الزبير بن العوّام
عبد الله الطنطاوي
صوت أجش: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لكل نبيّ حواريّ، وإن حواريَّ الزبير بن العوّام".
فوزي: من؟ الزبير بن العوّام؟ يا مرحباً بحواريّ رسول الله في هذه الحياة، وبجاره في الجنة.
فوزية: أهلاً بجدّنا الذي بشّره النبيّ الكريم بالجنة، ومات وهو راض عنه.
الزبير: أهلاً بكم يا أحباء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا أحفاد المجاهدين الأولين.
فوزي: نحن نعيش منذ قرن من الزمان يا جدي الشهيد، تحت وطأة مؤامرات دنيئة خسيسة، وقد رأينا استضافة عظيم من عظمائنا في التاريخ كل مرة، نحاوره ونستفيد من تجاربه ونصائحه، نريد أن نأخذ من ماضينا المجيد، لحاضرنا التعيس، ولمستقبلنا المجهول، في وسط المؤامرات الخبيثة التي تحاك ضد عروبتنا وإسلامنا.. فهل لك يا جدي أن تحكي لنا عن بعض ما مر بك في حياتك الجهادية، لنستفيد منه؟
الزبير: نحن، يا أولادي، وهبنا أنفسنا لله عز وجل، وكل أمر تكون فيه مرضاة الله سبحانه، فأنا على استعداد لتقديمه، فماذا تريدون؟
فوزية: نريد نبذة عن حياتك يا جدي الشهيد.
الزبير: اسمي الزبير بن العوّام بن خويلد، من قريش، كنيتي أبو عبد الله. ولدت في مكة المكرمة قبل الهجرة بثمانية وعشرين عاماً. مات أبي العوّام وأنا صغير، فكفلني عمي نوفل، وأمي صفية بنت عبد المطلب، عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، آمنت بالله ورسوله، وهاجرت إلى المدينة المنورة، وابتليت بقتل أخيها حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد، فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل الله.
فوزي: وهي التي قتلت اليهودي الذي كان يطوف بحصن حسان بن ثابت، وخافت أن يدل عليهن، فأخذت خشبة كبيرة وقتلته بها.
الزبير: وفي غزوة أحد، عندما رأت المسلمين انهزموا وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قامت وبيدها رمح، وصارت تضرب في وجوه الناس وتقول:
صوت امرأة قويّ: انهزمتم عن رسول الله.
فوزي: ثم ماذا يا أيها الأسد الهصور؟
الزبير: أسلمت على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأنا ابن ثماني سنوات.
فوزية: يعني كنت طفلاً عندما أسلمت يا جدي؟
الزبير: تعدُّ ابن الثمانية طفلاً؟ بل كنت رجلاً ابن ثماني سنوات.
فوزي: وعندنا الآن أطفال في فلسطين المحتلة، يعيدون سيرتكم الأولى، إنهم، في هذه الأيام العصيبة، والمؤامرات على فلسطين من كل الجهات، يتصدّون للعدو الصهيوني بأيديهم الصغيرة، يحملون بها الحجارة الصغيرة، يرجمون بها العدو اليهودي بكل شجاعة وإقدام، لا يهابون رصاصه ولا قنابله.
الزبير: أفرحتني أسعدك الله.. وأرجو ألاّ يكون أطفالكم أجرأ منكم في خوض المنايا..
فوزية: الحق أنهم أجرأ من الكبار يا جدي، وقد استُشهد منهم عدد كبير، والعرب والمسلمون يسمعون أخبارهم في الإذاعات، ويشاهدون بطولاتهم في التلفزيونات، ويقرؤون عن معاناتهم في الصحف، ثم لا يحرّكون ساكناً.
الزبير: وتتركونهم وحدهم في المعمعة؟.. لا بارك الله بكم إن دفعتم صغاركم إلى مذابحهم، وجلستم تتفرجون عليهم.
فوزي: يا ليتنا نتفرج عليهم.. إننا، بل إن المترفين فينا يتقلّبون على سرر النعيم، يلهثون وراء شهوات هابطة، فيما يشاهدون مذابح أطفالنا على أيدي نسل الأفاعي، بني صهيون.
الزبير: يا حسرة على العباد.. إذن فليفتّش أولئك عن إيمانهم، عن إسلامهم، عن سلامة الدماء التي تجري في عروقهم، فلم يكن العربي المسلم إلا أبياً، لا يُسلِم أخاه ولا جاره ولا أيَّ إنسان للجزّارين.. إنه يبذل دمه في سبيل ألاّ يراق دم مظلوم.
فوزية: لذلك.. نرجو أن تزوّدنا يا سيدي بحديث الجهاد والمجاهدين.
الزبير: غضب قومي لإسلامي، وكان عمي نوفل بن خويلد يعلّقني بحصير، ويدخّن عليه بالنار ويقول:
صوت كريه: ارجع إلى دين آبائك، ودعْ دين محمد.
الزبير: وكنت أجيبه: لا والله لا أرجع أبداً.
