التعارُف
مسرحيّة اجتماعيّة هادفة
الفصل الأول
"صالة عادية تظهر فيها امرأة في حوالي الخمسين من عمرها، وهي تنادي ابنتها"
الأم: ليلى.. ليلى..
ليلى تدخُل: نعم يا أمي..!
الأم: إيه.. ما رأيك في الصالة الآن يا حبيبتي..؟! أليست على أروعِ ترتيب، وأحسنِ شكل..؟!
ليلى: بالتأكيد يا أعظم أمٍّ في الدّنيا.. ولكنّكِ لم تخبريني السبب؛ لماذا كلّ هذا الجُهدِ والترتيب..؟!
الأم: إذن، هيّا يا حبيبتي، غيّري ملابسكِ، واستعدّي لاستقبال الزُوّار..
ليلى: أيّ زوّارٍ يا أمي..؟!
الأمّ: المهندس حسن وأمُّهُ.. إنّهُما..
ليلى تُقاطعها: ولكنّكِ تعرفين رأيي في هذا الموضوع.. قلتُ لكِ مرارًا وتكرارًا بأنّني غير موافقة على المهندس حسن..
الأمّ: ولكنّني ضربتُ لهما موعدًا هذا اليوم، في السادسةِ مساءً. "وتنظر في ساعتها" أي أنهما سيأتيان بعد ساعة..
ليلى: وأنا لن أظهر أمامهما على أيّة حال..
الأم: لماذا يا ابنتي..؟!
ليلى: لأنني لا أريدُه.. أهو زواج بالإكراه..؟!
الأم: لا يا ابنتي..! أنتِ أغلى شيء عندي في الدّنيا؛ فكيفَ أُكرهُكِ على ما لا تُريدين..؟!
ليلى: إذن فالموضوع مُنتهٍ..
الأم: افهميني يا ابنتي، المهندس حسن شابٌّ ممتاز بكلِّ المقاييس، وليس من المعقول أن ترفضيه بهذه الطّريقة..!
ليلى: ممتاز، أو غير ممتاز. هذا لا يهمّني؛ لأنني لا أفكّرُ به..
الأم: يا ابنتي.. هل في حياتكِ شخصٌ آخر..؟
ليلى: لا.
الأم: أنا أمّكِ.. صارحيني يا ابنتي..
ليلى: قلتُ لكِ: لا.
الأم: إذن، فلماذا تتّخذين هذا الموقِف غير المفهوم..؟!
ليلى: لديّ أسبابي يا أمّي..!
الأم: ولكنّ أسبابكِ ينبغي أن تكون مُقنعة..
ليلى: أنا مُقتنعة بها..
الأم: هذا لا يكفي..
ليلى: أمّي.. إنّها حياتي.. وأنا حرّة فيها..
الأم: لا.. أنتِ لستِ نبتةً بلا جذور، ولا بنتًا بلا أهل.. لقد طلبكِ ابنُ خالكِ ورفضتِ؛ مع أنّه كان شابًا مُناسبًا، ولم أضغط عليكِ. وطلبكِ ثانٍ وثالث ورفضْتِ، وكان لرفضكِ أسباب معقولة إلى حدٍّ مّا، أمّا اليوم فإنّ الأمر يدعو للقلق الحقيقيّ، هل في داخلكِ سرٌّ مّا..؟!
ليلى: يا أمي..! يا حبيبتي.. يا نور عيني.. لا يمكنني قبول رجلٍ لا أعرف عنهُ شيئًا..
الأمّ: المهندس حسن معروف في الحيّ.. إنه من خيرة الشباب..
ليلى: أريد أن أتعرّف على شريكِ حياتي بنفسي، أتعرف إلى أخلاقه.. منطقه.. أسلوبه في الحياة.. وأدرس ذلك بعقلي أنا.
الأمّ: هذا كلام الأفلام والمسلسلات.. لقد أفسدَتْ عقلكِ إذن..! أتظنّين بأن الأهل أقل حِرصًا على مصلحة البنت وسعادتها من نفسها..؟! أتظنّين بأنهم أقل قُدرة على اختيار الأنسب لها بحُكمِ خبرتهم في الحياة..؟! كُنتِ تجرُئين على هذا القول لو كان أبوكِ رحمه اللهُ موجودًا بيننا..؟!
ليلى: ارحميني يا أمي..
الأم: أنا التي أطلب منكِ أن ترحمي نفسكِ..
ليلى: أنا راضية ومقتنعة بما أفعل..
الأم: وغدًا تأتين لتقولي: لقد كنتُ طائشة.. لماذا لم تنصحيني يا أمي..! لماذا لم تمنعيني..! لماذا..؟!
ليلى: لن أقول شيئًا من هذا..
الأم: بل ستقولين.. ولن أدعكِ تعبثين بمُستقبلكِ وأنا واقفة أتفرّج عليكِ..
ليلى: إنه مستقبلي يا أمي.. فلأرسمُهُ كما أريد..
الأم: وحين تقعين في مُشكلةٍ أو ورطة، ستعودين لتطرحي رأسكِ فوق صدري..
ليلى: لن أفعلَ ذلك.. إنّ الزواج النابع من الحُبِّ المُتبادل، لا بُدّ أن يكون زواجًا ناجحًا..
الأمّ: هذهِ أوهام وخيالات.. الواقع شيء آخر، غير الذي تريْنَهُ في التلفزيون..
ليلى: بالعكس؛ إنه الواقع.. إنه منطق زماننا.. الزّمان يتغيّر باستمرار..
الأمّ: ولكنّ الإنسان لا يتغيّر..
ليلى: أمّي..
"يقرعُ الجرس"
الأمّ: لمْ تستعدّي حتى الآن.. أظنّهُما قد جاءا.. اذهبي واستعدّي بسرعة..
ليلى: لن أخرج لهُما..
"تخرج ليلى من الصالة، وتفتح الأم الباب فتجدُ ابنتها هندًا"
الأم: هند، ابنتي..؟! أهلًا وسهلًا بكِ يا حبيبتي..
هند تُصافحُها: أهلًا بكِ يا أمّي..
الأمّ تنادي ابنتها: ليلى.. ليلى.. تعالَيْ؛ إنّها أختكِ هند..
ليلى تعود، وتُسلّم على أختها: أهلًا هند.. كيف حالكِ..؟
هند: الحمد لله، كيف حالُكِ أنتِ..؟
ليلى: اسألي أمي..
"يجلِسنَ جميعًا"
الأمّ جِئتِ في وقتكِ يا هند.. لا ريب أنّكِ ستساعديني في إقناعِ أختكِ..
هند: وما الأمر..؟!
ليلى: إنّها تريد إقناعي بالزّواج من شخصٍ لا أرغبُه..!
الأمّ: إنّه شابّ مهندسٌ محترمٌ معروفٌ مناسبٌ بكلِّ المقاييس، لكنّ أختكِ تتدلّل.. ترفضُه.. لماذا؟ لا أدري..!
