وإذا الموؤدة سئلت
محمد الخليلي
سأل الوالد أين ابني حسام فأنا لم أره اليوم ، لقد تأخر عن موعد رجوعه من المدرسة ، فهاهي الساعة الثالثة ولم يعد بعد ؟
الأم : لقد أخبرني أن لديه حصة نشاط إضافية اليوم ، وربما يتأخر للساعة الرابعة عصراً .
ساجدة : مارأيك يا أبي أن نتناول الغداء ، ثم نبدأ بالتلاوة والتفسير فوراً ؟
الأب : ولم يابنيتي ؟
ساجدة : لأسباب متعددة .
الأم : ألا تقولينها لنا ؟
ساجدة : قد أقول بعضها وأحتفظ بالبعض الآخر لنفسي .
الأب : ألم نعلمك الصراحة ياساجدة ؟
ساجدة : بلى ياأبتي ولكن ...
الأم : أنا أتوقع أن الأسباب التي تريدين الاحتفاظ بها تخص أخاك .
ساجدة وقد فغرت فاها مشدوهة : كيف عرفت ياأمي ؟
الأم : أنا أقرأ الأفكار .
ساجدة : وهل الأفكار تُقرأ ؟
الأم : هذا علم ياابنتي .
ساجدة : ومن علـَّمك إياه ؟
الأم : ساعديني في ترتيب طعام الغداء وسأخبرك أثناء إعداده.
ساجدة : أليس الكلام منهيا عنه على الطعام ؟
الأم وهي تضع الأطباق على الطاولة : أبدا ياساجدة ، بل إن أباك يفضل أن يغتنم هذا الوقت للتحدث مع أفراد العائلة ؛ لأنه لايجد الوقت الكافي بعد رجوعه من العمل لكي يتحدث معكم .
ساجدة : حدثيني الآن ياأماه عن قراءة الأفكار .
الأم : هذا العلم يعتمد يابنيتي على الذكاء أولا ثم على الفراسة .
ساجدة : فهمت ياأماه ماهو الذكاء ، ولكن ماهي الفراسة ؟
الأم : أيضا هو علم يعتمد على شدة الذكاء عند الشخص وقدرته على ربط الأمور سريعا ً عند الحديث عن أمر ما ، أضيفي إلى ذلك معرفته العميقة عن الشخص الذي يقرأ أفكاره ، علاوة على ذلك قدرته على تحليل لغة الجسد .
ساجدة : وهل للجسد لغة ؟!
الأم : طبعا ، وهي تعادل ضعفي اللغة المحكية استعمالا ً .
ساجدة : ولكن كيف ؟
2
الأم : العيون لها لغة على سبيل المثال وتسمى لغة العيون ، فالإنسان كثيرا ما يعطي إشارات بعيونه قد تعبر عن الرضا أو السخط أوغيرهما ، ويعطي إشارات أيضا بوجهه أو يده أو يديه أو جسمه . وقد يؤشر المرء بعينه خلسة لشخص دون أن يراه الآخرون ، وهذه تسمى خائنة الأعين ، والرسول صلى الله عليه وسلم حين طلب منه الصحابة أن يؤشر لهم بعينيه رفض ذلك قائلا ً ماكان لرسول أن يكون له خائنة أعين .
ساجدة : هل يعني ذلك أن أية خائنة أعين محرمة ؟
الأم : لا ياساجدة ، فأحياناً قد أغمزك بعيني كي تأتي بالضيافة للأضياف دون أن يروني ، وأحيانا أشير لأخيك بعيني كي يسكت ، وما إلى ذلك ، وكثير من إشارات العين والوجه والجسد نستخدمها يوميا وتعطي دلالات معينة وهي في نفس الوقت ليست محرمة . والله عز وجل هو الذي يرصد وحده خائنة الأعين حيث يقول ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور )
ساجدة : وهل تكلَّم القرآن عن إشارات جسدية محرمة ؟
الأم : أجل يا ابنتي ، كثيرا ما تعرض القرآن للحركات الجسدية التي يقوم بها الكفار استهزاءً بالرسل والمؤمنين .