فوزي وفوزية: ما شاء الله.. ما شاء الله.
الزبير: وعندما اشتدّ الأذى على المسلمين، أمرنا رسول الله بالهجرة إلى الحبشة، فهاجرت مع من هاجر من المسلمين، ثم هاجرت مرة ثانية إلى المدينة المنورة.
فوزية: ونلت أجر الهجرتين.
الزبير: وأنا أفتخر إذ كنتُ أول من سلَّ سيفاً على المشركين في مكة، عندما توهّمت أن المشركين أخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلّى عليَّ رسول الله، ودعا لي ولسيفي.
فوزي: هنيئاً لك يا جدي دعوة رسول الله لك ولسيفك.
الزبير: وشهدت مع الرسول القائد المشاهد كلها، ولم أتخلّف عن غزوة قط.
مؤثرات: موسيقى حربية.
الزبير: في غزوة بدر، وضعني الرسول القائد في مقدّمة الصفوف، وقاتلت دون رسول الله قتالاً شديداً، وأُصبتُ في كتفي إصابة بليغة، تركت حفرة فيه، كان ابني عبد الله بن الزبير يضع أصابعه فيها وهو صغير، فيلعب بها.
فوزية: هذه الإصابة البليغة، سوف تشهد لك يوم القيامة، بأنك جاهدت في الله حق جهاده.
الزبير: وأذكر أنني لقيت، يوم بدر، عبيدة بن سعيد بن العاص، وهو مدجج، لا يرى منه إلا عيناه، وكانوا يدعونه (أبا ذات الكرش) فحملت عليه بحربتي فطعنته في عينه، فمات، ولقد وضعت رجلي عليه وتمطيت حتى استطعت انتزاع حربتي وقد انثنى طرفها.
فوزي وفوزية: الله أكبر.. الله أكبر.
الزبير: وفي غزوة أحد قاتلت أعداء الله قتالاً مريراً، وعندما دارت الدائرة على المسلمين نتيجة خطأ الرماة، وانهزم الناس وتركوا رسول الله، ثبتُّ إلى جانب الرسول القائد، وقاتلت دونه مع من قاتل من أبطال المسلمين، وأُصبت بجراح كثيرة في هذه المعركة.
فوزي: في سبيل الله كلّ ما لقيتم يا أجدادنا الأبطال.
الزبير: وعندما ندبنا الرسول القائد إلى غزوة حمراء الأسد، كنت فيمن لبى النداء، وجراحي تنزف.
فوزي وفوزية: الله أكبر.. الله أكبر.
الزبير: وفي غزوة الخندق، عندما جاءنا مشركو العرب من كل حدب وصوب، وأحاطوا بالمدينة المنورة، كنت طوع أوامر الرسول القائد، وكنت أمرّ بفرسي على يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد الذي عاهدوا عليه رسول الله، مخافة الغدر بنا، لأن اليهود قوم غدّارون، وكان يراني رسول الله وأنا على فرسي وبسلاحي، فيقول عليه السلام: فداك أبي وأمي.
فوزية: بأبي أنتم وأمي، يا أصحاب رسول الله.. بأبي أنت وأمي يا سيدي يا رسول الله.
الزبير: صلى الله عليه وسلم.
فوزي: زدنا يا جدي، فإن لحديثك فعلاً عظيماً في نفوس كل من يسمعك الآن.
الزبير: وفي غزوة الخندق، وكانت من أشد ما لقينا من قريش وحلفائها، في غزوة الخندق، ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال:
صوت قوي متميز: ألا رجلٌ يأتينا بخبر بني قريظة؟
الزبير: فقمت وقلت: أنا يا رسول الله. فقال الرسول ثانية:
الصوت نفسه: ألا رجل يأتينا بخبر بني قريظة؟
الزبير: فقمت وقلت: أنا يا رسول الله. فقال الرسول ثالثة:
الصوت القوي المتميز نفسه: ألا رجل يأتينا بخبر بني قريظة؟
الزبير: فقمت وقلت: أنا يا رسول الله، فأذن لي الرسول القائد، وانطلقت إلى بني قريظة، ثم عدت بأخبارهم إلى الرسول القائد صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام:
الصوت القوي نفسه: لكل نبيّ حواريّ، وحواريّ الزبير.
فوزية: هنيئاً لك يا جدي المجاهد المقدام.. هل من مزيد؟
الزبير: شاركت في كل الغزوات التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت دائماً إلى جانب الرسول القائد، أفديه بنفسي، وأوثره على كل شيء في حياتي، وما كنت أستطيع أن أتصوّر أنّ أحداً من المشركين خَلَصَ إليه وأنا حيّ.
فوزي: هل من ذكرى مميزة لك مع رسول الله؟
الزبير: صلى الله عليه وسلم.. أجل.. لقد بشّرني الرسول القائد بالجنة.. وكنت أحد العشرة المبشرين بالجنة، كما بشرني بالشهادة.