هند: لماذا ترفضينهُ يا ليلى..؟
ليلى: إن الذي سيكون شريك حياتي، هو من أختارهُ بنفسي، ويختارني هو لنفسِه. وليسَ الذي تختارني لهُ أمّه، أو تختارهُ أمّي لي.
هند للأمّ: بصراحة يا أمي.. ليلى معها حقّ.
الأم: يا ابنتي.. أنا أمّها، وأريد لها الخير.. إنها طفلة غرّة، لم تخبُرِ الحياةَ بعد.. كلمة تأخذها يمينًا، وأخرى يسارًا.. ولا يجوز لي، ولا يُمكنُ أن أسكت عن عبثها..
هند لأختها: بصراحة يا ليلى، أمي معها حقّ.
ليلى: يا هند..! أنا متعلمة واعية، لي نظرتي الخاصة في الحياة، أنا لا أشكّ بحبِّ أمي لي.. وأعرف أنه ليس هناك في الدّنيا شيء كحُبِّ الأم..! ولكن اختيار الرجل المناسب من شأني أنا؛ لأنني سأتحمّل نتيجة الاختيار.
هند للأم: بصراحة يا أمي، ليلى معها حقّ.
الأم ثائرة: ما هذا يا هند..! "وتقلّدُها: بصراحة يا أمي: ليلى معها حق..!! بصراحة يا ليلى: إمي معها حقّ..!!" يا ابنتي: كنتُ أرجو أن تفهمي وجهة نظري، وتحاولي إقناع أختكِ معي..
هند: يا أمي أنا مُتعبة.. ولستُ قادرةً على التركيز..
الأم بلهفة: مِمَّ يا حبيبتي..؟! قولي: هل عادَ سامي لإزعاجكِ..؟! هل أنتُما مُتخاصمان..؟!
هند: نعم..
الأم: حول ماذا..؟
هند: حول كلّ شيء.. إننا لا نتّفقُ على شيء.. هو في الشّرقِ وأنا في الغرب.. لقد مضى على زواجنا قرابة عامين، والهُوّة ما تزال تتّسعُ بيننا..
الأم: لا تهتمّي يا حبيبتي..! ستمكُثين هنا حتّى يأتي هوَ، ويعتذرَ منكِ، ويطلبُ العودة..
هند: لا.. لن أعودَ معه هذه المرّة لو جاء..
الأم: حسنًا.. كما تريدين يا ابنتي.. حين تهدئين غدًا قد يتغيّر رأيُكِ..
هند: هذهِ المرة لن يتغيّر أبدًا..
الأم: أريحي أعصابكِ يا حبيبتي، ولا تُفكّري بشيءٍ الآن..
الأمّ لليلى: أرأيتِ يا ليلى، أن الإنسان ليسَ وحيدًا في حياته..
ليلى: هذا خطؤكُم يا أمي..!
الأم: خطأُ مَن..؟
ليلى: خطأ أبي، وخطؤكِ، وخطأ المُجتمعِ وعاداته..
الأم: احترمي ذكرى المرحومِ يا بنت..!
ليلى: لو أنّ هندًا اختارت الشخص الذي تريدهُ ويريدُها؛ لما بدأت حياتُهُما كالجحيم اللّاهب..
الأم: نحنُ لم نغصُبها عليه، لقد تقدّم إليها، وأخذنا رأيها، ووافقت..
ليلى: وافقت المسكينة مضطرّة، لأنكم حرمتموها من حقّها الطبيعيّ في الاختيار..
هند: بل وافقتُ بإرادتي يا ليلي..
ليلى: لأنكِ لم ترَيْ منهُ إلّا الظّاهر.. لو تعرّفتِ إليهِ.. ذهبتِ معَه.. في أماكنَ عامّةٍ طبعًا، وبشكلٍ لا يتنافى مع الشّرعِ والآداب، لو فعلتِ ذلك لربّما تكشّف لكِ من دخيلته ما يحملُكِ على تغييرِ رأيك..
هند: وهل تنتظرين منه أن يطلعني على الوجهِ الآخرِ الشائن من شخصيّته..؟! لا بُدّ أنّه سيتجمّل أمامي ويزيد تعلّقي به..
ليلى: إن طِباعَ الإنسانِ لا بُدّ أن تظهر.. أما سمعتِ بقولِ زُهير:
هند: هذا صحيح، ولكنّها تظهر بالحياة العملية، لا بأيّام الخطوبة..
الأم: إنّ النّاس من قديم وحتى اليوم يتزوّجون بهذهِ الطّريقة.. أنا تزوّجتُ ولم أرَ أباكِ إلّا ليلة الفرح، ومع ذلك فقد كانت حياتُنا سعيدةً هانئة..
ليلى: وهذهِ حياةُ هندٍ تشهدُ بعكسِ ما تقولين..!
هند: الزواج يا ليلى مثلُ الصداقة.. أحيانًا تتحمّسين لصاحبة فتاة، ثمّ ما تلبثين أن تنقلبي عليها بعد مخالطة قصيرة، وأحيانًا لا ترتاحين لواحدة، ثمّ تجدين نفسكِ تميلين إليها مع مرِّ الأيام، وانجلاء صفائها لك.. النّظرةُ الأولى كثيرًا ما تخدَع..
ليلى: وهذا رأيي بالضّبط.. إنّ التعارف يمنعُ وقوع مثل هذه الخديعة..
هند: مع الفارق.. ليس ثمّة ما يدفع بنتًا لكي تبذُلَ جهودًا فائقة من أجلِ تحسين صورتها في عين زميلة لها، أما الشابّ فما دامت له رغبة ببنت، فإنه لن يكُفّ عن التصنّع والتجمّلِ والتكلّف في التودّدِ إليها، وكذلك البنت.
ليلى: سأكون طبيعيةً مع من يختارني وأرضاه، وسأطلب إليه أن يكون طبيعيًا، وإذا لم تسعفني فراستي في اكتشاف طِباعه.. فلن أكون نادمةً على سوء اختياري..
الأم تنظرُ في الساعة: إنها السادسة إلا عشر دقائق.. لا بُدّ أن المهندس حسن وأمه قادما في الطّريق..
ليلى: دبّري أمركِ معهُما..
الأمّ: لا تضعيني في موقفٍ حرجٍ يا ليلى. اخرجي إليهما فربّما يتغيّر رأيُكِ..
هند لأختها: حتى لو شاطرتُكِ آراءكِ؛ فإني أطلب إليكِ أن تستجيبي لرغبة أمكِ في الظهور أمامهما..
ليلى: حسنًا.. سأظهر..
الأمّ تقبِّلُها: حبيبتي يا ابنتي.. كنتُ متأكدة من أنكِ لن تخالفي رغبتي..
ليلى: في الظهور أمامهما وحسب، ولكنّي غير موافقة.. أقولها من الآن.