ساجدة : هل لي أن أعرف بعضها يا أمي ؟
الأم : سأورد لك بعضها ريثما ينضج الطعام الذي أطهوه . في سورة هود يقول الحق تبارك وتعالى : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ) أي أنهم يطوون صدورهم مخافة أن يؤثر القرآن فيهم لما له من معجزة التأثير على الناس فيؤمنوا .
أما في سورة الإسراء فيتعرض القرآن الكريم لأولئك المكذبين بيوم الدين وكيف يستهزؤن بالذي يذكرهم بالبعث والنشور قائلا ً( فسيقولون من يعيد نا ، قل الذي فطركم أول مرة ، فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريبا ) .
ساجدة : وما معنى ينغضون إليك رؤوسهم ؟
الأم : أي يحركونها استهزاءً ، كمن لايصدق الأمر .
ساجدة : ولكن هناك إشارات بالرأس قد تعني القبول والموافقة أو الغضب أو الرفض وكثيرا من المعاني الأخرى ، أليس ذلك صحيحا ياأمي ؟
الأم : أجل ياساجدة ، أراك فهمت الآن معنى قراءة الأفكار ولغة الجسد ؛ لذا سأضرب لك مثلا أخيرا من القرآن الكريم ثم نسكب الطعام في الصحون .
ساجدة : كلِّي آذان صاغية ياوالدتي .
3
الأم : بارك الله فيك ، ففي سورة نوح عليه السلام يحدثنا الله تبارك وتعالى عن الكفرة من قوم نوح قائلا ً( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ) .
ساجدة : فهمت معنى جعلوا أصابعهم في آذانهم ، فأنا أفعل ذلك حينما لا أريد أن أسمع كلاما ما ، ولكن مامعنى ( واستغشوا ثيابهم ) ؟
الأم : إما أنهم بالغوا في إظهار الكراهة للدعوة برفع ملابسهم إلى مافوق رؤوسهم ، أو أنهم حينما كانوا يرفعونها تظهر عوراتهم لعدم لبسهم ملابس تحتية فيضطر نوح عليه السلام أن يتركهم ، وفي ذلك إيذاء له وللمؤمنين .
ساجدة : أين تعلمت كل هذا ياأماه ؟
الأم : من والدك بداية ثم من معلمة القرآن التي أجازتني في القراءات .
ساجدة : شكرا لك ياأبتاه .
الأب : هذا واجبي يابنيَّة ، ولا شكر على واجب .
الأم : مارأيكم أن نبدأ بتناول طعام الغداء قبل أن يبرد ؟
الأب : حسنا ً، وعسى أن يأتي حسام فيشاركنا الغداء.
ساجدة وقد رفعت حاجبيها ولم تتفوه بكلمة .
الأم : هذه من لغة العيون السلبية ياساجدة .
ساجدة : أنا لم أقل شيئا .
الأم : لكنني فهمت كنه مقالة عينيك .
ساجدة : وماعساهما تقولان ؟
الأم : تقولان إنك تفضلين تناول الغداء دون أخيك .
ساجدة : يا لك من ذكية .
الأم : ألم أقل لك إنه علم وحدس وفراسة ؟
الأب : تفضلوا إلى الغداء وإلا سيبرد .
الأم : يارب يأتي حسام . ولم تكد تكمل كلماتها حتى دُقَّ الجرس ، فقالت الأم كن حساما ، فضحكت البنت قائلة : أهذه لغة أيضا ، ما اسمها ؟
الأم : هذا حدس الأم وإلهامها القلبي ، قومي فافتحي الباب لأخيك .
حسام : السلام عليكم ياأهلي ورحمة الله وبركاته .
الجميع : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .
ساجد : أبي يقول من يأتي والطعام حاضر فحماته تحبه .
الأبوان : أهلا ً بك ياحسام .