فوزي وفوزية: كيف؟
مؤثرات: موسيقى حالمة.
الزبير: كنّا ذات يوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد بن أبي وقاص.. كنّا على جبل حِراء، فتحرك الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الصوت القوي المتميز نفسه: اسكُنْ حِراء، فما عليك إلا نبيٌّ أو صدّيق، أو شهيد.
الزبير: فعرفتُ ورَجوتُ أن أكون شهيداً.
فوزي: هلاّ رويت لنا حديثاً شريفاً في فضل الشهادة أو الشهيد يا جدي؟
الزبير: احفظوا هذا الحديث إذا شئتم.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
للشهيد عند الله ست خصال:
يُغفر له في أول دفقة.
ويُرى مقعده من الجنة.
ويُجار من عذاب القبر.
ويأمن من الفزع الأكبر.
ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها.
ويُزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين.
ويشفع في سبعين من أقاربه.
الزبير: ما رأيكم؟
فوزية: هنيئاً للشهداء.
الزبير: ويكفي أن تقرؤوا قول الله عز وجل في مقام الشهيد عند ربه، حتى تتمنّوا أن تكونوا شهداء.. اسمعوا هذه الآيات الرائعات:
صوت أجش: ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفِهم، ألاّ خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين، الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيم.
الزبير: الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، هم أولئك الذين لبّوا نداء الرسول القائد للحاق بالمشركين الذين عادوا من غزوة أحد.. انتدبنا رسول الله إلى حمراء الأسد، فأسرعنا ملبين النداء، وجراحنا تقطر دماً، فأكرمنا الله بهذه الآية الكريمة:
الصوت الأجش: الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، للذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيم.
الزبير: أرجو أن أكون منهم.
فوزي: بل أنت منهم يا جدي، فقد روى ابنك عروة بن الزبير، عن خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت له: أبواك والله من الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح.
فوزية: معنى هذا، أن زوجتك أسماء كانت ممن شارك في غزوة حمراء الأسد؟
الزبير: لا.. زوجتي لم تشارك في هذه الغزوة، وإنما شاركت في معركة اليرموك.
فوزي: الله أكبر.. إذن أنت وزوجتك شاركتما في معركة اليرموك!
فوزية (مقاطعة): عفواً يا أخي.. لم يجبني جدي الزبير عن معنى قول السيدة عائشة لعروة بن الزبير: أبواك والله من الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح.
الزبير: الأمر بسيط يا ولدي.. أبواك تعني جدّه أبا بكر الصديق والد أسماء أم عروة والزبير.
فوزية: أبواك، تعني أباه الزبير، وجدّه الصدّيق إذن؟
الزبير: نعم يا ولدي. فقد كان أبو بكر ممن استجاب لنداء الرسول، وسارع إلى حمراء الأسد.
فوزي: هل نعود إلى اليرموك يا جدي؟
الزبير: نعود.. فقد كنت أنا وزوجتي أسماء بنت أبي بكر الصديق ممن خاضوا معركة اليرموك، كنت أقاتل، وكانت أسماء تسقي الجنود، وتُعنى بالجرحى، وتخدم الجيش، وتحرّض على القتال.
فوزي: في كل يوم نكتشف، يا جدي، أدواراً مشرّفة للمرأة العربية المسلمة.
الزبير: النساء شقائق الرجال يا ولدي، وما قصّرت نساؤنا عن أداء الواجب أبداً.. اقرؤوا تاريخكم، لتروا جدّاتكم قد سطّرن أعمالاً جليلة، أين منها نساء العالمين.
فوزية: اسمع يا جدي ماذا قرأت في التاريخ:
صوت ضخم: وفي وقعة اليرموك، روى البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه، أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشدُّ فنشدّ معك؟ فحمل عليهم (الزبير) فضربوه ضربتين على عاتقه، كان عروة يدخل أصابعه في تينك الضربتين، يلعب بهما وهو صغير.
فوزي: واسمعوا، يا جدي، ما قرأت أنا في التاريخ عنكم.
الصوت الضخم: حدثنا حفص بن خالد قال: حدثني شيخ قدم علينا من الموصل، قال: صحبت الزبير بن العوام في بعض أسفاره، فحانت مني التفاتة إلى جسده، فرأيته مجذعاً بالسيوف.. وإنّ في صدره لأمثال العيون من الطعن والرمي.
فوزية: ويحدثنا التاريخ عن حضورك إلى الجابية مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فوزي: وأن أمير المؤمنين عمر، جعلك ممن يصلح للخلافة.
فوزية: وأن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، كان يراك أصلح من يقوم بأمر الخلافة من بعده، وقال لمن طلبوا منه أن يستخلف على المسلمين أميراً منهم.
صوت ضخم: أما والله إنكم لتعلمون أنّ الزبير خيركم.
أما والله إنكم لتعلمون أنّ الزبير خيركم.
أما والله إنكم لتعلمون أنّ الزبير خيركم.