الأم: حسنًا يا ابنتي، اذهبي وغيّري ملابسكِ..
ليلى: لنْ أغيّر شيئًا.
"يُقرع الجرس"
الأم: لا شكّ أنهما جاءا..
"تخرجُ البنتان، وتذهب الأمّ لفتحِ الباب، ويدخلُ المهندس حسن وأمه"
أهلًا وسهلًا.. أهلًا بكُما.. يا مرحبًا..
أمّ حسن: مساء الخير يا أم هند.. كيف حالكِ؟ "تقدّم ابنها": ابني حسن.. العريس..
الأم: أهلًا بك.
حسن: أهلًا يا خالة..!
الأمّ: تفضّلا..
"يجلسون"
أم حسن: أكبر أملٍ للأم وأعظم حلمٍ لها، يتحقّقان يوم فرحها بزواجِ ابنها أو ابنتها..
الأم: صحيح..
أم حسن: حسن شابّ ممتاز، وأظنكم سألتم عنهُ جيّدًا.. ولكنِ انتبهي: إنّه مُستعجلٌ جدًا..
الأمّ باسمةً: هذا شأن الشباب، لحسن الحظّ أنهم لا يفكرون بما يتبع الزواج من مسؤوليات.
أم حسن: على رأيك.. هي سنة الحياة..
"فترة صمت"
ولكن.. أين عروستنا الحلوة..؟!
الأم: ستأتي حالًا.. أنت تعرفين البنات وحياءَهنّ في هذه المواقف..
أم حسن: معكِ حقّ.. إنها معذورة..
"تنهض الأم وتستحثّ ابنتها ثمّ تعود"
الأم: إنها قادمة حالًا..
تدخلُ ليلى: السلام عليكم.. أهلًا وسهلًا.. أهلًا يا خالة..
أم حسن مداعبةً: وحسن، ألا تسلّمين عليه..؟!
الأم: لا تحرجيها يا أم حسن..!
أم حسن: ما شاء الله.. تبارك الله.. اللهم صلِّ على النبي.. ما هذا الجمال..؟! ما رأيكَ يا حسن..؟!
حسن: قمر..!
أم حسن: القمر نفسهُ يحسدُها.. ما شاء الله.. مُنى نفسي أن أفرحَ بكُما..
الأم: إن شاء الله.
أم حسن للأم: لو كان الأمر لحسن؛ لرغبَ أن يكون الفرح غدًا، أو لماذا غدًا..؟! اليوم أفضل..!
"يضحكون"
الأم: أستأذنكم قليلًا؛ لأطلب من هند أن تحضّر القهوة..
أم حسن: لا يا حبيبتي.. نريدُها من يديكِ أنتِ؛ ليعرف حسن كم هيَ لذيذة قهوة حماته..
الأم وهي خارجة: كما تريدين..
أم حسن لابنها: خذ راحتك، سأساعد أم هند بالقهوة..
"حسن وليلى لوحدهما"
حسن: كيف حالكِ يا آنسة ليلى..؟
ليلى: الحمدُ لله.
حسن بعد صمتٍ قصير: أنا لا أعرف عباراتٍ أدبيّة تناسب الموقف، ولكنّ عينايَ تقولان ما يعجز فمي عن قوله، أنا سألت عنكِ، وجمعتُ عنكِ الكثير من المعلومات، حتى صرتُ أرى فيكِ حُلميَ الوحيد..
ليلى: ولكن يا أستاذ حسن..
يقاطعها حسن: قولي أي شيء.. أي كلام..
ليلى: أعني، ألا ترى أنك تبالغ قليلًا..؟!
حسن: لو كنت أعرف الشعر لكتبتُ لكِ أرَقَّ قصيدةٍ كتبها الشاعر لملاكِه.. هناك جمالٌ أكبر من الوصف، إنه يُبهرني ويسلبُني كلماتي.. ليلى.. عفوًا: أقصد آنسة ليلى.. لا تدعيني أبعثر كلماتي بين يديكِ كالأطفال.. أنا.. أنا.. أُحِـ..
ليلى: أنتَ رومنسيّ..
حسن: أنا إنسان.. لا تُسعفني كلماتي في التعبير عن قلبي..
ليلى: ألا ترى أنّك مُتسرّع..؟!
حسن: ليكُن ذلك، فالتسرّع هنا عينُ العقل.. دعينا نُعبّر عن أنفسنا بعفويّةٍ وصدق..
ليلى: القلبُ ليس كلَّ شيء.. لا بُدّ من العقل.. التعارف.. والتفاعم أوّلًا..
حسن: لا تناقض في الأمر.. إن القلب العاشق، يعرفُ كيف يسوّي أموره..
"تعود الأم بالقهوة ووراءها أمّ حسن"
أم حسن: يا الله..!
"حسن وليلى ينتبهان"
الأم تقدّم القهوة: تفضّلْ..
حسن: شكرًا..
أم حسن: إيه.. ما رأيك..؟! وما رأيكِ أنتِ يا عروسة..؟!
حسن يعودُ لوقاره: أنا مُستعدّ لو سَمحَت الآنسةُ ليلى.. "ويُخرجُ خاتمًا من جيبه"..!
ليلى: أنا أرى أن نؤجّل موضوع الخاتم حتّى..
يقاطعها حسن: حتّة متى..؟!
الأمّ: سنتّصل بكم بالهاتف، ونُحدّد موعدًا مُناسبًا..
أم حسن: شريطة أن يكون قريبًا.. قريبًا جدًا..
الأم: إن شاء الله..
حسن: كما يريدُ القمر، وليتذكّر أن ثمّة قلب يعاني الانتظار..
"ويضحكُ الجميع"
تنهض أم حسن: نستأذن نحن الآن..
تشيّعهُما الأمّ إلى الباب: مع السلامة.. بأمان الله..
تدخلُ هند وتقول لأختها: هل خسرتِ شيئًا..؟!
ليلى: لا أدري..
الأمّ: ألمْ يكن شابًا وسيمًا لبِقًا مُناسبًا..؟!
ليلى: إلى حدِّ مّا..
الأم: إلى حدِّ مّا..؟! لا تكابري يا ابنتي..! آه ممكن..! لم يأتكِ أفضل منه حتى الآن.. ولا أظنّ أنه سيأتيكِ من هو أفضل منه.. وعلى رأيِ مُسلسلاتك التلفزيونية.. الفرصة تأتي مرّة واحدة.. لقد كان شديد الرّغبةِ بك.. لماذا رفضتِ لبس الخاتم..؟!
ليلى: ...
تغمِزُ هندٌ أمّها فتخرج، وتنفردُ هي بأختها: ليلى..! قولي لي رأيك بصراحة.. أنا أختكِ في مثلِ سنّك.. اعتبريني صديقة لك إن أردتِ.. ألستُ أهلًا لصداقتكِ وثقتكِ..؟!
ليلى: على العكس تمامًا.. أنا أعرف أنك خير من يفهمني..