ساجدة : ولكنك قلت إنك ستتأخر ، وأراك قد حضرت مبكرا ً .
4
حسام : أنا أعلم علم اليقين أنك بُهـِتِّ بمجيئي مبكرا ، وودت لو أنني تأخرت وما أدركت الغداء معكم .
ساجدة : أنا أسأل مجرد سؤال بريء .
حسام : يالك من بريئة وأسئِلتِك .
الأم : كفـَّا عن الجدال وابدآ بالطعام .
وبعد أن تناول الجميع طعام الغداء شكروا الأم على طبخها اللذيذ الشهي ، فبادرت ساجدة إلى القول واشكروني أيضا فقد ساعدت أمي بتحضير الطعام ففعلوا إلا حساما فلم ترق له هذه الفكرة . ثم انتقلوا من مائدة الغداء إلى مائدة القرآن .
وبعد أن قرأت ساجدة سورة التكوير سألت والدها هذا السؤال : أيوجد في عصرنا هذا وأد للبنات ياأبي ؟ فقد مرت معنا آية تقول ( وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قُتلت ) وهل يمكننا أن نعتبر هذا الحكم منسوخا ؟ أنا لم أسمع قط في حياتي عن أب وأد بنته في زماننا ؟
الأب : جواب السؤال الأول نعم يوجد في عصرنا هذا وأد آلاف الأضعاف عما كان موجودا في السابق ولكن على شكل قتل علمي منظم .
أما جواب السؤال الثاني فلا يمكن لبشر أن ينسخ حكما شرعيا ، إنما الله له الحق بأن ينسخ أحكامه إذ يقول ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ) .
ساجدة : اضرب لنا مثالا ياأبي
الأب : هناك أحكام ناسخة في المواريث فآيات الإرث في فواتح سورة النساء نسخت آيتا المواريث السابقتين .
الأم : وما هما ؟
الأب : الآية الأولى من سورة البقرة ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) . والآية الثانية من سورة النساء (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شهيدا ) فقد كان المهاجري يرث أخاه الأنصاري والعكس ، فجاءت آيات ( يوصيكم الله في أولادكم ) ناسخة لما قبلها .
والرسول صلى الله عليه وسلم قد ينسخ حكما ما .
حسام : مثل ماذا ياأبي ؟
الأب : مثل زيارة القبور فالرسول صلى الله عليه وسلم قال ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ) لأنها تذكر بالآخرة .
5
حسام : ألا يعاقب القانون العصري على قتل الأولاد ؟!
الأب : بل سُنَّت قوانين لذلك تحمي القتلة .
ساجدة : يالله ! ماهذه القوانين التي يسمونها عصرية !
الأب : كان الناس في الجاهلية يقتلون أولادهم لسببين ؛ إما للفقر أو العار .
ساجدة : اشرح لنا ياأبي السببين .
حسام : السببان واضحان ولا يحتاجان لشرح .
الأب : أرجوك ياحسام لاتجب عما لم تُسأل عنه ، والآن تفضل واشرح أنت مادام الأمر واضحا ً .
حسام : كان الناس في الجاهلية يقتلون أولادهم لسببين ؛ إما للعار أو الفقر .
ضحك الجميع وقال الأب : وفسر الماء بعد الجهد بالماء . سكت الجميع ولكن ساجدة استمرت بالضحك .
حسام : ألم تقل لك ماما مرارا إن الضحك بدون سبب قلة أدب ؟
ساجدة وقد حاولت أن تخفف من حدة ضحكها فأجابت ولكنني ضحكت بسبب ..
الأب وقد حاول أن ينهي الجدال فقطع عليهما الحديث قائلا ً : لقد ورد النهي عن قتل الأولاد بسبب الإملاق أي الفقر في موضعين في القرآن الكريم : الأول جاء في سورة الأنعام ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) والثاني في سورة الإسراء ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ ً كبيرا ً ) .
