجع الى ما قبل ثلاثين عاما وذلك بفضل عمل مسرحي لبيتر بروك اثار الكثير من السجال يومها ومن ثم بقيت العروض المسرحية المستوحاة من هذا الديوان تتوالى وبنجاح على الدوام.
تقول انفار ان روعة هذا النص تكمن علاوة على جماله الادبي والقصصي في انه يتحدث عنا وعن مصائرنا الروحية ويثير الكثير من الاسئلة حول معنى الحياة التي اجاد العطار الاجابة عليها وحقق لنصه خلودا عبر التاريخ.
ملخص الحكاية كما ترويها انفار
اجتمعت الطيور يوما ، وتساءلت لمَ لا يكون لها ملك كحال جميع الكائنات، ملك يضع النظام ويرتب امور حياتها على نحو افضل. فيتدخل طير الهدد ويقول انا مبعوث النبي سليمان وأعلم الطريق الى الملك ويعرض عليهم ان يكون دليلهم في الطريق اليه . يوافق الطيور على ان يكون الهدهد دليلهم وينطلقوا في رحلة البحث عن طائر السيمورغ(الذي يرمز الى الله ). خلال الرحلة يسرد الهدهد على الطيور السالكين القصص كي لا يداهمهم الاعياء والإرهاق امام اهوال الرحلة ويحثهم على مواصلة الطريق عبر الاودية السبعة التي ترمز الى المقامات السبع لدى اهل الصوفية ـوهي أودية الطلب والعشق والمعرفة، والاستغناء والتوحيد، والحيرة والفقر والغناء. إلا أن مصاعب السفر تؤدي الى هلاك وانسحاب الكثير منهم حتى انه لم يبقى من آلاف الطيور سوى ثلاثين طيرا قي نهاية المطاف . ولهذا العدد رمزية مهمة لأن العدد ثلاثون بالفارسي هو سي مورغ ، أي ان الطيور عند اقترابها من الذات الربانية تفاجئ انها امام مرآة نفسها وتدرك انها انطلقت من ذاتها لتعود اليها. عند ذاك يقول لهم السيمورغ : نعم لقد انطلقتم مني والي ولكنكم لا ترون إلا انفسكم فهذا يعني انكم لم تصلوا، وصار عليكم ان تلقوا بأنفسكم في ناري وتفنوها كي تعلموا من أنا، وبالفعل تلقي الطيور بانفسها في نار السيمورغ فيعلن العطار بأنه لم تعد هناك من كلمات تصف ما حدث لهم بعدها.
منطق الطير هو قصيدة صوفية طويلة ومن صلب التراث الديني الاسلامي وكتبت في عصر بدا اقل صرامة من الناحية الدينية والعقائدية وبرأي أنفار كان الدين اكثر قربا من منتهاه الحقيقي وجوهره الروحاني. استوحى العطار في كتاباته من القرآن الكثير، وقصيدته حافلة بالاستشهادات والإحالات القرآنية بما في ذلك العنوان. ولكن القرآن كان في قلبه، غير مرئي، قرآن ملهم عاكس للحياة الإنسانية ولذا فأن العطار عند هذه النقطة يبدو من المحدثين : هو متجذر في التقاليد الاسلامية ويطيل بالمديح على شخص النبي ليس من كونه بشر من لحم ودم بل لأنه يرى فيه انعكاسا لنور السماء على الارض، انعكاسا لنور السماء في الروح البشرية، كما ان كل نبي هو انعكاس لنور السماء في كل أرواح البشر. اذن هو دين متعالي وهذا ما يكرره في كتاباته :
أن ديني فوق كل عقيدة وكل كفر، كما ان حبي للمعشوق فوق الخير والشر، اذن تقول أنفار هو دين يتسامى على الدوغما وان لم يكن يرفضها وهو بنظر العطار دين متعال على الابعاد التاريخية والأخلاقية والدوغماتية. لم يكن العطار صوفيا تقليديا فهو لم يقلد معلما او ينتمي لطريقة صوفية دوغماتية اوالى الصوفية بمعناها الديني الطقوسي، كل ما يهمه هو الجوهر من الصوفية بوصفها تجربة روحانية وجدانية غايتها تزكية النفس وتطهيرها.
تزخر طبعة افينار بالمنمنات الفارسية الجميلة التي تمثل بعضها صور للنبي اثارت الجدل حولها. عن هذه المنمنات تقول انفار لم يكن تمثيل النبي في المنمنمات بالأمر الشائع بين العامة، وكانت مخصصة لنخبة النخب ومضمنة في كتب اتسمت بغلاء اسعارها كانت مخصصة لنخبة الملوك والأمراء وحاشيتهم من المستشارين، والشعراء وكبار المتصوفة هذه النخب كانت سياسية وفكرية وبالتالي روحانية مجتمعة في شخصية واحدة. المنمنمات لم تكن تمثل مشكلة لهؤلاء، لانها لم تكن صور واقعية بل كانت دعوة الى التأمل الفلسفي والى الارتقاء من الظاهر الى المعنى الرمزي، كما في تصوير الرسول في صعوده في ليلة المعراج الى السموات السبع والاقتراب من ملكوت الله، هذا التصوير لا يحاكي واقع فعلي ويقول لنا ان كل روح تمتلك في داخلها نبي يجوز له ان يقوم بهذا الصعود، وهذه من الدعوات المحبذة غير المحرمة.
تصف انفار عمل ترجمتها لمنطق الطير بأنه مشروع حياتها الذي الهمها الكثير ولاسيما فكرة ان لا نرفض الاديان وندينها وفقا لأشكالها السياسية والدوغماتية لأن جوهر الدين هو بعده الروحي الذي بفضله نتحقق ككائنات بشرية روحية والعطار هو معلمها الذي مكنها من الانغماس بهذه الفكرة وصياغتها: الاديان التي تحولت اداة للسلطة تعمينا بدل أن تنيرنا، وان نزولها علينا لم يكن لوضعنا في مأزق بل لهداية ارواحنا وطمأنتها. وهي ترى ان لبعض الفنانين والشعراء فكر ارحب من مشرعي الدين، ومنهم العطار الذي لم يكن شاعرا فحسب بل كان حكيما روحانيا كبيرا جرب كل المقامات والأحوال فقال عنه جلال الدين الرومي " طوف العطار مدن العشق السبع، وبقينا نحن في منعطف شارع واحد". وتظن انفار بأنه قد اجتاز هذه الوديان حقا وإلا ما كان له ان يكتب هذا العمل الرائع ذا القدرة الايحائية الفذة ولهذا فهي تعتقد انه عندما يكون الشاعر من وزن العطار وقامته فأن بإمكانه بلا شك ان يأخذنا بعيدا ويعلوا بنا ويحولنا أكثر بكثير مما يفعل غالبية رجال الدين ومشرعيه.
وسوم: العدد 710