هند: هل أعجبكِ المهندس حسن أم لا..؟!
ليلى: أكون كاذبةً لو قلتُ لا..
هند: هل أنتِ موافقة عليه..؟!
ليلى: لا أعرف ماذا أقول لكِ..
هند: هل في حياتكِ شخصٌ مّا..؟!
ليلى: ...
هند: في هذه الحالة، كان عليكِ إخبارُ أمّي بذلك..
ليلى: كان ذلك سيثيرُ غضبها..
هند: أهوَ أفضلُ من حَسن..؟!
ليلى: نعم.. لا..
هند: نعم.. لا..؟! كيف يكون هذا..؟!
ليلى: المشكلة أن حسن جاء مُتأخِّرًا..
هند: أنتِ أميلُ إلى حسنٍ إذن..
ليلى: لم أعُد أعرف شيئًا.. المشكلة أني وعدتُ سامـ...
هند: ما اسمهُ..؟ سامي..؟
ليلى: سامر..
هند: بماذا وعدْتِهِ..؟
ليلى: لقد اتّفقنا على الزّواج.
هند: وكيف تعرّفتِ عليه..؟!
ليلى: أرجوكِ يا هند.. ليس هذا وقت تحقيق.. لكنّ ثقي أنّي لم أخرج عن حدود الأخلاق قيدَ شعرة..
هند: ولماذا لم يتقدّم إليكِ..؟! لماذا لم يأتِ مع أهلهِ لخطبتكِ..؟!
ليلى: إنّ أمّهُ مصمّمة على أن تزوّجهُ بنت أختها، ثم إنّي طلبتُ منهُ تأجيل الموضوع حتى تحين الفرصة؛ إذ لربّما لو عرفَت أمّكِ حقيقة الأمر، لاتّخذتْ موقفًا رافضًا..
هند: وهل تفضليهِ على حسن..؟!
ليلى: لكلِ واحدٍ مزاياهُ الخاصّة.. حسن شاّب واضح، ذو مستقبلٍ جيّد، وأظنّهُ لا يخلو من ذكاء..
هند: ولا من وسامةٍ أيضًا..!
ليلى: أما سامر، فهو يشاركني تفكيري.. ثم هو مُجاز في الآداب مثلي، تصوّري أنّنا مُتّفقان حتى على أسماء كُتّابنا المُفضّلين: شكسبير، طاغور، العقّاد، توفيق الحكيم، السيّاب، نازك، نجيب محفوظ، وغيرهم.. حتى المُطربين والفنانين، فنحن مُتّفقان على النجوم أنفسهم.
هند: كان الوقت مُتّسِعًا لدراسة كل هذه الأمور..؟!
ليلى: لا تُهوّلي الأمور يا هند، كان لا بُدّ من الأحاديث المتنوعة، ليعرف كلٌّ منّا الآخر.
هند: أخشى أن تكون المجاملة وراءَ ذلك التّفاهم العجيب..!
ليلى: حتى لو كان للمجاملة أثر، فهو ليسَ بذلكَ الأثر الكبير.. ثم إنّ للمجاملة معناها..
هند: وشكلُه..؟! بيئتُه..؟! واقِعُه..؟!
ليلى: من هذه النواحي هو شخص عاديّ تمامًا، يشقّ طريقهُ بين الصِّعاب، لقد اتّفقنا على أن نحلَّ مشكلاتنا معًا.
هند: بالحُبِّ طبعًا..؟!
ليلى: ...
هند: كأن الرومنسيّة مرحلة لا بُدَّ منها في عمرِ الإنسان، أنا أرى أنّ مستقبلكِ مع حسن، حين يكون أمام الإنسان طريقان، ويترك السّهل إلى الصّعب، فلن يجد من يشاركهُ ندمه فيما بعد..
ليلى: لقد أعطيتُ سامرًا عهدًا.
هند: ولكنّكِ الآن أمام وضعٍ أفضل، وأنتِ غير مرتبطة بشيء بعد، ترى لو كان سامرًا في مكانكِ، ما الذي سيفعله..؟!
ليلى: لا أدري..!
هند: ولكني أدري ذلك جيّدًا.. إنّه لن يتردّد.. إنّ "روميو" الذي كان مجنونًا بـ"روزالين"، لمْ يلبِث أنِ انصرفَ عنها حين لاحَت لهُ "جولييت".. لقد قال شكسبير: "إنّ الشباب يعشقون بعيونهم".. لقد كان أكثر واقعيّةً من كُتّاب الأفلام الواهمين عندنا..
ليلى: حتى لو لم أفكّر في أمرِ سامر، فإنّي أعتقد أنّ الانصراف عنهُ فيهِ خيانة لنفسي، لقد قرّرت أن أختار بنفسي، وإن كان حسن قد جاء مُتأخّرًا، فسأحاولُ قدر جُهدي أن أنساه.
هند: أنا أرى أن تصغي إلى نداءِ قلبكِ إذن.
ليلى: لكن المشكلة تبقى في: "كيفَ سيتقدّم إليَّ سامر..؟!" إذا كنتِ تودّين مساعدتي بحقّ، فأنا الآن أحوج ما أكون إليكِ.
هند: لن أفسد عليكِ أحلامكِ، ولكن، إذا بقيتِ على قراركِ هذا بعد أن تأخذي الزمن الكافي للتفكير، فبإمكانكِ أن تطمأنّي منذ الآن إلى مقدرة أختكِ على تدبّر الأمر بكلِّ يُسرٍ وسهولة..
ليلى: أشكركِ يا أختي.
هند: إذهبي الآن لتنامي، ولكن احذري أن تقضي الليل بالسهر والتفكير، فأنتِ بحاجةٍ إلى الراحة.
تدخلُ الأمّ: قبلَ أن تنصرفا، لا بُدّ أن أقول شيئًا: لقد سمعتُ كلّ الذي قلتُماه. لقد قالت لكِ أختكِ هند كل ما أودّ قوله، كان عليكِ أن تكوني صريحةً معي، حتى وأنتِ لم تفعلي ذلك، فأنا أمّكِ، ولن أرغمكِ على شيء، أو أمنعكِ من شيء.. اختاري ما تريدين.. إنّ سعادة الأم هي أن ترى أبناءها في سعادة..
تلقي ليلى بنفسها على صدرِ أمّها: أمّي.. حبيبتي..
الأمّ: الآن يمكنكُما أنّ تذهبا للنّوم..
البِنتانِ للأمّ: تصبحينَ على خيرٍ إن شاء الله..
الأمّ: وأنتُما بخير..
"سِتار"
الفصل الثاني
"صالة في بيت الزوجيّة الذي يضُمّ سامر وليلى، تظهرُ ليلى وهيَ تُرتّب الصّالة"
"يُقرع الجرس، فتهرعُ ليلى مسرعةً، وتفتحُ الباب"
ليلى: سامر.. أهلًا يا حياتي..