الأم : لماذا قال الله تعالى في الآية الأولى نحن نرزقكم وإياهم وفي الثانية قال نحن نرزقهم وإياكم ؟ ماهي دلالات التقديم والتأخير ياأبا حسام ؟
الأب : سؤال جيد ، فالتقديم والتأخير لايأتي عبثا في القرآن الكريم وإنما كل حرف جاء في موضعه لحكمة اقتضاها الله عز وحل في كتابه العزيز . أما بالنسبة لهاتين الآيتين فيقول في تفسيرهما العلامة محمد متولي الشعراوي رحمه الله : إن الآية الأولى تتكلم عن فقر موجود فحذر الله الآباء من قتل أولادهم بسبب الفقر الذي يعانون منه فقدم ضمير الآباء على الأبناء . أما في آية الإسراء فإنه يتكلم عن فقر متوقع ( خشية إملاق ) لذا نهى الآباء عن قتل أولادهم بتقديم ضمير الأبناء على ضمير الآباء .
حسام : وما هو القتل المنظم الذي وعدتنا بالحديث عنه ياأبتي ؟
الأب : هو مايسمى بالإجهاض .
ساجدة : وما هو الإجهاض ياأبي ؟
الأب : هو قتل الجنين في بطن أمه .
ساجدة : يالطيف ولماذا يقتلونه ؟!
6
الأب : لأسباب كثيرة أولاها مايسمونه بتحديد النسل .
حسام : قد سمعت بهذا المصطلح ولكني أريد أن تفصِّله لنا ياأبي .
الأب : إن علماء السكان في عصرنا الحالي يدَّعون أن عدد سكان الكرة الأرضية يرتفع بازدياد مطَّرد وسيشكلون مايسمى بالانفجار السكاني ؛ أي أن الأرض لن تعود كافية لاستيعاب عدد السكان المتزايد .
حسام : وهل هذا صحيح ؟
الأب : أبداً لأن الله تكفل برزق النملة وكل دابة على الأرض فقال في محكم التنزيل : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) سورة هود .
الأم : إذاً فما هو سبب وجود أناس يموتون جوعا يا أبا حسام ؟
الأب : بسبب سوء توزيع الثروات ، وبسبب الأنظمة الاقتصادية الوضعية كالرأسمالية والاشتراكية وغيرهما ؛ فالرأسمالية تضع الثروة في يد الفرد فيتحكم فيها فتجعل طبقات في المجتمع ، فترَيْن الغنى الفاحش وترَين الأغنياء يموتون تخمة ، وبالمقابل ترَين الفقر المدقع الذي يموت فيه الفقراء بسبب المجاعات . وأما الاشتركية فهي على النقيض تماما إذ تلغي الملكية الفردية وتجعلها جماعية . أما الإسلام فهو دين الوسطية فلم يلغ الملكية الفردية ولم يدع المال يتركز في أيدي قلة من الناس فقال الله تعالى : ( كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم ) . وهناك سبب رئيس يغفل عنه كثير من الناس وهو أن معظم المسلمين لايؤدون زكاة أموالهم .
حسام : وهل يُعقل أن مسلما لايدفع زكاة ماله ؟!
الأب : كثير ماهم . بعض المسلمين إذا سألته عن الزكاة فلا يعرف من أحكامها شيئا ً ، وربما قال لك آخر أنا أدفع للفقراء هكذا دون حسابات ، وربما كان تاجرا ً فإذا سألته ألا تعمل حسابات سنوية لتجارتك ؟ فيجيب طبعا ً فتقول له فلماذا لاتعمل حسابات مع الله ؟ فيقول أنا أدفع على البركة ولا تحتاج الزكاة إلى حسابات .
ساجدة : وما هي النسبة المفروضة للزكاة ؟
الأب : ربع العشر على الأموال النقدية وعروض التجارة .
حسام : أي أنها نسبة2.5% كما قال لنا الأستاذ .
ساجدة : إنها نسبة ضئيلة فلماذا يقصر في دفعها بعض المسلمين ؟
الأم : بسبب البخل .
