عائشة
ناديا مظفر سلطان
المشهد الأول
شمس الضحى تشرق على الزقاق الضيق في الحارة بينما تقف على شرفتين متقابلتين الجارتان ،
أم زينو وأم سلمو.
أم زينو : صباح الخير يا أم سلمو.
أم سلمو: صباح الخير.
أم زينو: ما هذا اليوم الربيعي الجميل !
أم سلمو: فعلا إنه يوم بديع .
تظهر "عائشة" وهي طفلة لم تتجاوز العاشرة تحمل سلة وتتجه إلى بقالية الحارة في آخر الشارع.
أم زينو: هذه عائشة في مشوارها الصباحي المعتاد إلى البقالية .
أم سلمو: مسكينة هذه الطفلة ترعى البيت وهي بحاجة إلى من يرعاها.
يسمع صوت أم عبدو من وراء خَصاص النافذة في الطابق العلوي:
فعلا كان الله في عون هذه الطفلة ، أباها في المعتقل ، وأمها كادحة ، تعمل من باكورة الصباح ، وحتى المغيب .
من المنعطف في آخر الحارة يبرز صبي في سن المراهقة ،تبدو عليه سيماء البلاهة والشر في آن واحد ، يمتطي دراجة هوائية ، ويزرع الشارع جيئة وذهابا بسرعة جنونية .
تهتف أم سلمو: لقد جاء "الأزعر" ، اللهم قنا شره .
أم زينو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
تخرج "عائشة "من البقالية ، فيصدمها الأزعر بدراجته ويولي الأدبار . ترتمي الطفلة على الأرض فاقدة الوعي .
تطلق النسوة صرخات رعب وتبدأ أم عبدو بالولولة من وراء الخَصاص ، وما تلبث أن تظهر على الشرفة المقابلة لها صبية تمسك بفرشاة تسرح بها شعرها الأشقر الطويل ، تصرخ هي الأخرى لمرأى الطفلة الملقاة على الأرض دون حراك.
ينتهي المشهد
المشهد الثاني
الوقت في منتصف النهار عائشة لازالت ملقاة على الأرض لا تستطيع الحراك لكسر بليغ في ساقها ، وتحت رأسها بركة من الدماء ، وهي تئن تارة ، وتارة أخرى يغيب وعيها من شدة النزف ومن ألم الكسر.
تظهر أم سلمو على الشرفة من جديد : يا إلهي لازالت هذه المسكينة في مكانها لم يسعفها أحد .
يسمع صوت أم عبدو من وراء الخَصاص : كنت أتمنى اسعافها ولكن كما تعلمين يا عزيزتي أنا مشغولة للغاية بتحضير الوليمة السنوية لأصدقاء زوجي.
أم سلمو : كنت قد طلبت من أم زينو أن تطلب الإسعاف ترى ألم تفعل ؟ تصيح منادية أم زينو...أم زينو.
تظهر أم زينو و ما تلبث أن تصيح : يا إلهي هذه المسكينة لازالت على الأرض مع أنني كلمت الإسعاف ووعدوني بالحضور فورا !!
تظهر الصبية الشقراء على الشرفة من جديد ، تنطق بلغة ركيكة: يا جماعة لقد أخبرت زوجي بما حصل فطلب مني أن لا أتدخل خشية أن يتعرض الأزعر لابني "توتو" بالأذى .
أم سلمو: معك حق يا عزيزتي ، أنا أيضا أخشى على ولدي" سلمو" من أذى هذا الشقي.
أم زينو: كلنا نخاف على أولادنا منه ، فهو شرير وأحمق في آن واحد.
أم عبدو من وراء الخصاص : والله معكن حق ، أنا أيضا لا أصدق متى يأتي عبدو من المدرسة سالما ويدخل البيت دون مشاكل مع هذا الشقي .
تدخل النسوة الثلاث ، أم زينو وأم سلمو والصبية ، منازلهن ويغلقن أبواب الشرفات.
ينتهي المشهد
المشهد الثالث
يفتح جزء من خصاص النافذة تلقي أم عبدو إلى الطفلة برغيف من الخبز ، يقع الرغيف قرب رأسها الجريح فيتضرج بالدم . تفتح "عائشة" عينيها قليلا ثم ما تلبث أن تغمضهما من جديد.
تظهر أم زينو على الشرفة تهتف بأم عبدو : جزاك الله خيرا يا عزيزتي والله أنت دائما سبَاقة للخيرات كنت أحدث نفسي أن هذه المسكينة قد تكون جائعة .
تغيب المرأة لحظات وتعود فتلقي ببطانية إلى الطفلة.
تهتف أم عبدو من وراء الخَصاص : أحسنت يا عزيزتي ، الليل قادم و لابد أن يميل الطقس للبرودة .
تظهر الصبية من جديد على الشرفة فترمي الطفلة بحجر !
تصرخ المرأتان من الدهشة .
تتسأل ام زينو بغضب : لماذا ترجمين هذه المسكينة الجريحة.
ترد الصبية ببراءة مفتعلة: لقد ألقيت إليها ببعض النقود وقد أثقلتها بحجر خشية أن تذهب بعيدا عنها .
تظهر أم سلمو للحظات تتأمل "عائشة " ، تهز رأسها بأسى ، ثم تدخل إلى شقتها.
ينتهي المشهد
المشهد الرابع
الشمس تميل إلى المغيب و"عائشة" لازالت ملقاة على الأرض ، ولكن يبدو انها فقدت وعيها تماما لكثرة النزف وشدة الألم .
تظهر حافلة المدرسة في أول الشارع وفيها "عبدو وسلمو وزينو و توتو "،
في الطرف الآخر من الشارع ، يبرز الأزعر من جديد ، وهو يمتطي دراجته بسرعة جنونية ، يقهقه عاليا ، ويلوح بيديه في الهواء مباهيا بمهارته ،وهو يتلوى يمنة ويسرة ،فتتلوى رقبته الطويلة مع حركاته البهلوانية ، ينعطف السائق بالحافلة كي يتفاداه فتنقلب على جنبها فوقه ، فتصرعه في الحال.
تسمع الأمهات صوت الارتطام فيهرعن إلى الشارع ...ومعهن أم عبدو .
تبدأ النسوة بالولولة وهن ينظرن إلى جثث أولادهن الأربع وهي محشورة بالحافلة.
تصحو عائشة من شدة الصراخ حولها ، في الوقت الذي تبزغ فيه أمها عائدة من نهار عمل طويل ومضن .
تندفع أم عائشة إليها مذعورة ، تحملها بين ذراعيها ،تقبلها وهي تبلل وجهها بالدموع .
تبتسم عائشة ابتسامة واهنة وتتمتم : أماه ، عودي بي إلى البيت.
ترفع "أم عائشة "، بصرها إلى السماء ، تهتف بامتنان :
اللهم لك الحمد والشكر ، ف "عائشة " عائش .