سامر: السلام عليكم.. كيف حال القمر.. الشمس.. حياة الرّوح..؟!
ليلى: أسعد إنسانة في الدّنيا.. وأنت..؟!
سامر: وهل المسألة بحاجةٍ إلى سؤال..؟! أسعد زوجٍ في العالم، ولا ريب، يكفيني أنني معكِ.. بقُربكِ.. أراكِ حيثُ تلفّتْ.. يا سلام.. ما أجمل الحلم حين نحياهُ واقعًا.. أنا لا أطيقُ الخروج من البيت، لئلّا أبتعد عنكِ لحظة، أحيانًا كثيرة أسأل نفسي: هل أنا في حلمٍ أم حقيقة..؟!
ليلى: لا تُبالغ يا سامر..
سامر: صدّقيني يا ليلى أنني لا أعرف كيف أصفُ سعادتي بكِ، يبدو أنّ مثل هذه الساعات لا سبيل إلى وصفها.. الكلمات لا تُسعفني، أقرأ في دواوينِ الشعراء فلا أرى ما يُعبّر عن نفسي، أيمكنُ ألّا يكون شاعر مّا قد عاش مثل سعادتي..؟!
ليلى: سامر..
سامر: لا ريب أنني سأصبح شاعرًا يومًا مّا، لا لشيء إلا لأنثر أشواقي بين يديكِ، وأرسم فرحة قلبي..
ليلى: كلامك هذا شعر.. إن لم يكُن أعذب من الشّعر، أنا لا أهتمّ بالقوافي والأوزان..
سامر: لقد مرّت أيّام سبعة كالثّواني.. ما أقصر يوم الفرح..! كان ينبغي أن نكون في شهرِ العسل لولا...
ليلى: لا تقُل شيئًا يا سامر..! إن وجودك بقربي لا يجعلني أكترث لشيء، إنّ السعادة تنبع من القلب، من التفاهم والانسجام..
سامر: والحبّ أولًا..
ليلى: أظن هذا يكفي.. لا ريب أنّك جائع.. لقد جهّزت لكَ الطّعام..
سامر: سلمت يداكِ.. إنّه لذيذ حقًا..
ليلى ضاحكة: إنّك لم تذقهُ بعد..!
سامر: رأيي في طبخكِ لا يتغيّر..
ليلى: حتى لو نسيتُ أن أضعَ له الملح..؟!
سامر: حتى لو نسيتِ أن تطبخي..
"يضحكان، ويخرُجان معًا"
"يُظلم المسرح قليلًا بمرور الوقت، ثمّ يُضاء ثانيةً.. لم يتغيّر شيء في الصالة.. إلّا الزمن"
ليلى تذهبُ وتعود في الصالة بانتظار زوجها، يُقرع الجرس؛ فتهرعُ إلى الباب: حاضر.. حاضر يا سامر..
تفتحُ الباب فتُفاجأ بأمّها وأختها: أهلًا وسهلًا.. أهلًا يا أمّي.. أهلًا هند..
الأم: كيف حالكِ يا ابنتي..؟ خبّريني..
هند: كيف حالكِ يا ليلى..؟
ليلى: بخير.. الحمد لله.. تفضّلا للجلوس..
الأم: أين سامر..؟! أليس موجودًا..؟
ليلى: آآ.. سيعود بعد قليل.. لقد ذهب في مشوارٍ قصير..
هند: وكيف حالكِ معه..؟! وحالهُ معك..؟! ألم يزل مجنونُ ليلى..؟! إنّ الأشهر الثلاثة التي قضيتمانها معًا قد قرّبتكُما من بعضٍ أكثر.. أليس كذلك..؟!
ليلى: آآ.. صحيح..
الأم: ما لكِ يا ليلى..؟! إن وجه البنت لا يستطيع أن يخفي شيئًا عن أمّه.. هل تعانين شيئًا يا ابنتي..؟!
ليلى: لا..
الأم: عيناكِ تقولانِ غير هذا..!
ليلى: صدقيني يا أمي..! ليس ثمّةَ شيء ذو خطر.. إنّما..
الأم: إنما ماذا..؟! روّحي عن نفسكِ يا ابنتي..
ليلى: لقد بدأ سامر يتغيّر..
الأم: كيف..؟!
ليلى: أصبحَ يسهر مع أصحابه كلّ يومٍ تقريبًا، ولا يعود إلا في مُنتصفِ الليل..
الأم: منذ متى..؟
ليلى: منذ أكثر من أسبوعين.. المؤلم أني أنتظره على العشاء، وحين يأتي يخبرني أنه قد تعشّى مع أصحابه.. ثمّ يذهب للنّوم..!
هند: شيء غريب حقًا..!
ليلى: أنا نفسي استغربت، حتى احترت في أمري.. لقد جلست وحيدة أسأل نفسي عن سببِ ذلك، ولكن بلا جدوى..
الأم: وهل كلّمتهِ بالأمر..؟!
ليلى: لا..
الأم: لماذا..؟!
ليلى: كنت أريد أن تعود الأمور إلى طبيعتها، دون كلام وعتاب قد يزيدان الأمر سوءًا، ولكنّي الليلة نافذة الصبر، لقد عزمت على مواجهته..
الأم: كوني لطيفةً معه ورقيقة يا ابنتي..! إنّ الرجال ذوو أمزجة صعبة..
ليلى: لا تخافي عليّ يا أمّي..
"يُقرع الجرس"
ليلى: إنّه هو.. أرجو أن يظلّ الموضوع بيننا مطويًا..
تذهبُ وتفتحُ ليلى لهُ الباب: سامر..! أهلًا وسهلًا.. تفضّل..
سامر: السلام عليكم.. ما شاء الله.. عندنا ضيوف أعزاء.. منذ زمان ما رأيناكم..! أهلًا خالتي.. أهلًا بالأخت هند..
الأمّ وهند: وعليكم السلام.. كيف حالك..؟
سامر: الحمد لله.. بخيرٍ ما دامت ليلى تملأ بيتي وتنيره.. عن إذنكُنّ قليلًا..
الأمّ: نحن ذاهبتان على كلِّ حال، "وتنظرُ في ساعتها": إنها تقترب من التاسعة ليلًا..
سامر: يسعدني أن أوصلكما إن أردتما..
الأم: لا تكلّف نفسك، أنت مُتعب الآن، أشكرك.. "وتنهض الأمّ وهند": نراكُما بخير..
سامر وليلى: مع السلامة.. يرعاكم الله ويحفظكم..
الأم: ليلى أمانة عندك يا سامر..
سامر: اطمئنّي يا خالة..! ليلى في عيني وفي قلبي..
الأم: بارك الله فيكَ يا ابني.. هذا هو الرّجاء فيك.. "وتخرج هي وهند".
سامر وليلى: رافقتكما السلامة..
سامر: عن إذنكِ يا حبيبتي..