حسام : ومتى تُدفع الزكاة ؟
الأم : كل سنة قمرية .
7
حسام : وهل تكفي الزكاة لسد احتاجات الفقراء والمساكين ؟
الأب : بل ويفيض مال كثير ، وهذا ما حصل في زمن الخليفة الراشد العادل عمر بن عبد العزيز ، عندما كان يطوف رسول أمير المؤمنين على الناس بالصدقة فلا يجد من يأخذها ، رغم أن فترة حكمه لم تدم ثلاث سنوات فقد توفاه الله في ريعان شبابه .
ساجدة : لقد حدثتنا مدرسة التاريخ عن قصة هذا الأمير العادل .
الأم : هل تسمح لي يازوجي بإكمال الفكرة ؟
الأب بالطبع ، تفضلي يازوجتي .
الأم : صحيح أن الشارع حدد النسبة المفروضة للزكاة ولكنه فتح الباب على مصراعيه للصدقات فآية الزكاة حددت ذلك بقوله تعالى ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) سورة المعارج ، أما أية الذاريات فقد تركت المجال مفتوحا بقوله عز من قائل ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) فهذه الآية تتحدث عن الصدقة التي قال اله تعالى فيها ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه تُرجعون ) البقرة .
ساجدة : عندي سؤالان .
الأب : تفضلي ياصغيرتي .
ساجدة : أولا ماعلاقة الشارع بتحديد نسبة الزكاة .
حسام : الشارع أم الطريق ياصغيرته ؟
ساجدة : اسكت أنت .
الأب : الشارع أي المشرع وهو الله ، وما هو السؤال الثاني ؟
ساجدة: كيف نقرض الله وهو الذي خلقنا ؟
الأب : إن الله يريد أن يشجع عباده على الصدقة فجعل ذاته سبحانه مقترضا والإنسان مقرضا على سبيل المجاز والتشجيع لأن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد المسكين ، وأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قد كانت تعطر الدينار قبل أن تعطيه للمسكين ، فتسألها خادمها ولم تفعلين ذلك ياأمي ؟ فتقول : ألا تدرين بيد من يقع الدينار ؟ إنه يقع أول مايقع في يد الله !
حسام : وهل هناك خطورة في تحديد النسل ؟
الأب : أجل لأن هذا التحديد تُراد به الأمة الإسلامية بالدرجة الأولى .
ساجدة : ولماذا ؟
الأب : لأنهم يخافون من أعداد المسلمين المتزايدة ؛ فإن معدل عدد أفراد الأسرة المسلمة من 6-10 أفراد.
حسام : وهل يُطبق هذا التحديد على الدول المتقدمة ؟
8
الأب : أبداً بل يشجعون على زيادة النسل لأن أعدادهم تتناقص ومعدل عدد أفراد الأسرة عندهم من 3-4 أشخاص .
حسام : لقد سمعت من الأستاذ في المدرسة أن اليهود يخافون من ازدياد المسلمين في فلسطين وخاصة في غزة ؛ لذا يقومون بنشر كثير من الأشياء التي تؤدي إلى عقم الرجال أو النساء .
الأم : هذا صحيح ياحسام ، وفي بلادنا هناك مؤسسات محلية تدعمها منظمات غربية تقوم ببث ثقافة تحديد النسل بين المسلمين ، ففي كثير من المجالس النسائية أسمع حديثا عن هذا الموضوع ، ولقد قام بعض الجهلة من المسلمين بتطبيق ذلك .
حسام : نفهم من ذلك أن تحديد النسل حرام .
الأم : بالضبط ، ولكن هناك مفهوم آخر جائز وهو تنظيم النسل .
ساجدة : حدثينا عنه ياأماه .
الأم : هو المباعدة بين الأحمال بحيث يكون الحد الأدنى بين الحمل والآخر ثلاث سنوات ، وهو ماعبَّر عنه القرآن بالآية ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) .