يدخلُ قليلًا إلى غرفة النوم ويعود: تصوّري أني نسيت محفظتي.. ما أغرب شعور الرّجل بلا محفظة..! لذا؛ سأرجع لآخذها.. عن إذنكِ يا حبيبتي..
ليلى: إلى أين..؟!
سامر: أصدقائي بانتظاري، لن أتأخّر كثيرًا، سأسهر معهم قليلًا وأعود.. لن أتأخّر.. سأكون هنا في الثانية عشرة على أكثر تقدير.. لا تنتظريني على العشاء.. فقد أتناول العشاء معهم.. إذا مللتِ أو نعستِ فلا بأس أن تنامي يا حبيبتي..!
ليلى بألم: شكرًا لك.. ها أنت ذا قد رأيت رتّبتَ لي أموري كلّها قبل أن تذهب..
سامر: ليلى..! هل أنتِ بحاجةٍ إلى شيءٍ مّا..؟!
ليلى: نعم..
سامر: ما هو..؟
ليلى: أنت.
سامر ضاحكًا: يا حبيبتي..! ومن قال لكِ أنّي أستطيع أن أستغني عنكِ لحظة..؟!
ليلى: سامر..! أنت تذهب وتتركني وحيدة، ماذا سأفعل في الساعات الثلاث حتى تعود..؟!
سامر: شاهدي التلفزيون.. اقرئي كتابًا أو مجلّة.. نامي.. افعلي كلّ ما تريدين يا حبيبتي..!
ليلى: لن يكون باستطاعتي أن أفعل سوى شيء واحد..
سامر: ما دام ذلك الشيء يريحُكِ، فلا بأس به..
ليلى: ألا تسألني عنه..؟!
سامر: لم أرِد أن أكون فضوليًا فأضايقكِ بكثرة الأسئلة كبعض الأزواج.. أمّا إذا كانت رغبتكِ، فها أنا ذا أسألُكِ: ما الشيء الوحيد الذي ستفعلينه منذ ذهابي حتى أعود يا قمري..؟!
ليلى: القلق.
سامر: ماذا تقولين..؟!
ليلى: القلق.
سامر: أعوذ بالله من الشيطان الداخل علينا بالنكد.. ولماذا القلق..؟!
ليلى: لأنني هنا وحدي.
سامر: كثير من الزوجات يسهرنَ وحدهنّ منفردات..
ليلى: ربّما كان لديهنّ أطفال يتسلّينَ بهم.. ربّما كُنّ مُرغماتٍ على ذلك..!
سامر: آآ.. لقد فهمت.. تريدين طفلًا إذًا..؟! ولكنّنا اتّفقنا على...
ليلى: أريدك أنت يا سامر.. أريد أن نسهر معا كما كنا في البداية.. أنا تزوجتك أنت، لا التلفزيون، ولا الوحدة، وأريد أن أظلّ محافظةً على مشاعري نحوك، وأنا لا أستريح إلا إليك، كل امرأةٍ بحاجةٍ إلى رجل تأوي إليه؛ كحاجة كلِّ رجلٍ إلى امرأة..
سامر: أنا مُتّفق معكِ تمامًا، ولكن لي أصحابي، وعلاقاتي، وحياتي الخاصة بي.. ولا يمكن لي أن أبتر ذلك كلّه لمُجرّدِ أني تزوّجت..
ليلى: وأنا لا أريد هذا، أو أطلبهُ منك، ولكن.. يمكنكَ اصطحابي معكَ مثلًا، فأسهر مع زوجة صديقك..
سامر: معظم أصدقائي عُزّاب، ونحن نسهر في المقهى أحيانًا..
ليلى: حسنًا، فلتسهر مرة في الأسبوع، أو مرّتين..
سامر: لا أسمحُ لكِ أن تتحكّمي بي..
ليلى: أنا لا أتحكّم؛ بل أعطي رأيًا منطقيًا..!
سامر: منطقيّ من وجهةِ نظركِ..
ليلى: كنت أعتقد دائمًا أنّنا لا يُمكن أن نختلف..
سامر: هذه رومنسيّة تنتهي بانتهاء شهر العسل، لقد مضى على زواجنا ثلاثة أشهر.. ثمّ ماذا سنقول عندما نسهر معًا..؟! لقد جلسنا نعيد ونكرّر في كلامنا أكثر من شهرين.. "أحبّك يا حياتي.. أنتِ دُنياي كلها.. أنتِ أغلى من عمري.. أنت قمر حياتي.. ضياء روحي.. شفاءُ مواجعي.. سكني الهادئ.. إلخ". لقد انتهى الكلام.. قاموس العشق مثل قفص الصيّاد.. مفردات وأسلاك معدودة.. تفقد قيمتها بتحقّق الغرضِ منها..
ليلى: أهذا هو الحبّ في مفهومك..؟! أهذا الذي كنت تحدّثني عنه..؟! أهذا هو الذي جعلني أرفض الجميع لأختارك أنت..؟!
سامر: أنا لم أرغمكِ على شيء يا عزيزتي، ثمّ إيّاك ولهجة الاستعلاء هذه، ليلى..! ينبغي أن تكوني واقعية..!
ليلى: تقصد أن أرضخ للواقعِ مهما يكن..
سامر: إن من يسمعُكِ، يظنّكِ تعانين من الظلمِ والضّرب والـ...
ليلى: أحذّرك يا سامر..! إنّ الذي تتحدّث عنه قد مضى زمنهُ عند أجهل النّاس..
سامر: حسنًا يا عزيزتي، وماذا تريدينَ الآن..؟!
ليلى: لا شيء.. "وتذهبُ لغرفتها".
سامر: هذا أفضل حلّ، لن أرضخَ لكِ منذ الآن، لأن ذلك يعني أن أظلّ راضخًا طوال حياتي.. الأصدقاء بانتظاري لا ريب.. "ويخرج".
"تُخفت الأنوار تدريجيًا، ثم تعود.. إشعارًا بمرور الوقت"
تدخل ليلى: سامر.. إذا انتهيت فتعال..
سامر: نعم.. أية أوامر..؟!
ليلى: لا شيء.. كنت أريد محادثتك حول بعض الأمور..
سامر: تفضلي..
ليلى: اجلس لو سمحت..
يجلس سامر: جلسنا.. تفضلي..
ليلى: أريد أن نتحدّث عن حياتنا..
سامر: أفّ.. حياتنا.. حياتنا..! ألا تملِّين من الحديث عنها..؟!
ليلى: إننا لا نتحدث عنها كثيرًا..
سامر: بل كثيرًا.. وكثيرًا جدًا.. تفضلي، قولي ما عندك..
ليلى: سامر..! أنا لاحظتُ عليك بعض الأمور، أنا مترددة في قولها لك، ولكن حرصي على سلامة بيتنا وهدوئه يمنحني ما أحتاج من شجاعة..
سامر: وبعد المقدمة..؟
ليلى: أحب أن أسألك عن أيامنا الماضية.. وقد مضى على زواجنا قرابة العام.. أحسّ أنك بدأت تتغيّر، ولو سمحت لي لقلتُ: إنّك تغيّرت كثيرًا، بدأت تهمل شعرك وملابسك والاعتناء بأسنانك، بدأت تفقد كثيرًا من جاذبيّتك..
سامر: يا سلام..! وأنتِ..؟!
ليلى: ما لي أنا..؟!
سامر: لماذا لا توجّهين اللّوم إلى نفسكِ أولًا..؟! أين اعتناؤكِ بنفسك..؟! بثيابك..؟! بعطورك..؟! بزينتك..؟! كلّما أتيت رأيتكِ بلباس المطبخ.. شعرُكِ منفوش شرقًا وغربًا..!
ليلى: ولمن أتزيّن..؟! لمن ألبس ما دمتَ لا تهتمّ بي..؟!
سامر: لنفسكِ.. الأناقة سمة ذاتيّة.. يكفي أن تقفَ المرأة أمام المِرآةِ فتشعُر بالارتياح..
ليلى: ما دامَ ذلك قد لفت نظرك، فلماذا لم تنبّهني إليه..؟!
سامر: قلت في نفسي: اتركها لذوقها..
ليلى: قد يكون لديّ أسبابي، شغل البيت، عدم التفاتكَ لي.. أما أنت، فما عذرك..؟!
سامر: ردّة فعلٍ تُجاهكِ..
ليلى: لا يمكنني أن أظلّ عروسًا دائمًا بانتظار الفارس الهُمام.. لقد تعبت..
سامر: وأنا الآخر تعبتُ وملَلت.. وأرى أن نقفل الحديث هنا..
ليلى: كما تريد.
ينظر سامر في ساعته: أفّ.. لقد ضيّعتِ عليّ جزءًا من المُباراة.. "ويقوم ويفتحُ التلفزيون": إنّها مباراة رائعة..
ليلى: لا، سأفتح على القناة الأولى.. هذه الحلقة الأخيرة من المُسلسل.. "وتقلبُ المحطّات إلى القناة الأولى".
يغيّر سامر إلى القناة الثانية: يا عزيزتي..! إنها مباراة على البطولة..
ليلى: بإمكانك معرفة النتيجة آخر المباراة.. أما أحداث المسلسل فلا بُدّ أن أتابعها بالتفصيل..
سامر: لا تكوني قليلة عقل.. المسلسل كلام فارغ.. معروفة نهايته.. أن يتزوّج البطل البطلة، أو يمضيان كلّ في طريقه مع موسيقى حزينة..
ليلى: وماذا في مباراتك هذه، غير كرةٍ تطلع وتنزل بين الرؤوسِ والأقدام..!
سامر: هنا الفنّ.. التكتيك.. الخطط.. الإثارة..
ليلى: أن يقول هذا غيرُك، أمر مقبول.. أما أنت، خرّيج كليّة الآداب..! إنّ لكلِّ كاتب وجهة نظره.. وكذلك المُخرج.. إنّ المسلسلات تعبير عن الحياة..
سامر: بل إنني أقول من خلال اختصاصي أيضًا، إنها تعبير عن أوهام مريضة، في صدور فارغة، ورؤوس نخرة..
ليلى: والكرة..؟!
سامر: على الأقل، ليس فيها تمثيل وكذب..
ليلى: يبدو أن الحوار يدور في حلقة مفرغة..
سامر: أحسنتِ.. دعيني إذن أتابع المباراة..
"تنصرفُ ليلى، ويتابعُ سامر المباراة على الشاشة، حتى ينتهي الشوط الأول"
سامر: ليلى.. ليلى..
تدخل ليلى: نعم، ماذا تريد..؟!
سامر: إذا أردتِ مشاهدة المسلسل..
ليلى: لماذا..؟! هل انتهت مباراتك..؟!
سامر: انتهى الشوط الأول.. هناك استراحة مدّتها ربع ساعة.. "وينقلُ التلفاز إلى القناة الأولى": انظري.. لا ريبَ أنّه في دقائقهِ الأخيرة..
ليلى: آسفة.. شكرًا لك.. لم تعد بي رغبة في ذلك.. "وتنصرف".
سامر: أحسن.. كما تريدين، ولكن.. ليلى.. ليلى..!
ليلى تعود: نعم..
سامر: اعملي لي كوبَ شاي..
ليلى: أنا مشغولة..
سامر: قبل قليل كنت تريدين مشاهدة المسلسل.. ما هذا..؟!
ليلى: سامر..! الزواج احترام متبادل.. إذا كنت تظنّ غير هذا فأنت واهم.. أنا أرفض هذه المعاملة..
سامر: لا يا حبيبتي..! أنتِ الواهمة.. أنا أعاملكِ أحسن معاملة..
ليلى: هذا ما يتهيّأ لك.
سامر: إنها الحقيقة.
ليلى: إنّ سامر الذي عرفته غير سامر الذي أراه.. أنا أكاد لا أصدّق نفسي..!
سامر: وإنّ ليلى التي أعرفها غير ليلى التي أراها..
ليلى: لماذا تُصرّ على إغاظتي..؟!
سامر: لا تدعي الجنون يركبني.. ماذا تريدين منّي..؟!
ليلى: سامر الذي عرفته..
سامر: إذًا أعيدي إليّ ليلى التي عرفتها..
ليلى: أنا لم أتغيّر.
سامر: إذا كان فينا واحد لم يتغيّر، فهو أنا.
ليلى: أنسيتَ كلامك لي ووعودك وعهودك..؟! أنسيت لقاءاتنا الأولى..؟! كنا نتحدّث في كل شيء.. وكنت توافقني في كل شيء.. حدّثتك عن إعجابي بشكسبير وموليير والمتنبّي وطاغور وإليوت وأبو ريشة، فقلت لي أنهم شعراؤك المفضّلون.. حدّثتكَ عن الجاحظ وهيجو والعقاد والحكيم ونجيب محفوظ، فقلت لي بأنهم كُتّابكَ الرائعون..! ولكنّي لم أجدك مرّة واحدة تُمسك كتابًا لأحدهم منذ يوم زواجنا وحتى الآن..!
سامر: أولًا: الزوجة لا تترك وقتًا للمطالعة. ثانيًا: أنا لا أذكر بأني قلت لكِ شيئًا عن هؤلاء الكُتّاب والشعراء، لا سيما أنّ أكثرهم لا أعرف عنهم سوى أسمائهم. ثالثًا: لو حصل ذلك؛ أعني لو كانت ذاكرتكِ صحيحة، فهذا يعني أنني كنت أجاملُكِ وحسب. رابعًا: إنّ كل ما أذكره الآن، هو أنّك أنت التي كنت توافقينني على كلِّ شيءٍ أقوله، حتى أسماء النجوم الفنيّة، وألوان الألبسة، وصنوف الطعام والشّراب.. أتذكرين ذلك أم أبسطُ لكِ الأمور بالتفصيل..؟!