ساجدة : هناك سؤال محرج ، هل لي أن أسأله ياأماه ؟
الأم : اسألي وسأجيبك بما يناسب سنك .
ساجدة : لماذا حددتما نسلكما مادام محرما ؟
الأم وقد ضحكت : سؤال وجيه وأرجو منكما ياولديَّ ألا تتحرجا من أي سؤال فلكل سؤال جواب يناسبه . إننا ياحبيبتي ساجدة لم نحدد نسلنا ولكن الله شاء أن يحدده لنا ، فبعد أن أنجبتكم لم يشأ الله عز وجل أن أحمل ثانية ، ولو كتب لي ذلك فسألد لك مولودا وستحبينه إن شاء الله .
ساجدة : ياليت ، فأنا أحب الأطفال كثيرا ً وصويحباتي يحدثنني عن إخوانهن وأخواتهن الصغار فتهفو نفسي لذلك .
الأم وقد اغرورقت عيناها بالدمع : نرجو من الله ذلك ، وما ذلك على الله بعزيز .
حسام : هل الأديان الأخرى غير الإسلام تحرم قتل الأولاد العصري ؟
الأب : معظم الأديان وعلى رأسها النصرانية ، فكل الكنائس على اختلاف مذاهبها حرمت الإجهاض ولكن أتباعها لايلتزمون بتعليماتها .
ساجدة : وكم هو العدد الوسطي لللأسرة المسلمة إن أرادت التنظيم لاالتحديد؟
الأب : لقد سمعت من أستاذ يقول لعامة المسلمين من 6-8 حتى يستططيع الأبوان إحسان تربيتهم ، أما في المناطق المحتلة المنكوبة كفلسطين والعراق فمن 8-10 حتى يعوضوا عن الشهداء الذين يسقطون يوميا ً.
9
ساجدة : وهل حث الشارع على إكثار النسل ؟
الأم : نعم ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم المم يوم القيامة ) . ويقول أيضا ً ( تزوجوا الودوود الولود ) .
حسام وهو ينظر من عين خفية : الحمد لله أن أختي فقهت معنى الشارع .
ساجدة : سامحك الله .
الأم : جملة رائعة منك ياابنتي ، لقد أحسنت استعمال هذه المفردة وقد أخذت من حسنات أخيك وطرحت عليه من سيئاتك بهذه الجملة الرائعة( سامحك الله ) .
حسام : وما هو السبب الثاني للإجهاض ؟
الأب : عندما يكون اللقاء بين المرأة والرجل غير شرعي ؛ أي مايسمى بالمصطلح الشرعي بالزنا ، فيفضل الزناة إن حصل حمل مع المرأة أن يجهضوه خوفا من الأولاد غير الشرعيين . وهذا ولله الحمد قليل في بلادنا بسبب الوازع الديني ولكنه منتشر في البيئات الأخرى .
ساجدة : أنا لم أفهم شيئا يا أمي .
حسام : عندما تكبرين ستفهمك أمك .
ساجدة : أنا أتكلم مع أمي .
قهقه حسام قائلا : ستكبرين يوما ما وستفهمين إن شاء الله .
ساجدة : أرجوك أن تسكت ودع الكلام للكبار .
الأم : الزواج ياساجدة لقاء مشروع بين المرأة والرجل ، وما دون ذلك يُعتبر سِفاحا ً .
حسام : وما هو السِّفاح ياأماه ؟
ساجدة باستهزاء : عندما ستكبر سيفهمك أبوك إن شاء الله ، إن انت كبرت .
حسام : كفـِّي عن السخرية أيتها الصغيرة .
ساجدة : هذه بتلك والبادىء أظلم ، كما يقول أبي .
ولم يقطع جدالهما إلا قول المؤذن ينادي لصلاة العصر : الله أكبر الله أكبر ، فقال الأب لابنه هيا ياحسام معي كي نصلي العصر جماعة في المسجد ، وقالت الأم هيا معي ياساجدة كي نقيم صلاة العصر على وقتها ثم نغسل الصحون .