ليلى: كنتُ أجا.. أجامِلُك..
سامر: وأنا كنتُ أجامِلُكِ أيضًا.. لم أكن أصغي إلى كلامكِ، بقدر ما أستمتعُ بموسيقى صوتِك.. كان في عينيكِ سحرٌ مسيطِر على قلبي وأعصابي.. كانت كلّ ذرّةٍ بي متّجهة إليكِ.. ولكن.. مع الأسف.. لقد زالَ السحر..
ليلى: أكُلُّ كلامكَ لي كان مجاملةً..؟!
سامر: بالطبع.. لا تكوني ساذجة.. إنّ الرّجال ليسوا بأقلَّ مقدرةً على المجاملة.. إنّ المجاملة ضروريّة للجنسِ اللّطيف.. وإلّا، فهل يُعقل أن رجلًا مثلي لا تكون له آراؤهُ الخاصة في الحياة..؟!
ليلى: وما الذي دعاكَ إلى مجاملتي..؟!
سامر: نفسُ الذي دعاكِ إلى مجاملتي أنا..
ليلى: الآن فقط عرفتُ أني كنتُ أجاملك.. يبدو أنّ انسجامي مع تمثيل دوري قد أنساني الحقيقة..
سامر: صحّ النوم..!
ليلى: لقد رفضتُ كلّ الذين تقدّموا لي سواكَ من أجلكَ أنت.. حاولتُ أن أفهمك.. ويبدو لي أنّي فهمتُك كما أردتُ أنا، وليسَ كما هو أنت.. فهمتُكَ تحت سطوة أحلامي، وفي ضوءِ أشواقي..
سامر: ها أنتِ ذي تقولين الحقيقة، إنه ليسَ ذنبي كما ترين، وكي لا تحزني، أقول لكِ: إنّ الشيء ذاته قد حصل لي.
ليلى: لقد خدعتني..!
سامر: حاولي أن تكوني واقعية يا ليلى، افهمي الحياة كما هي، أفيقي من أحلامِك وتطلّعاتكِ الخياليّة، حبّ قيس وليلى، وروميو وجولييت شيء نادر قديمًا، وليس له وجود إلا في أخيلة مريضة ونفوس تستعذب العذاب، وأراهن أن كلّ تلك السلسلة من المجانين، لو قُدّر للعاشق منهم أن يحظى بحبيبته.. يتزوّجها.. يعيش معها في المطبخ، وساعةَ تستيقظ من نومها، لما سمعنا لهم بأثر..
ليلى: كلّ كلمةٍ تقولها الآن.. كنت تقول عكسها بالأمس..
سامر: هذا صحيح.. لا يمكنُ للمرءِ أن يعيش عمره كلّه في أحلام..
ليلى: تعترفُ إذًا بأنك ما كنت مؤمنًا بما تقولهُ يومًا مّا..؟!
سامر: حيث لم يعُد للمجاملة فائدة أو حاجة، فسأقول لكِ: لا.
ليلى: كنت تخدعني إذن..؟!
سامر: لا يمكن أن نُسمّي ذلك خداعًا..
ليلى: فماذا نُسمّيه إذًا..؟!
يصمتُ سامر قليلًا: إنّه تمثيل.. إنّ النّاس جميعًا يُمثّلون بوعيٍ أو بغيرِ وعي، حتى لو أحسنت فيك الظنّ، فسأقول بأنّكِ أنتِ الأخرى كُنتِ تُمثّلين.. ولكنّكِ كما قلتِ قبل قليل، كنتِ منسجمةً مع الدّور إلى حدٍّ أنساكِ الحقيقة..
ليلى: كنت أرفضُ الزواج بغير تعارف، هل فكرة التعارف وَهْم كما كانت أمّي تقول..؟! ها هي ذي أختي هند اصطلحت مع زوجها منذ زمن، وعادت حياتهُما كأحسن ما تكون، أمنَ المعقول أن تكون التي تزوّجت باختيارِ أهلها أسعدَ حالًا من التي تزوّجت باختيارها..؟!
سامر: إذا كنتِ غير مصدّقة لتجربتكِ، فأرسلي إلى زاوية: "سين جيم"، أو "مشكلات القُرّاء" في جريدةٍ ما أو مجلة..
ليلى: سامر..! كلماتُكَ تحرقُ أعصابي..!
يحدّق فيها سامر طويلًا: لقد بدأتِ تثيرينَ شفقتي..
ليلى: لا أنتظر شفقة أحد..
سامر: حسنًا، لقد نبّهتِ بي حبّي القديم، كان الموقف بحاجةٍ إلى انفجارٍ كهذا ليفضي كلّ مِنّا ما بنفسه.. ليلى..! حاولي أن تفهميني كما أنا، وسأحاول ذلك بدوري، الحبّ وحدهُ لا يكفي للزّواج، فكرةُ التّعارفِ خدعة قذرة توصل كثيرًا من الشبّان والشّابات إلى الخطأ والانحراف، حتى لو لم يحصل ذلك، فليس من المعقول أن يظهر المحبوب لمحبوبهِ الجانب الأسود منه، يعني ستبدأ فكرة التمثيل وتنتهي بسوء التفاهم.. مجلة غربية أجرت استطلاعًا كبيرًا، وجدت فيه أنّ نسبة حالات الطّلاق في الزيجات التي سبقها تعارف وحُبّ، كانت أكثر منها في الحالات التي لم يسبقها ذلك.. ولكنّ الناس لا تُحبّ أن تفتحَ عيونها..
ليلى: وأين قرأت ذلك..؟! أقصد: من أين اخترعته..؟!
سامر: صدّقيني إنه الحقيقة.. ليلى.. إنّ الزواج مثل الصداقة.. يجب أن يقترب كلّ منّا من الآخر، أنا أعترف بأنّي كنت مُخطئًا ومُقصّرًا معكِ.. تعالَيْ نفتحُ صفحةً جديدة في حياتنا، نملؤها بالتّفاهم والحنان والحبّ وخفض الجناح، بالصّفح والتغاضي وحُسنِ الظنِّ والعطاء بلا انتظار..
ليلى: أتظنّ ذلك مُمكنًا..؟!
سامر: بكُلِّ تأكيد.. ولكن بشرط..
ليلى: وما هو..؟!
سامر: أن تكون المبادرة من الجانبين.. إيه.. ما رأيكِ..؟!
"يتبادلانِ النّظرات طويلًا.. يبتسمان.. يضحكان"
سامر: موافقة.. آه..؟!
ليلى: موافقة..؟! سأوافق شئتُ أم أبيت.. لأنني الآن بدأتُ أفهمُك، بل أفهمُ الحياة..
سامر: حسنًا يا عزيزتي.. فلنبدأ التّعارفَ من جديد..
"يضحكان"
"ستار"
وسوم: العدد 795